09/01/2016 - 12:40

مش طالع../ علاء محاجنة

الهدف هة للوقوف عند معنى وأبعاد عملية رفض تنفيذ قرارات الاحتلال التعسفية ضمن عملية الاحتجاج السياسي الذي يخوضه المقدسيون الأصلانيون في وجه سياسات التهجير والاستيطان

مش طالع../ علاء محاجنة

'مش طالع'، هكذا رد المقدسيان سامر أبو عيشة وحجازي أبو صبيح على أمر الإبعاد العسكري الذي صدر بحقهما، والذي يقضي بإبعادهما قسريا عن بيتيهما، وعن مدينة القدس لفترة ستة أشهر.

وتأكيدا على رفضهما تنفيذ قرار الإبعاد القسري، بدأ سامر وحجازي منذ قبل نحو أسبوعين اعتصاما في مقر الصليب الأحمر في حي الشيخ جراح في مدينة القدس موجهين من خلاله رسالة واضحة وجريئة ضد قرار الإبعاد بحقهما، وأيضا ضد السياسات والممارسات الاستعمارية التي تنتهجها إسرائيل في الشق الشرقي لمدينة القدس منذ احتلالها عام 1967 بهدف تهويد المدينة.

وتحولت خيمة الاعتصام إلى مزار يستقطب وفود المتضامين بشكل يومي، وتحولت لفعل سياسي بحد ذاته تدار فيه الناقشات والندوات حول وضع المدينة في ظل الاحتلال، ولا سيما مع التصعيد الخطير الحاصل مؤخرا، وهو مشهد غاب طويلا عن المدينة.

حقيقًة، لا يمكن اعتبار الإبعاد القسري بمثابة إجراء جديد حيث لجأت إليه إسرائيل في السابق، واستخدمته مرارا ضد فلسطينيين في حالات عديدة ومناطق مختلفة، وجرى استخدامه أيضا ضد المقدسيين أيضا في محاولة منها قمع وإخماد أي عمل مقاومة ومواجهة لسياساتها وممارستها الاستعمارية في القدس.

من الناحية القانونية وبخلاف حالات أخرى تم فيها الإبعاد عن طريق سحب الإقامة عن المقدسيين، كما حدث مع نواب المجلة التشريعي من حركة حماس قبل حوالي خمس سنوات، فقد جرى إصدار أمر الإبعاد بحق سامر وحجازي وفق أنظمة الطوارئ والتي يعود تاريخها لفترة الانتداب البريطاني من العام 1945 موقعة من قبل الحاكم العسكري للمنطقة معللة إصداره بذرائع أمنية واهية (فمثلا في حين يمنع الأمر تواجدهما في مدينة القدس فهو يسمح بتواجدهما في مناطق أخرى داخل الخط الاخضر مثل تل أبيب وحيفا وغيرهما).

ليس الهدف هنا الخوض في حيثيات أمر الإبعاد القانونية، وهي عديدة وتستوجب الوقوف خاصة وأن الحديث عن أمر إبعاد عسكري في منطقة تعتبر وفق المفاهيم الإسرائيلية جزءا من الدولة اليهودية، وهي لا تسعى أيضا لتحليل دستورية أمر الإبعاد بناء على مفاهيم القانون الدولي الإنساني وهو القانون النافذ في شرقي القدس بكونها أراضي محتلة وفق قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية أو حتى وفق القانون الدستوري الإسرائيلي نفسه، بقدر ما تهدف للوقوف عند معنى وأبعاد عملية رفض تنفيذ قرارات الاحتلال التعسفية ضمن عملية الاحتجاج السياسي الذي يخوضه المقدسيون الأصلانيون في وجه سياسات التهجير والاستيطان.

منذ العام 1967 تمارس إسرائيل يوميا، وبشكل ممنهج، سياسات تعسفية ضد الأصلانيين أبناء القدس تهدف من خلالها إلى إجبارهم على مغادرة المدينة من أجل تحقق التفوق الديمغرافي المنشود، وبالتالي تهويد المدينة. في السياق ذاته، يمكن إدراج سياسات عديدة مثل هدم البيوت ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات عليها وإبطال 'الإقامة الدائمة' من المقدسيين وعزل المدينة بإقامة جدار الفصل العنصري حولها، وبترها عن امتدادها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي مع سائر مناطق الضفة الغربية، والاعتقالات التعسفية والمحاكم المفبركة والإعدامات الميدانية وغيرها. وبفعل كونها الطرف الأقوى تفرض إسرائيل سياساتها وممارساتها القمعية هذه بالقوة مستخدمة لتنفيذها المنظومة القانونية تارة أو عبر وسائل أخرى.

غالبا اقتصرت مواجهة المقدسيين لهذه الممارسات على وسائل محدودة بطبعها، مثل الاعتراضات والتوجهات القانونية، وفي بعض الأحيان تطورت لتصبح هبات شعبية. وعليه فإن نهج رفض الانصياع لممارسات تهجيرية وتحديها، وتحويله لنموذج مواجهة جديد وشامل هو بمثابة تصعيد نوعي لما فيه من محاول لاختراق أنماط سائدة ومعتادة من الاحتجاج السياسي، والتي بمرور الوقت أصبحت ضمن هامش العمل المسموح به وفق المفاهيم الإسرائيلية في إدارتها الصراع مع السكان الأصلانيين.

بمقدور نهج الرفض هذا إذا ما تمت منهجته في مواجهة بعض السياسات التهجيرية (بموازاة استعمال الوسائل المتاحة الأخرى، فليس القصد هنا التخلي عنها) تحدي موازين القوة القائمة في العلاقة ما بين المستعمر والأصلاني، وعلى أقل تقدير إجبار المستعمر على إعادة حساباته وتقديراته بمفاهيم هذه العلاقة.

تجربة الاعتصام في مقر الصليب الأحمر ليست جديدة بحد ذاتها، إذ سبقها اعتصام نواب حركة حماس المقدسيين قبل خمس سنوات رافضين الانصياع لقرار وزير الداخلية القاضي بسحب الإقامة الدائمة منهم وتهجيرهم من بيوتهم وعن مدينتهم. فعليا ما هو جديد في تجربة سامر وحجازي هذه أن بإمكانها أن تكون مثالا يحتذى به لأي حراك شبابي وشعبي (غير حزبي) وهو مصدر قوتها. بمعزل عن محصلة الاعتصام الأخيرة ونتيجته، يمكن لهذه التجربة أن تلهم العديد ممن يتعرضون لممارسات تعسفية أنه بإمكانهم الرفض وعدم الانصياع لها أو على أقل تقدير محاولة إفشالها. مجرد الرفض هو خروج عن خانة المفهوم ضمنا في معادلة القوة التي تحاول إسرائيل فرضها في المدينة، وبذلك يمكن أن تلزم إعادة الحسابات من جديد.

 

التعليقات