20/11/2015 - 16:01

دواعش بلا دين / خليل العناني

تخبرنا التقارير التي غمرتنا بها الصحافة العربية والعالمية، في الأيام الماضية، أن ثمة مفارقات كثيرة وغرائب تحيط بـ"خلية بلجيكا" التي نفذت هجمات باريس الإرهابية قبل أسبوع، وراح ضحيتها 130 شخصاً فضلا عن مئات الجرحى. لا تتعلق هذه المفارقات فق

دواعش بلا دين / خليل العناني

تخبرنا التقارير التي غمرتنا بها الصحافة العربية والعالمية، في الأيام الماضية، أن ثمة مفارقات كثيرة وغرائب تحيط بـ"خلية بلجيكا" التي نفذت هجمات باريس الإرهابية قبل أسبوع، وراح ضحيتها 130 شخصاً فضلا عن مئات الجرحى. لا تتعلق هذه المفارقات فقط بالبروفايل الشخصي والخلفية الاجتماعية والثقافية للمتورطين في الحادث، والتي لا تخلو من دلالات سوسيولوجية مهمة، وإنما أيضاً حول العُدة اللوجيستية والتقنية التي تم استخدامها للتخطيط وتنفيذ الهجمات بهذا الشكل المرّوع، والاحترافي في الوقت نفسه، ناهيك عن حجم التعقيد والتشابك في مسارات القائمين على هذه الهجمات وعلاقاتهم. 
أولى هذه المفارقات، والتي تحولت نمطاً متكرراً في حوادث إرهابية وقعت في الفترة الماضية، هي حالة الانفلات الأخلاقي والسلوكي للمتورطين في هذه الحوادث. مثلاً، تفيد تقارير إخبارية بأن العقل المدبر لهجمات باريس، وهو البلجيكي من أصول مغربية، عبد الحميد أباعود، والذي يُعرف في الأوساط الجهادية بـ"أبو عمر البلجيكي"، لم يكن من رواد المساجد، حسب شهادة أخته ياسمين التي أدلت بها لموقع "هافنغتون بوست"، النسخة البريطانية. وكان قد تم توقيفه في حوادث ومخالفات جنائية كالسطو والمخالفات المرورية. في الوقت نفسه، كان إبراهيم عبد السلام، الذي فجّر نفسه خارج مقهى "فولتير" في هجمات باريس، مدمناً للمخدرات، ولم يذهب في حياته إلى المسجد، حسب شهادة زوجته السابقة، نعمة، للموقع نفسه. لا تختلف حالتا أباعود وعبد السلام عن حالة محمد يوسف عبد العزيز، الشاب الأميركي ذي الأصول الأردنية الذي أطلق النار على أربعة من جنود المارينز الأميركيين في ولاية تينيسي الأميركية، فأرداهم قتلى، في شهر يوليو/تموز الماضي. حيث ذكرت تقارير إخبارية عديدة أن عبد العزيز كان يتعاطى مخدر الماريجوانا، وكان يتناول أدوية مضادة للاكتئاب، بعد أن فقد وظيفته، وأصبح مديناً للبنوك. 
تتمثل ثاني المفارقات في طريقة التواصل بين "الدواعش الجدد"، فالواضح أن هؤلاء يتمتعون بقدرات لوجيستية وتقنية عالية، مكّنتهم ليس فقط من التغلب على أجهزة الاستخبارات الغربية، وهزيمتها بتنفيذ الهجمات المرعبة، وإنما لديهم أيضاً قدرة على اختراق هذه الأجهزة، كما حدث في حالة "الطائرة الروسية" التي تم إسقاطها في سيناء أواخر الشهر الماضي، بقنبلة زرعها تنظيم ولاية سيناء، من خلال ما سمّاها "ثغرة أمنية في مطار شرم الشيخ". والأكثر غرابةً طريقة التواصل بين الدواعش الصغيرة، فقد ذكرت تقارير صحافية أن مخططي هجمات باريس ومنفذيها تواصلوا من خلال شفرات وأكواد، باستخدام وسائل إلكترونية أقل عرضة للتجسس، مثل ألعاب الفيديو، كلعبة "بلاي ستايشن 4" الشهيرة. وحسب تقرير لـ "العربي الجديد"، صادرت الشرطة البلجيكية أجهزة "بلاي ستايشن 4" من شقق المهاجمين التي داهموها عقب وقوع هجمات باريس. 
تتعلق ثالث هذه المفارقات بالقدرة الكبيرة للدواعش على التحرك بحرية، من خلال إخفاء هوياتهم أو تزويرها، وذلك كما هو الحال مع "أبو عمر البلجيكي" الذي تفاخر بأنه يتنقل بين مدينة الرقة السورية، عاصمة تنظيم داعش، والعاصمة البلجيكية بروكسل بكل أريحية. ما يعكس الفشل الأمني والاستخباراتي الذريع في أوروبا. ولعل هذا ما يفسر الغارة التي نفذتها القوات الخاصة الفرنسية قبل يومين في منطقة سان دوني شمال باريس، والتي كان يعتقد أن "أبو عمر البلجيكي" موجود في أحد الشقق هناك. وسوف يصبح الأمر أكثر تعقيداً، إذا ما صحت الأنباء عن أن أحمد المحمد، أحد الانتحاريين الذين فجّروا أنفسهم أمام "ستاد فرنسا"، وعُثر على جواز سفر سوري بجوار جثته، قد اندس وسط اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى فرنسا عن طريق اليونان وكرواتيا. 
بكلمات أخرى، إننا إزاء حالة "داعشية" معقدة، تتجاوز الدين والإيديولوجيا، وتطرح أسئلة كثيرة حول تفاعلات العولمة والتكنولوجيا والقلق النفسي.

التعليقات