18/01/2017 - 17:41

هدم البيوت: عدوان متواصل يستدعي نضالا مختلفا

هدم البيوت في أم الحيران اليوم، والهدم في قلنسوة الأسبوع الماضي، والتهديد بهدم بيوت في المستقبل، هو عدوان إسرائيلي رهيب متواصل، كما بالضفة والقطاع، يستهدف الفلسطيني ويستدعي نضالا مشتركا لا يغيّب التوجه نحو الدولة الواحدة

هدم البيوت: عدوان متواصل يستدعي  نضالا مختلفا

أم الحيران، اليوم(أ.ف.ب.)

المشاهد المؤلمة والمثيرة للقهر في قرية أم الحيران منذ فجر اليوم، الأربعاء، تستصرخ عرب الداخل والفلسطينيين عموما، ليس من أجل أن يهبوا دفاعا عن الإنسان والأرض فقط، وإنما أيضا، وبالأساس، من أجل وضع خطة عليا لمواجهة عدوان إسرائيلي همجي متواصل، وبالتأكيد لن يتوقف عند أم الحيران. إن مشهد آلاف أفراد الشرطة المدججين بالسلاح ووسائل القمع وجرافات الهدم، يتكرر بكثافة حاليا.

بلال ضاهر

والعدوان على أم الحيران لم يبدأ اليوم، وإنما منذ أكثر من ستين عاما وهو مدعو من أعلى هيئة قضائية إسرائيلية، هي المحكمة العليا، التي لا ينبغي التعويل عليها كثيرا. إذ لا توجد عدالة للعربي في إسرائيل. لقد هجّرت إسرائيل، قبل ستين عاما، أهالي أم حيران من موقع إقامتهم في وادي زبالة بالنقب، في أعقاب النكبة عام 1948، ونقلتهم إلى موقع أم الحيران الحالي. وصادقت المحكمة العليا على قرار حكومة إسرائيل بإخلاء أهالي أم الحيران وهدم بيوتهم وحظائرهم من أجل تقام على أنقاضها بلدة يهودية باسم 'حيران'.

والعدوان على أم الحيران، اليوم، هو جزء صغير من مخطط أوسع بكثير يستهدف أكثر من سبعين ألفا من عرب النقب، الذين يسكنون في القرى غير المعترف بها. وهذه القرى تفتقر لكافة احتياجات الحياة، من ماء وكهرباء وشوارع وصحة وتعليم وغيرها. رغم ذلك، فإن عرب النقب قبلوا بهذه الحياة، إلا أن إسرائيل لا تريد تركهم وشأنهم. وفي النقب الواسع بأراضيه الخالية من السكان، لم تجد إسرائيل بقعة تقيم فيه 'حيران' إلا في أم الحيران وعلى أنقاضها.

وتدعي الحكومة الإسرائيلية أنها منحت أراض بديلة لسكان أم الحيران في بلدة حورة. لكن البلدات العربية في النقب، التي أقيمت في أعقاب تهجير سكانها من مواقع سكناهم الأصلية وتجميعهم بشكل عشوائي في هذه البلدات، هي قصة فشل متواصل. وهي بلدات فقيرة ومليئة بالعاطلين عن العمل. فقد أبعدت إسرائيل هؤلاء عن حياتهم الطبيعية، حياة البدوي الذي يرعى ويفلح الأرض، وتركتهم من دون توفير موارد لكسب الرزق. وتصف إسرائيل سكان القرى غير المعترف بها بأنهم 'غزاة' في أرضهم، التي سكنوها وفلحوها منذ عشرات ومئات السنين.

واللافت أنه في كل مرة وضعت فيها الحكومة الإسرائيلية خطة تصفها إنها تهدف إلى تطوير البلدات العربية في النقب، تقوم هي بنفسها بإلغائها أو عرقلة تطبيقها. كذلك فإنه بعد تقديم 'لجنة غولدبرغ' توصيات دعت إلى تسوية قضية الأرض بالاتفاق مع عرب النقب، شكلت الحكومة 'لجنة برافر'، بادعاء أن مهمتها وضع توصيات لتنفيذ توصيات 'لجنة غولدرغ'، فوضعت خطة لترحيل سكان القرى غير المعترف بها عن قراهم وأراضيهم.

