20/06/2016 - 07:50

أريد فندقًا بلا عرب...

بدايًة، إليكم هذه المختارات التي قد تسمعونها وربما أنكم أنتم بأنفسكم تتفوهون بها، وذلك مع اقتراب العطلة الصيفية وبدء تخطيط الكثير من العائلات لرحلات ترفيهية خارج البلاد.

أريد فندقًا بلا عرب...

بدايًة، إليكم هذه المختارات التي قد تسمعونها وربما أنكم أنتم بأنفسكم تتفوهون بها، وذلك مع اقتراب العطلة الصيفية وبدء تخطيط الكثير من العائلات لرحلات ترفيهية خارج البلاد.

إليكم هذه الباقة مما قد تسمعونه في مكاتب السفر مثل "أريد مكانًا ألا يكون فيه عرب ولا يهود وليس مهما أين"، "أريد فندقًا بدون عرب"، أول جملة مثل "إسمع يا زلمة كانت أكثر رحلة انبسطت فيها لم يكن في الفندق أي عربي باستثاء عائلة واحدة محترمة"، أو "إسمع أنا كنت في رحلة حسّيت حالي في البلد... شعرت أن كل أهل البلد هناك، أتصبّح وأتمسى بأهل البلد، الرحلة خربت"... "كانت رحلة الله لا يورجيك إياها، حسيت حالي في أم الفحم، كلهم من عربنا، وجلابيات من كل حدب وصوب، من الشمال ومن والمثلث يا ريتني ما رحت"، "يا أخي ما أن طلعنا ع الطيارة ولهي مليانة عرب، إسمع لو سقطت هذه الطائرة ما اهتمت إسرائيل، حتى الأمن لم يهتم بالتفتيش لأن ركابها كلهم عرب، يعني بتقدر تنفجر"...  "يا أخي العرب عزارة وبهدلة... وين ذهبوا إزعاج وفوضى".

بعد هذا يبدأ كل واحد من المستمعين الكرام بالحديث عن تجربة خاصة حدثت له مع عرب في إحدى رحلاته، والحديث طبعا لن ينتهي، ومعظم الحديث عن سلبيات وجودك بين عرب وكأن المتحدثين من النمسا أو من مناطق روسيا النائية، وأخيرًا يشفق أحدهم على الأمة ويزيح الغمّة فيقول: "...ولكن هناك عربا أوادم" (بالله جد!)، ثم يحكي قصة تبدو أنها من عالم الواقعية السحرية في روايات غارسيا ماركيز عن أسرة عربية "محترمة" ساعدته عندما فقد جواز سفره أو عندما انكسرت رجل ابنته الغالية في البركة، أو عندما فقدت زوجته محفظة  نقوده، فتقاسمت الأسرة العربية معهم النقود ولم يشعروا بنقص، وواصلوا رحلتهم بسعادة... و"من يومها نحن أصدقاء ونتبادل الزيارات". وحينئذ يتبعه آخرون ويتحدثون عن وجود عرب أوادم، يعني غير متوقع!

أتساءل مثلا هل الألماني يطلب أن يكون الفندق الذي سينزل فيه في تركيا خاليًا من الألمان! وهل هذا ما يطلبه الروسي أو الطلياني! أم أن هذا أمر لم يخطر في بالهم من أصله ولم يهتموا من ينزل إلى جانبهم في الفندق!

بلا شك أن هناك سببا لتوجهنا السلبي لذواتنا، ويبدو أننا مزعجون بالفعل، وليس لدينا ضوابط، وربما هذا الذي يطلب أن يكون بعيدًا عن العرب هو نفسه يتصرف بشكل غير لائق، ولكنه لا ينتبه لنفسه ويظن أن سلوكه جيد!

ربما بسبب تعطشنا للحرية وبسبب القمع المسلط علينا من السلطة ومراقبتنا والتشديد على كل حركة نأتي بها والتحذيرات اللانهائية الموجهة إلينا. صرنا نظن أن الفوضى هي حرية! وكما قال درويش" حريتي فوضاي"، صرنا نشعر أن الانضباط صفة ضعف وجبن وعلينا أن نثبت العكس، أو لأننا لا نستطيع التصرف بحرية في بلادنا، ولهذا نمنح أبناءنا حرية الصراخ والقفز والركض في ردهات الفندق، وأن يرقصوا ويغنوا ويلقوا على بعضهم الماء والـ"كاتشوب" في صالة الطعام في الفندق، وأنت طبعا عليك أن تبتسم وتقول "ما شاء الله ربنا يحميهم شو نغشين"!

هناك سبب آخر هو أننا بالفعل نريد مشاهدة وجوه جديدة، وحقيقة أن وجودك في فندق بين الأجانب يمنحك هدوءًا أكثر، وذلك أنهم يوازنون بين حريتهم الشخصية وبين حرية الآخرين، طبعًا لا يخلو الأمر من وجود شواذ أيضا بينهم يثملون ويقلقون كل ما حولهم، وقد يمارسون العنف بين بعضهم. بالإمكان أيضًا مشاهدة ما يجري بين أنصار فرق كرة القدم الأوروبية في الشوارع، صدامات تنتهي بجرحى واعتقالات وتحطيم سيارات وواجهات، ولكن القاعدة لدى أكثريتهم هي الانضباط في الأمكنة العامة والوقوف بالدور وعدم الصريخ والحديث حتى بهمس، ولهذا قد نشعر ونردد بأنهم "أرقى منا".

نقطة ثالثة وربما هي الأهم، فأنت لا تريد أن يرى أبناء بلدك زوجتك في بركة الفندق، أو في غرفة "المساج"، تريد لها ولك الحرية المطلقة، تريد أن تفعل ما يحلو لك من دون رقيب، ويبدو أن الرقيب الذي يحاصرنا في قرانا ومدننا تمتد رقابته إلى رحلات الترفيه خارج البلاد، وهذا يشعرنا بالحرج والارتباك، فالترفيه أساسًا هو الشعور بالحرية من الرقابة والالتزامات، ويبدو أننا ننقل عقدنا الاجتماعية معنا إلى رحلاتنا، وهذا ما يجعلنا نبحث عن أمكنة خالية من العرب أقل، وخصوصًا من عربنا!

ويبدو أن كثيرين منا يمثلون أدوارًا غير مقتنعين بها، نتيجة ضغوط اجتماعية، فنسعى للتحرر منها خلال الرحلات، وخصوصًا أنواع الملابس والمظهر. 

وعليه فعندما نكف عن التدخل بالشأن الشخصي لبعضنا البعض هنا في وطننا، حينئذ ستختلف الأمور، وسوف نفرح حين نعلم أن الفندق "مليان بالعرب"، أو على الأقل لن نتذمر من جودنا بين العرب، أي بيننا نحن ومع أنفسنا.                

التعليقات