18/04/2016 - 13:13

دارفور.. الحق على الشيطان

ربما هي المرّة الأولى التي يقرّ فيها الرئيس السوداني، عمر البشير، بوقوع مظالم وتعدٍّ على الناس وأرواحهم وممتلكاتهم في إقليم دارفور، لكنه يحمّل مسؤولية هذا كله على الشيطان، فيقول، في أثناء جولته في الإقليم، قبل أيام

دارفور.. الحق على الشيطان

ربما هي المرّة الأولى التي "يقرّ" فيها الرئيس السوداني، عمر البشير، بوقوع "مظالم وتعدٍّ على الناس وأرواحهم وممتلكاتهم" في إقليم دارفور، لكنه يحمّل مسؤولية هذا كله على الشيطان، فيقول، في أثناء جولته في الإقليم، قبل أيام، إن "الذي حصل حصل، والقدر وقع، والشيطان دخل علينا، وعلينا أن نلعنه". والبديهي أن استباحة الناس الآمنين ونهب أرزاقهم (مواشيهم مثلاً) وإزهاق أرواحهم وحرمانهم من الأمن والأمان، ناهيك عن الاستعباد والاغتصاب، أفعال شيطانية، ارتكبها في الإقليم السوداني بشر مسلحون، ينتسبون إلى تشكيلاتٍ محاربة، يوالي بعضها الحكومة، وأخرى بلا عددٍ ظلت تتناسل منذ اندلاع النزاع هناك، قبل ثلاثة عشر عاماً، وتآكل منها من تآكل، وفاوض الحكومة منها من فاوض. وفي الأثناء، قضى أكثر من مائتي ألف، بحسب الأمم المتحدة، وإنْ أرادنا البشير، قبل أعوام، أن نصدّق أنهم عشرة آلاف (عدد السكان نحو سبعة ملايين).

جديد هذا الملف، المهمل إعلامياً في الموسم الراهن، أن الرئيس السوداني، وحكومته، يشيعان أن إقليم دارفور خالٍ من التمرد الآن، ويتحقق السلام فيه بتقدّم كبير، ولم تعد هناك حاجة لوجود البعثة العسكرية المشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) فيه. وجاءت الأخبار، أخيراً، على اكتمال مشروع القرية النموذجية للعودة الطوعية للنازحين في شمال الإقليم، ضمن المبادرة القطرية لتنمية دارفور، ما يبعث على افتراض أن مسار السلام في عموم الإقليم السوداني المنهك يمضي جيداً، وربما يجعل المراقب يميل إلى الاقتناع بقول عمر البشير، أخيراً، إن التعافي في الإقليم تحقق بنسبة 85%، ويعد باكتمال الباقي في العام المقبل. وإذا كانت منظمات حقوق الإنسان، المحلية والدولية، تنشط في رصد انتهاكاتٍ، بعضها مريع، لا يبدو أنها توقفت، فذلك عملها، غير أن إعلان البشير عن لجنةٍ قوميةٍ عليا ستعمل على جمع السلاح من المواطنين في دارفور يستحق الدفع به جدياً إلى الأمام، لا سيما وأن المطروح أن تتم العملية على مرحلتين، أولاهما طوعاً وبمقابل مادي، والثانية بالقانون.

ليس إنجاز هذا الطموح عملا هيّناً، في بيئةٍ يُباع فيها السلاح في الأسواق، وحيث بين أيدي السكان 12 مليون بندقية، على الأقل، كما سمع كاتب هذه السطور من أحد مستشاري البشير في الخرطوم، ومن الخبراء المعتدّ بهم في شؤون الإقليم (عبدالله مسار) قبل سبع سنوات. وإذ يطرح الرئيس هذه المبادرة، الشجاعة والعويصة، مقرونةً بتعهدٍ منه بأن تبدأ السلطات تعويض المتضرّرين من الحرب، فالمأمول، عندئذٍ، أن تنزل هذه الوعود على الواقع، على أن لا تمارس السلطة وأجهزتها مسؤولياتها في هذا كله، وفي بالها أن الشيطان من أحدث مظالم النهب والفتك والاقتتال والاغتصاب، من دون أي حقٍّ على الدولة وجيشها والمليشيات الموالية لها. فالمؤكد البديهي أن الجميع (الحكومة وخصومها) اقترفوا جرائم جسيمة في الصراع القبلي والعرقي (لا مطرح لدوافع دينية، فالكل مسلمون) في إقليم دارفور الذي لا توفر التقارير الميدانية الميسورة إحاطةً كافية بشأن أربعين مخيما للنازحين والمهجرين والفارّين فيه، ماذا عنها بالضبط، وما مدى جدية البرامج العملية لإنهاء وجودها، وهي (معالم!) مشينةٌ إنسانياً، ويدلّ الشقاء الإنساني فيها، كما رأى بعضَها صاحبُ هذه الكلمات، على اهتراء الدولة السودانية، وانعدام الحس الأخلاقي عند صنّاع الاقتتال الأهلي هناك، متمردين كانوا أو حكوميين أو بين بين.

لم تأت السطور السابقة على استفتاء الأسبوع الماضي، لحسم بقاء الإقليم خمس ولاياتٍ أم تحويله وحدة واحدة، وقد قاطعته تشكيلاتٌ متمرّدة، وتحمست له الحكومة، وعارضته واشنطن.. هي تفاصيلُ تخص اتفاقيات سلام ومصالحاتٍ، فيها متاهاتٌ منظورة وغير منظورة، والأجدى بإنعام النظر فيه، من بعيدٍ طبعاً، أن بؤساً مريعاً هناك، يحسُن تشجيع أي بادرةٍ نحو التخفيف منه، وإذا صحّ أن الشيطان هو من دخل بين السودانيين، فوقع ما وقع، ففي الوسع أن لا يُكتفى بلعنه، ذلك أنه لن يكترث... كالعادة. 

(العربي الجديد)

التعليقات