وهذا الوضع لا يتعلق بعرب النقب فقط، وإنما بكل الأقلية العربية في الداخل. فقد وضعت حكومات إسرائيل خططا وأعلنت عن رصد ميزانيات للبلدات العربية وتطوير الصناعة والتجارة فيها، لكنها لم تطبقها. إلى جانب ذلك، ترفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إقرار خرائط هيكلية تسمح بتوسيع البلدات العربية، والاستجابة إلى احتياجات النمو الطبيعي.  

تصعيد إسرائيلي

لقد مرّت عملية الهدم في قلنسوة، الأسبوع الماضي، بسلام بالنسبة لإسرائيل. هُدم 11 بيتا، وقعت مواجهات ونفذت الشرطة اعتقالات، أعلن الإضراب العام ليوم واحد... وانتهى الأمر. ثم عادت الحياة إلى مجراها (غير الطبيعي أصلا). وفي موازاة ذلك استمرت المؤسسة الإسرائيلية بالاستعداد للعدوان القادم على الأقلية العربية، في أم الحيران، والتخطيط للعدوان التالي، ربما في مجد الكروم أو في المغار أو مكان آخر، أو في جميع هذه القرى.

مرور الهدم في قلنسوة 'بسلام' جعل السلطات الإسرائيلية تتمادى وتصعد عدوانها في أم الحيران. فقد بدأ العدوان اليوم بأن قتلت الشرطة يعقوب أبو القيعان. وأكد متضامنون يهود مع أم الحيران على أن الشهيد أبو القيعان كان يقود سيارته عندما أطلق أفراد الشرطة النار عليه، فأخذ يتراجع ويبتعد عن القوات التي طوّقت القرية، لكن هذه القوات استمرت في إطلاق النار من كافة الاتجاهات، ما أدى إلى إصابته وفقدان السيطرة على السيارة ونزولها في منحدر نحو قوة من الشرطة وإصابة أفرادها، ومصرع أحدهم.

الشرطة الإسرائيلية، وهي جهاز موبوء بالعنصرية، كما أكد تقرير 'لجنة أور' التي حققت في أحداث هبة أكتوبر 2000، زعمت أن الشهيد أبو القيعان نفذ عملية دهس. وزادت من كذبها بأن أعلنت أنه يجري التحقيق في أن الشهيد عضو في الحركة الإسلامية الجنوبية ومؤيد لتنظيم 'داعش'. وروجت وسائل الإعلام الإسرائيلية المتواطئة مع سياسة الحكومة المتطرفة لرواية الشرطة الكاذبة والعنصرية.

واستخدمت الشرطة في أم الحيران قوة أكبر من تلك التي استخدمتها قبل أسبوع في قلنسوة، ما أدى إلى سقوط جرحى، بينهم النائب أيمن عودة. وبهذا التصعيد، تبعث المؤسسة الإسرائيلية برسالة واضحة بأن كل عملية هدم بيوت ستمارس فيها قوة أكبر من العملية السابقة، في محاولة لردع الأقلية العربية وقيادتها. والسؤال المطروح الآن هو كيف ستمنع الأقلية العربية وقيادتها عملية هدم واسعة مقبلة؟

سياسة متجذرة

تردد اليوم، وكذلك في الأيام الماضية، الادعاء بأن عمليات الهدم في قلنسوة وأم الحيران نابعة من ضائقة نتنياهو جراء التحقيقات الجنائية ضدها، والتي قد تهدد حكمه. لكن هذا ادعاء يجافي الواقع ويتجنى عليه، وهو ادعاء خاطئ من أساسه. ذلك لأن نتنياهو وحكومته وضعوا هذه السياسة العدوانية الهمجية، وصرحوا بخصوصها، قبل وصول معلومات حول الشبهات ضد نتنياهو، منذ عدة أشهر. بل أن هذه مخططات موجودة منذ عشرات السنين، وضعها أسلاف نتنياهو، وهو يسعى إلى تنفيذها. ولعل أبرز دليل على ذلك هو بقاء عشرات القرى العربية في النقب من دون اعتراف المؤسسة الحاكمة بها. كذلك فإن 'مخطط برافر' الرهيب، بترحيل عشرات ألوف العرب عن القرى غير المعترف بها، أقرّته حكومة نتنياهو في أيلول/سبتمبر العام 2011.

