14/06/2016 - 10:07

سؤال طفلة في مسجد الجزار

قبل أشهر رافقت أطفالا في سن الثامنة، في رحلة ترفيهية وتثقيفية في مدينة عكا. زرنا معالمها التاريخية ومن ضمنها جامع الجزار أو جامع الأنوار.

سؤال طفلة في مسجد الجزار

قبل أشهر رافقت أطفالا في سن الثامنة، في رحلة ترفيهية وتثقيفية في مدينة عكا. زرنا معالمها التاريخية ومن ضمنها جامع  الجزار أو جامع الأنوار.

المرشد الذي رافقنا قال للأطفال، إن في المسجد شعرات من لحية الرسول محمد (ص)، -وهذا أمر طالما سمعناه-، وأوضح عن مصدر الشعرات فقال إنه في معركة أُحُد ضرب أحد الكفار رأس الرسول الكريم (ص)، ولكن الرسول كان يرتدي خوذة حمت رأسه الشريف، ولكن بسبب شدة الضربة أطبقت الخوذة على رأسه  والتصق شعر من رأسه بالخوذة، هذه الخوذة بقيت في المدينة المنورة مئات السنين حتى أتى من نقلها إلى استنبول في زمن الخلافة العثمانية، وكان في الخوذة اثنتا عشرة شعرة، وعندما أنشئ مسجد الجزار عام 1792 ميلادية، أرسلت ثلاث شعرات من شعرات الرسول الكريم في زجاجة هدية للمسجد. وفي ليلة القدر في رمضان الكريم يجتمع أهالي عكا والمنطقة في المسجد ليتباركوا بالزجاجة التي تحوي شعرات الرسول الكريمة.

يتبادر للذهن بشكل طبيعي جدًا، هل هي بالفعل شعرات الرسول ومنذ معركة أحد الشهيرة؟ علمًا أن معركة أحد وقعت في السنة الثالثة للهجرة أي عام 625 ميلادية، أي قبل حوالي 1400 عام  وقبل نصر المسلمين على قريش بسنوات!

رغم التساؤلات التي تتبادر للذهن فإن الكبار عادة يصمتون ليس تسليمًا بمصداقية الرواية بل تحاشيًا لفتح نقاش لا يسمن ولا يغني، رغم التساؤلات التي تدور في الأذهان! أو خشية رد فعل قد يكون حادًا وقد يتهمهم بعض المتشددين  بإيمانهم، مع أنه لا علاقة بحق التساؤل والتشكيك في هكذا حالة ورواية وبين الإيمان. 

 إلا أن الأطفال ببراءتهم واضحون لا يحسبون حسابات كثيرة لرد الفعل، فتساءلت طفلة ذكية ببراءة ' كيف نعرف أنها شعرات الرسول، وأنت قلت إن في هذا المكان جرت حروب كثيرة؟! كيف نعرف أنها شعرات رسولنا بالفعل ولم يستبدلها أحد؟!

سؤال الطفلة منطقي جدًا، وعلى المرشد والمرافقين أن يردوا على تساؤلها!

وبغض النظر عن إجابة المرشد، فعندما نقول حرية تعبير فهذا ما نقصده، أن يتاح لكل إنسان كبير أو صغير أن يتساءل بحرية كما لو كان طفلا من دون أن يتوقع رد فعل عنيف على تساؤلاته!

كي نضمن نشوء حرية فكرية متقدمة وإخصابًا فكريًا، يجب أن نتساءل عن كل شيء كما لو كنا أطفالا، فالدكتاتوريات تبدأ من ردة الفعل على أسئلة الأطفال. صحيح أن الطفل قد يحرجنا في بعض المواقف أو المسائل، ولكن يجب أن نقدس حرية السؤال والتساؤل، وأن نشجع الناس عليها كما لو كانوا أطفالا، وأن نسمح للطفل بالتساؤلات، ليس فقط في المسلمات الدينية، بل أيضا بالمسلمات الدنيوية. 

هذه الأسئلة تبدو ساذجة أحيانًا، وهي ما يفتقده البشر في الوطن العربي، حرية السؤال، وحق الحصول على جواب، على كل سؤال آخر يتعلق بالحياة العامة، وحول القوانين والعادات التي نجد أهلنا وأجدادنا عليها، وعلى السلطة وعلى التنفيذ.  حرية التعبير تعني حق السؤال بحرية تامة دون التعرض لا للعقاب ولا للتشكيك ولا لتهمة التآمر وإضعاف الأمة ـ وطبعًا ولا للتكفير، سنتقدم عندما تسن القوانين التي تكفل لنا السؤال حول كل المقدسات السماوية والأرضية، وسؤال الحاكم ورأس الهرم في السلطة حتى الموظف الصغير، ما الذي تفعله بموقعك وما الذي فعلته؟ من حق الناس أن يعرفوا من أين لك هذا أيها المسؤول! 

معظم اللصوص إذا سألتهم من أين لك هذا ردوا باستنكار: هل تتهمني بالسرقة؟ هل تشكك بنزاهتي، إذا كنت تشكك فلا أريد  حوارًا معك! أما ذوو الأيادي النظيفة فإذا سألتهم ابتسموا وقالوا لك 'تفضل افحص ما تشاء'، والوضع أقسى واعقد عندما يتعلق السؤال في الأمور الدينية.

من حق الإنسان أن يشغّل عقله بالسؤال، وأن لا يبقي هذا سرًا، بل أن يجهر به، فالعقل هو النعمة الأكبر التي منحها الخالق للإنسان، هذه النعمة منحت له كي يستعملها وليس ليتقبل كل شيء كما هو من دون سؤال وتساؤل، فلولا الشك والتساؤلات لما وصلنا إلى الحقيقة ولو جزئيًا، ولما تقدمت الأمم، لأن العقول الكسولة التي تتقبل كل ما يقال لها ولا تناقش تتبلد مع مرور السنين، وإذا نامت العقول نامت الأمم، فحرية التساؤل والتشكيك هي مفتاح المعرفة.

اقرأ/ي أيضًا لـ سهيل كيوان

التعليقات