16/02/2016 - 17:11

نتنياهو وهو يدفن حل الدولتين../ سليمان أبو ارشيد

نتنياهو يدرك وهو يبني نظام الأبرتهايد الإسرائيلي، ضرورة ضرب المتصدين المحتملين له من الداخل (العرب في إسرائيل)، ومن الخارج ( حركة المقاطعة)، وهو يراهن على أن ينجو بالأبرتهايد ستين سنة أخرى، مثلما نجا بالاحتلال ستين سنة ونيف عندها سيخلق الله ما لا تعلمون

نتنياهو وهو يدفن حل الدولتين../ سليمان أبو ارشيد

من نافل القول إن الهجمة المنسقة التي شنها نتنياهو ضد نواب التجمع، هي حلقة في الحملة السلطوية الشاملة التي يقودها شخصيا ضد الفلسطينيين، والتي يندرج في نطاقها إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وإعادة رسم حدود وتقليص مساحة العمل السياسي البرلماني وغير البرلماني، بموازاة إعادة رسم حدود وتقليص رقعة التطور العمراني للقرية والمدينة العربية المتمثل بمصادرة الأرض وهدم البيوت.

القضية إذا هي ليست اجتماع نواب عرب مع عائلات شهداء، فقد سبق ووعد نتنياهو بأنه سيستهدف التجمع، وتحديدا النائبة حنين زعبي، عندما أعلن عن نيته إخراج الحركة الإسلامية عن القانون. ولكن اللافت هو خطف نتنياهو راية العداء للعرب من ليبرمان ليثبت أنه "رجل أفعال لا أقوال"، فبعد أن أخرج التيار الإسلامي الراديكالي (الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون) ها هو يضع ضوابط للتيار القومي "الراديكالي" (التجمع)، وبعد أن نزع "شرعية" العمل غير البرلماني هو يضع شروطا أمام العرب لممارسة العمل البرلماني أيضا.

ولكن بعكس ليبرمان نتنياهو يعرف ماذا يريد، ويخطئ من يعتقد أنه يسعى فقط لمنافسة ليبرمان على استثمار خطاب معاداة العرب لكسب أصوات اليمين، فهو يرصد التحولات السياسية الجارية، ويستشرف تعاظم وزن وثقل العرب في إسرائيل في مرحلة ما بعد حل الدولتين، الذي يشارك في دفنه بيديه.

 تعاظم ثقل دور العرب في إسرائيل لا يتجلى في نسبة مشاركتهم في "انتفاضة الأفراد" فقط، وفي كونهم يسكنون قلب فلسطين التي يريدها نتنياهو تاريخية تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الأبد، بل ويتجلى دورهم في كشف القناع الساتر لوجه الديمقراطية الإسرائيلية وإظهار حقيقتها الإثنوقراطية أو اليودقراطية أمام العالم، وفي هذا السياق تقول إسرائيل إن العقل المحرك لحركة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS) هو من عكا ومتزوج من أم الفحم، ويدعى عمر البرغوثي. التزاوج بين حركة المقاطعة والعرب في إسرائيل هو تمازج خطير بالنسبة لإسرائيل يجب ضرب طرفيه اللذين يشكل كل منهما منفردا خطرا إستراتيجيا كما تدعي مراكز أبحاثها.

التقارير الإسرائيلية ترى أن آثار المقاطعة ستكون كارثية، وأن حركة المقاطعة باتت تشكل "تهديدًا إستراتيجيًّا"، ولذلك أعلنت إسرائيل منذ عام 2013 ما وُصِفتها بالحرب المفتوحة على المؤسسات والتجمعات الحقوقية والشعبية الأوروبية المنادية بفرض المقاطعة، وأطلقت العنان لآلة الدعاية الإسرائيلية واليهودية في أرجاء العالم للتصدي لها، إدراكا منها أن المقاطعة قادرة على إيصال إسرائيل إلى عزلة دولية شبيهة لما تعرض له نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا.

ورصدت حكومة نتنياهو ملايين الدولارات لتمويل حملات دعائية ضد حركة المقاطعة وناشطيها، وتصعيد العمل الاستخباري الذي تقوم به الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الداخل والخارج ضدها، إضافة لسن قوانين تجرّم المقاطعة في البلدان "الصديقة" لإسرائيل كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا وحتى بريطانيا.

ويبدو أن هذه الحرب قد أعطت ثمارها، حيث أعلن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أنه سيوقع على قانون سنّه الكونغرس الأمريكي يتعلق بمحاربة حملات المقاطعة لمنتجات المستوطنات، وينص القانون على أن تعمل الولايات المتحدة على ممارسة ضغوطات لمنع حملات المقاطعة هذه على إسرائيل من خلال الضغط على الحكومات والمؤسسات والمنظمات الدولية، وخاصة تلك التي تستهدف المستوطنات الإسرائيلية.

ومؤخرا أعربت الحكومة البريطانية عن نيتها سن قانون يجعل من مقاطعة المؤسسات الممولة حكوميا لبضائع أو خدمات معينة جريمة يحاسب عليها القانون، وسيطال القانون المجالس المحلية والمؤسسات العامة وحتى بعض الجامعات. فيما اعتبر مسؤول حكومي رفيع أن المقاطعة "تسمم الأجواء وتهدد السلم الاجتماعي وتشجع العداء للسامية". ويأتي ذلك في أعقاب قرار الاتحاد الأوروبي وسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية، والذي أدى إلى غضب عارم في الأوساط السياسية الإسرائيلية.

وإذا كان نتنياهو قد تمكن من دفع أمريكا وبريطانيا لسن قوانين تعيق التصدي للأبرتهايد المفترض فكيف لا ينجح في سن قوانين تهدف لتكميم أفواه منتقدي سياسة الأبرتهايد تلك، وكما أسلفنا فإن نموذج جنوب إفريقيا يمثل أمام عيني نتنياهو، وهو يؤبن حل الدولتين ويجمع خمسة ملايين فلسطيني، منهم مليون ونصف داخل الخط الأخضر، يعيشون في معازل هي أشبه بالبنتستونات، تفصل فيما بينها حواجز عسكرية إسرائيلية وفيما بينها وبين الإسرائيليين جدران عازلة.

نتنياهو يدرك وهو يبني نظام الأبرتهايد الإسرائيلي، ضرورة ضرب المتصدين المحتملين له من الداخل (العرب في إسرائيل)، ومن الخارج ( حركة المقاطعة)، وهو يراهن على أن ينجو بالأبرتهايد ستين سنة أخرى، مثلما نجا بالاحتلال ستين سنة ونيف عندها سيخلق الله ما لا تعلمون.

التعليقات