20/12/2015 - 08:33

الشاعر وزيرًا... فلسطينيًّا.../ معن البياري

من سوء المصادفات أن تسلّم بسيسو الوزارة من سلفه زياد أبو عمرو تزامن مع قرار الرئيس محمود عباس حل مجلس أمناء مؤسسة محمود درويش، في كيفيّةٍ، نعتها رئيس المجلس المنحل، وأعضاءُ فيه، بأنها غير لائقة، وتنادى مثقفون غير قليلين....

الشاعر وزيرًا... فلسطينيًّا.../ معن البياري

انتقل الشاعر الفلسطيني، إيهاب بسيسو، الأسبوع الماضي، من موقعِه ناطقًا باسم الحكومة الفلسطينية، إلى وزيرٍ للثقافة فيها، في تعديل وزاري أجراه الرئيس محمود عباس، وقوبل هذا التعيين بترحيب واسع من نخب مثقفة فلسطينية عريضة، بالنظر إلى سمعة طيّبة يحوزها بسيسو، وإلى أنه لم يصل إلى الأربعين بعد (مواليد 1978)، ما أشاع حديثًا متجددًا عن أهمية أن يحظى الشباب من ذوي الكفاءة بمواقع متقدمة في إدارة الشأن الفلسطيني العام. والوزير الجديد يحمل الدكتوراه في الإعلام الدولي من بريطانيا، وتؤشر مجموعاته الشعرية الثلاث إلى موهبة ظاهرة لديه. وإذ تبنّى موقفًا قويًا ضد الحكم في السعودية بالإعدام على الشاعر الفلسطيني، أشرف فياض، وأطلق حملة توقيع على عريضةٍ من أجل الإفراج عن هذا الشاب في المملكة، فذلك يعني أن المثقف والكاتب والشاعر في شخص إيهاب بسيسو، يتقدّم فيه على الموظف الحكومي الرفيع، في موقع رسمي متقدم، تؤثر عليه الحسابات السياسية وحيثياتها.

وعلى غزارة الأدباء والفنانين في الشعب الفلسطيني، فإنها مرات معدودة جدًا، تولّى فيها شاعر أو روائي أو فنان، موقعًا وزاريًا في كيانية السلطة الوطنية، وفي البال أن الروائي والقاص، يحيى يخلف، تولى حقيبة الثقافة، وأن مثقفين وأكاديميين اختيروا وزراء في حكوماتٍ سابقة، لكنها المرة الأولى التي يتسلّم شاب شاعر مسؤولية العمل الثقافي الرسمي، مع إجماع كبير على أهليته لها. غير أن 'البهجة' بهذا الأمر تصطدم بحقيقةٍ لا يمكن التعمية عليها، وهي محدودية فاعلية وزارة الثقافة الفلسطينية في المشهد الوطني العام، بل في المشهد الثقافي الفلسطيني نفسه، ليس فقط لضعف الموازنة المالية المخصصة لها، وإنما أيضاً لتراكم الشعور العام بأنها مجرد جهاز مؤسسي حكومي روتيني وبيروقراطي، يتبع سلطةً مستضعفة، لا شعبيةَ لها، ولا رضى عاماً عنها، الأمر الذي لا يمنح وزارة الثقافة الفلسطينية صورةً حسنة، وفي وسع أهل الدار، هناك، أن يتحدّث في هذا الأمر، بشكل أفضل وأوفى.

على الرغم من ذلك، أبدى الكتّاب والمثقفون الفلسطينيون الذين سرّهم تعيين زميلهم، الشاعر إيهاب بسيسو، وزيرًا، آمالًا بأن تعرف وزارة الثقافة في عهده حيويةً ملحوظة، ودورًا في تنشيط الفعل المؤسساتي الثقافي الفلسطيني، حين لا يكتفي بالمظاهر والمراسم البروتوكولية، وتنظيم الاحتفالات الموسمية، إلى فعلٍ منتجٍ وداعم، وإنْ بالإمكانات والميزانيات المتاحة، ما يتطلّب التخفّف من الترهّل والتقليدية البادييْن في عمل هذه الوزارة، الموصوفة بأنها غير ذات شأن. وإلى هذا الأمر، يُفترض أن يكون لوزارة الثقافة الفلسطينية، ووزيرها، صوت أوضح وأعلى، وأن يحوز حصة أوسع من غيره، في غير مسألةٍ وقضية، وفي مستجداتٍ قد تطرأ في أي وقت، وإنْ لم تكن محض ثقافية، صدورًا عن مفهوم الثقافة الذي يحتوي موضوعاتٍ وشؤونًا في السياسة والاجتماع وغيرهما، وهذا بديهي، لا يحتاج الشاعر إيهاب بسيسو إلى تذكيرٍ بصدده.

من سوء المصادفات أن تسلّم بسيسو الوزارة من سلفه زياد أبو عمرو تزامن مع قرار الرئيس محمود عباس حل مجلس أمناء مؤسسة محمود درويش، في كيفيّةٍ، نعتها رئيس المجلس المنحل، وأعضاءُ فيه، بأنها غير لائقة، وتنادى مثقفون غير قليلين إلى إصلاح هذا الإجراء بصيغةٍ أكثر احترامًا لهؤلاء الأعضاء وللمؤسسة ولاسم محمود درويش، وهو الأمر الذي ساندته أسرة الشاعر الراحل. وبعيدًا عن الشكليات القانونية، من حيث عدم تابعية المؤسسة المذكورة لوزارة الثقافة، فإن في وسع الوزير الجديد، وهو الصديق القريب من بعض أعضاء المجلس المُقالين، ويفترض أن له صوتًا ينبغي أن يكون مسموعًا من الرئيس عباس، أن يبتكر حلًا لهذه المشكلة التي دلّت على بؤسٍ عميق، ومعروف، في المشهد الفلسطيني، السياسي والثقافي والمؤسساتي. ولمّا كان المأمول من الوزير الشاعر كثيرًا جدًا، كما الرهان والمتوقع، فإن هذا الأمر مشكلةٌ غير هيّنة أمامه، وفّقه الله.

(العربي الجديد)

التعليقات