18/03/2016 - 13:33

مقهورون ضد مقهورين/ سهيل كيوان

يقوم القامع بتنمية الأحقاد بين ضحاياه، مباشرة أو غير مباشرة، وقد يعلن موقفًا تجاه واحد على حساب آخر، أو يعلن استحسانه لرد فعل أحدهم ويسوّقه على أنه الذكي والحكيم والبراغماتي الذي يمكن التفاهم معه!

 مقهورون ضد مقهورين/ سهيل كيوان

عندما تجد مجموعة من المقهورين نفسها داخل إطار ومساحة يحددها لها جلادها الذي يمسك بخناق لقمة عيشها، ويقرن كل ما يقدمه لها من فتات بالخضوع الكامل المذلّ، حينئذ يبحث المقهورون عن متنفس لغضبهم وإحباطهم، وبما أنهم عاجزون عن مواجهة القامع الأول والأخطر والأثقل، فهم يتجهون إلى التدقيق في تصرفات بعضهم البعض( يقفون لبعضهم على الحرف)، ويصبح همّ كل فرد منهم استعادة توازنه وكرامته المستباحة على حساب من هم أضعف منه من أبناء جلدته، فتراهم يتجاهلون جرائم القامع الأول لعجزهم عن مواجهته، بل و'يبدع' بعضهم بإيجاد التبريرات للمجرم الأساسي، فيحمّلون  أخوتهم الضحايا مسؤولية تعرضهم للقمع وينسبونه لسوء التصرف والفشل بإدارة الصراع بالشكل الصحيح! هكذا مثلا نرى أن الكثيرين يوجهون أصابع الاتهام لبعض القيادات العربية، لما آلت إليه أواضعنا، بل وينتظرون منهم زلة في موقف أو جملة عابرة لتبرير سياسة قمع عمرها مائة عام ضد شعبنا!    

يتجاهلون القامع الحقيقي أو يوجهون له 'انتقادات' تكون من باب 'النصيحة'، أو من باب تحريك عاطفته وإنسانيته وتدليك أنانيته ونفخه، مثل اقتباس مقولات أو أشعار قيلت في يوم ما وبظروف أخرى على لسان أحد رموزه! كالاستشهاد أمام نتنياهو بجملة إنسانية قالها جابوتنسكي أو هرتسل أو كتبها والد نتنياهو في كتاب، بينما يعملون من الحبّة قبة، عندما يتعلق الأمر بخطأ أحد أبناء جلدتهم! تصبح كلمة أو حركة من أحدهم سببا لاشتعال صدام، قد يصل حد الاعتداء الجسدي وإراقة الدماء، وتصبح لديهم حساسية مَرَضية لما يسمونه 'كرامتهم الشخصية' التي تتفاقم حساسيتها كلما تفاقمت استباحة الكرامة الجمعية، هذه الحساسية الشديدة للكرامة الشخصية تطفو فقط في مواجهة بعضهم البعض! ببساطة ينفجرون بوجوه بعضهم البعض بسبب عجزهم عن الانفجار في وجه القامع الأقوى!

إلى جانب هذا، يقوم القامع بتنمية الأحقاد بين ضحاياه، مباشرة أو غير مباشرة، وقد يعلن موقفًا تجاه واحد على حساب آخر، أو يعلن استحسانه لرد فعل أحدهم ويسوّقه على أنه الذكي والحكيم والبراغماتي الذي يمكن التفاهم معه! بينما يضع الآخرين في خانة التطرف ليحملهم مسؤولية جرائمه! هذا شعار تردّده القيادات الصهيونية منذ قرن، بأن القيادة الفلسطينية والعربية هي سبب مأساة شعب فلسطين، هذا يعني براءتها من جرائمها، وحينئذ نسمع من يقول نعم قيادتنا مسؤولة ليس من باب النقد بل من باب الهرب من المواجهة الحقيقية ودفع الثمن.    

تتفاقم الحساسية للقيم والأخلاق والشرف، في مثل هذه الظروف، خصوصًا لدى الشخصية العربية التي يرتكز رصيدها الثقافي على شعر الحماسة القديم، والذي يتكئ على القتال والكرم وتحدي الخصوم، فكيف يمكن لمن يتغنى بالأمجاد والشجاعة والإقدام والكرم أن يهان بلا ردة فعل، أين يذهب بهذا الكم الهائل من خزين ثقافة الكبرياء! إن لم يكن على شكل انفجارات في وجه شركائه وأبناء جلدته من الضعفاء المقموعين مثله!

التعليقات