ويبرز في عمليات الهدم العدوانية الإسرائيلية تغول حكومي تعسفي وهمجي. فقد زعم وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، أنه يأمل بأن ما حدث في أم الحيران 'ليس مؤشرا على تغيّر في علاقات البدو مع سلطات الدولة'! كأن العلاقات كانت جيدة طوال عشرات السنين الماضية، ولم تكن هناك عمليات تهجير وهدم العراقيب 108 مرات، ولم تحرق السلطات الإسرائيلية مزروعات عرب نقب ولم ترشها بالمبيدات ولم تصادر 'الدوريات الخضراء' قطعان أغنام عرب النقب. ويبدو إردان كمن فقد حسا إنسانيا، عندما اعتبر أن النائب عودة، الجريح وضحية عدوان الشرطة، وزملاءه النواب العرب، أنهم حرضوا على التصدي للهدم العدواني.

كذلك فعلت وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييليت شاكيد، من كتلة 'البيت اليهودي' التي ترفض وجود العرب في البلاد أصلا. وإلى جانب أقوال مشابهة لأقوال إردان أدلت بها إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي، اليوم، تمادت شاكيد بخلط الحابل بالنابل وتريد الآن معالجة ظواهر منتشرة في المجتمع العربي في النقب منذ قرون طويلة. وقالت إن 'ظاهرة تعدد الزوجات منتشرة لدى البدو في النقب، وهم يتزوجون نساء من السلطة الفلسطينية. وهذا يسيء للنساء البدويات (فجأة أصبحت هذه الوزيرة الكارهة للعرب مهتمة بالنساء البدويات!) والأهم من ذلك هو أن هذا خطر قومي'. وبالطبع، شاكيد ليس مهتمة بالمرأى العربية في النقب ولا بالمجتمع العربي وإنما سعت إلى التحريض ضد عرب النقب وحسب.

واعتبر إردان وشاكيد أن قرار المحكمة العليا نفسها، التي أصدرت قرارا بالهدم في أم الحيران، ليس مشابها لقرار هذه المحكمة التي أمرت بهدم البؤرة الاستيطانية العشوائية 'عمونا' في الضفة الغربية. ففي حالة 'عمونا' امتنعت الحكومة الإسرائيلية عن تنفيذ قرار المحكمة العليا لدولة الاحتلال، وقررت منح كل عائلة من المستوطنين مليون شاقل وبيت في موقع آخر تقام فيه المستوطنة مجددا.

العدوان نفسه ضد شعب واحد

العدوان الذي تشنه إسرائيل ضد المواطنين العرب في الداخل وضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يستهدف الوجود الفلسطيني في كل فلسطين التاريخية. صحيح أن إسرائيل غير قادرة على ترحيل من بقوا في فلسطين بعد النكبة والنكسة، إلا أنها تسعى إلى تنفيذ سياسة تقضي بالسيطرة على الغالبية العظمى من الأرض وحشر الفلسطينيين في كانتونات، أشبه ما تكون بأقفاص.

وهذه السياسة، في ظل سيطرة اليمين الاستيطاني المتطرف على مراكز صناعة القرار في إسرائيل، في الحكومة والأجهزة الأمنية كافة، حتى في حالة رحيل نتنياهو، باتت معلنة. وليس علينا إلا الإنصات إلى تصريحات وزراء مركزيين في الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدمتهم رئيس 'البيت اليهودي' ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت. وهؤلاء جميعا من دون استثناء، وبدعم من نتنياهو، يتحدثون عن اتجاه واحد: إسرائيل من النهر إلى البحر، والعرب يعيشون داخل كانتونات.

وأمام العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين عموما، في الجليل والمثلث والنقب والضفة الغربية وقطاع غزة، لم يتبق خيارا أمام الفلسطينيين إلا بتوحيد النضال ودراسة الخيارات، والاعتماد على الذات بالأساس، في ظل الاتجاه الإسرائيلي نحو الدولة الواحدة للشعبين، وعدم الاعتماد على مساعدة الآخرين من مجتمع دولي أو اتحاد أوروبي، والتنازل عن العقلية الفئوية في رؤية المصلحة العامة.  

التعليقات