08/10/2016 - 10:15

بين المكاشفة والانكشاف الفلسطيني

تختلف الذهنية الجمعية للشعب الفلسطيني باختلاف الحقبات التاريخية، وتتفاوت درجات القوة الدافعة نحو الهدف الجمعي، إن كان في مستويات القوة والحضور أو في مستويات الثبات

بين المكاشفة والانكشاف الفلسطيني

تتعرض فكرة الاشتباك مع الاحتلال إلى ضربات قاتلة تحدث اختلالا عميقا في ذهنية المشتبك الفلسطيني، على مستوى البنيات السياسية (فصائل وقوى) أو على مستوى المجتمعات الفلسطينية التي تنحرف بوصلاتها وتتشعب قضاياها، وهو ما يستدعي اعتبار استعادة التوازن هو المهمة الرئيسية في هذه المرحلة.

تختلف الذهنية الجمعية للشعب الفلسطيني باختلاف الحقبات التاريخية، وتتفاوت درجات القوة الدافعة نحو الهدف الجمعي، إن كان في مستويات القوة والحضور أو في مستويات الثبات، الصعود والانحدار، ومؤدى ذلك يكمن في حركة استثمار القوة الجمعية الدافعة، العقلية التي عملت على استثمارها، على النحو الذي يزيد من قوتها، أو يضعفها.

إن توظيف مصادر القوة في سياق إستراتيجية فلسطينية تخدم المشروع الحقيقي والمتأصل في التاريخ والمدفوع فيه تضحيات جسام هي المسألة التي تعرضت ولا تزال إلى اختلال حاد جعل الحصول على إنجازات تكتيكية حقيقية لا وهمية يمثل استعصاء جديا لا بد من معالجته بشكل جدي من الفاعلين المؤثرين في الحركة الفلسطينية.

إن عقيدة الفلسطيني هي الاشتباك الدائم مع الاحتلال والانخراط في جبهات المواجهة، كالتزام فردي ومسؤولية شخصية، ويتم تظهير هذه القناعات إلى حيّز السلوكي والعملي من خلال أداء الواجبات، من الأدنى حيث التحديد النهائي لـ إسرائيل ككيان مغتصب لا ينبغي التعامل معه، إلى الأعلى حيث الانخراط في العملية النضالية.

هذه العقيدة انبثقت في سياق عملية تاريخية استثنائية أنتجت شخصية فلسطينية وهوية جامعة، والعنصر الأساس، حجر الزاوية في هذه الهوية يتمثل لا بفكرة الأرض (فلسطين) بحد ذاتها، بل بمبدأ الحق أولا والانتماء لها ثانيا، ووجود إسرائيل ككيان مغتصب ثالثا، وعليه فإن إزاحة هذا المركب، يعني حكما المباشرة في هدم الشخصية الفلسطينية والهوية الجامعة.

وعليه فإن الحركة السياسية تصبح حركة عبثية ولا سياسية، متى فقدت جوهرها النضالي وابتعدت عن مبدأ الاشتباك الدائم بكل أدوات الاشتباك مع الاحتلال - العدو الحقيقي، هذا العبث يهدم أهم مباني الهوية الجامعة وعناصرها الأساسية.

مهمة القيادة يجب أن تستند إلى تمسك بالرواية الفلسطينية الحقيقية، ومعرفة بالشخصية الفلسطينية ومركباتها المعقدة بعد أن ألحق بها ما ألحق من عوالق وترسبات الحقبات التاريخية المتعاقبة، والحفاظ على الهوية الجامعة، وصولا إلى تحقيق وحدة الهوية، الشعب والقضية، بعد أن نالها ما نالها من تقزيم وتقسيم.

إن مطلب الوحدة الفلسطينية لا الوحدة الوطنية الفلسطينية هو الأساس في إعادة تركيب الرواية الفلسطينية، إذ أن تكثيف التركيز على مصطلح الوحدة الوطنية الفلسطينية أدى الى تفريغه من محتواه السياسي بعد أن جرى اختزاله إلى مجرد توافقات بين هيمنات فصائلية أدنى من فكرة الوطن وعابرة لحدوده لأنها أسيرة مؤثرات غير فلسطينية، أي وحدة يجب أن ترتكز الى وحدة الشعور الوطني الفلسطيني حول مبدأي الحق التاريخي واستعادته، بهذا السياق يتم إعادة تركيب الراوية الأصلية ووضعها في خدمة الاشتباك مع الاحتلال.

ويناط بالهيئة القيادية الفلسطينية مهمات ثقيلة، وهي مهمات أكبر من قدرات وإمكانات القيادة الحالية، المأزق الحالي على مستوى الهوية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني هو نتاج الممارسات القيادية. لم يحدث أن كان الشعب الفلسطيني منقسما أفقيا وعموديا كما هو حادث الآن. المؤثرات الموضوعية تلعب دورا أكيدا في تعميق المأزق، لكن العامل الفلسطيني وغياب الديمقراطية والمشاركة هو الذي أسس للمأزق.

إن منطق المكاشفة على قاعدة المصالح العليا للشعب الفلسطيني هو الخيار الوحيد الممكن حاليا نحو صياغة إستراتيجية المستقبل، إستراتيجية تستوعب تكتيكات ناجحة ومنتجة، وألف باء المكاشفة يتطلب الاعتراف أن الانقسام بات انقساما شاملا، وأن خيار التسوية أنتج تدميرا للفكرة الحلم، والاعتراف أن القيادة الفلسطينية الحالية فشلت فشلا ذريعا في قيادة الشعب الفلسطيني، وهو ما يتطلب بدوره، تطوير الفهم الفلسطيني للأطر القيادية، بما يؤدي إلى إشراك الممثلين الحقيقيين والفاعلين للمجتمع الفلسطيني في كافة أماكن انتشاره، وتبني الخيار الديمقراطي في إعادة إنتاج أطر قيادية منتخبة ومسؤولة أمام الشعب الفلسطيني عن حماية هويته و صيانة أهدافه الكاملة.

اقرأ/ي أيضًا | إرادة فلسطينية بلا إدارة سياسية../ ظافر الخطيب

 

 

 

التعليقات