02/11/2016 - 18:23

الفلسطينيون في إسرائيل: هدوء يكسر القاعدة

استوقفني مقال كتبه احد الأكاديميين الإسرائيليين ونشر في صحيفة "هآرتس"، هذا الأسبوع، تحت عنوان "العنف القومي للعرب في إسرائيل منخفض إلى درجة كبيرة وهذا ذخر يجب الحفاظ عليه"، تناول الحالة الاستثنائية التي تميز الفلسطينيين في إسرائيل.

الفلسطينيون في إسرائيل: هدوء يكسر القاعدة

استوقفني مقال كتبه احد الأكاديميين الإسرائيليين ونشر في صحيفة 'هآرتس'، هذا الأسبوع، تحت عنوان  'العنف القومي للعرب في إسرائيل منخفض إلى درجة كبيرة وهذا ذخر يجب الحفاظ عليه'، تناول الحالة الاستثنائية التي تميز الفلسطينيين في إسرائيل.

'الهدوء' الذي يميز علاقة الفلسطينيين في الداخل بالدولة اليهودية، سبق أن أثار استغراب العديد من الباحثين الذين درسوا حالة الفلسطينيين في إسرائيل وعلاقتهم مع الدولة، في ضوء المطالبة الحاسمة من جيران إسرائيل العرب بالأرض التي تقوم عليها والدعاية الدائمة من قبل العواصم العربية، والعلاقات الروحية العميقة بين العرب في إسرائيل وبين العرب الواقعين خارج الحدود (وبضمنهم اللاجئين الفلسطينيين)، والهوية القومية المشتركة التي تجمعهم، وهي بمجملها عوامل تبعث في الأقلية العربية في إسرائيل مشاعر الاغتراب وتعمل وتحول دون اندماجها في المجتمع الإسرائيلي'.

كما يقول الباحث إيان لوستيك في كتابه 'العرب في إسرائيل' الذي صدر قبل نحو أربعين عاما.

السؤال المتعلق بأسباب انعدام التوتر وحالة الاستقرار التي ميزت وضع فلسطينيي الداخل وعلاقتهم بالدولة، كان مبعث حيرة لدى لوستيك كون هذه الحالة لا تنسجم مع رد فعل المجموعات التي تمتلك هوية جماعية مشتركة، عرقية، قومية، دينية، لغوية وغيرها، التي كما يقول، تمردت على واقعها السياسي في عشرات 'الساحات القومية'، مثل العراق، نيجيريا، باكستان قبرص ولبنان، تمرد وصل حد خوض كفاح مسلح شامل في ساحات أخرى، مثل سيرلانكا وإيرلندا الشمالية وماليزيا، التي شهدت موجات متتابعة من المواجهات العنيفة، في حين شدت أقليات إثنية أخرى في بلجيكا، كندا، بريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية أنظار العالم خلال نضالها لأجل الحصول على حقوقها الثقافية وتطوير اقتصادها و/أو الحصول على حكم ذاتي سياسي أوسع.

السؤال ذاته ألح على بروفيسور ألكسندر يعكوفسون، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية، في ضوء نتائج استطلاع رأي (هناك من يشكك في نتائجه ونحن منهم)  يفيد بأن أغلبية من بين الفلسطينيين في إسرائيل كانت تؤيد المشاركة في جنازة شمعون بيرس، تندرج إلى جانب جملة مواقف معتدلة.

يعكوفسون يستنتج أن الدم الذي لم يُسفك بين اليهود والعرب من مواطني إسرائيل، هو 'الكلب الذي لم ينبح' لشارلوك هولمز في هذه الحالة، ويشير إلى تدني مستوى العنف القومي للعرب من مواطني إسرائيل، كما يقول. إنه متدنٍ نسبة لما هو متوقع في ظل الصراع القومي الصعب بين 'الشعبين'، ووفق كل مقارنة دولية معقولة، وليس فقط أن هناك فرصة أكبر لأن يتجند المسلم في السويد لـ'داعش' أكبر من المسلم في إسرائيل، على حد قوله، بل أن الولايات المتحدة تشهد احتجاجات ومواجهات عرقية بين السود وبين الشرطة أكثر مما تشهده إسرائيل. هذا في الوقت الذي يجلس فيه في البيت الأبيض رئيس اسود، ويشغل عددا لا بأس به من السود مناصب قيادية في الشرطة.

اللافت أن هذا الهدوء الذي يميز واقع الفلسطينيين في إسرائيل والذي لم تقطع سكينته سوى هبات متباعدة، مثل هبة يوم الأرض في العام 1976 وهبة الأقصى في العام2000 ، والذي يثير استغراب علماء الاجتماع والسياسة أمثال لوستيك ويعكوفسون وغيرهما، لا يقابل بثناء المؤسسة الإسرائيلية ودوائرها، التي يبدو أنها لا تعتبره ذخرا يجب صيانته كما يعتبره يعكوفسون، وإن كان يعزوه إلى سوية العلاقة بين الدولة اليهودية والمجموعة القومية الفلسطينية التي لا يمكن وضعها في سياق علاقة السيد بالعبد، كما يزعم، لأنها لو كانت كذلك لما ساعد أي ردع في ضبطها ومنع انفجاراتها.

إلا أن لوستيك الذي كان أكثر عمقا في دراسة حالة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، استنتج أن 'الفضل' يعود الى سياسة 'الضبط والسيطرة' التي اتبعتها إسرائيل تجاه من تبقى من فلسطينيين في حدودها بعد نكبة 48، وهي سياسة قامت، وفق تعريفه، على ثلاثة مركبات تتمثل بالإقصاء والإلحاق والاحتواء، والتي تمثلت نتائجها بأنه خلال ثلاثين سنة (في حينه) على قيام إسرائيل، لم ينجح الفلسطينيون في إسرائيل في إقامة حزب سياسي عربي مستقل أو منظمة عربية مستقلة تهتم بالشأن الاجتماعي، الاقتصادي الثقافي أو المهني، ولم تقم جرائد عربية مستقلة أو قيادات عربية بالمستوى الوطني، ولم تتشكل أي منظمة ' إرهابية عربية إسرائيلية'، على حد تعبير لوستيك.

طبعا، هذا الواقع بدأ يتغير في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ولكن السياسة المذكورة ما زالت تحاصر التشكل المجتمعي الفلسطيني في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتتدخل في تفاصيل حياته من خلال قوانين وأوامر انتدابية تحول دون تأسيس واقع اقتصادي وسياسي، ينحو نحو أوتونوميا في أي مجال من مجالات الحياة، حتى أن مجموعات دينية وعرقية يهودية تتمتع بإدارة ذاتية لبعض جوانب حياتها، مثل التعليم والدين وغيرها أكثر بكثير من الفلسطينيين الذين يشكلون مجموعة قومية.

وإن كان جواب لوستيك عن أسباب حالة الهدوء والاستقرار التي تميز علاقتنا بالدولة اليهودية، والتي تشكل استثناء وفق كل المعايير العالمية، وإن كان أكثر اقناعا من جواب يعكوفسون، فإنها لا تزال حالة تاريخية غير مبررة.

اقرأ/ي أيضًا لـ سليمان أبو إرشيد

التعليقات