20/01/2017 - 20:54

الهوية والأرض... أساس الصراع والنضال

يجب ألا نقع في مطب تنفيس وترويض المطالب السياسية كما حصل في حالات نضال سابقة. لن نقبل أي وعود من الحكومة بوضع خطط لتطوير البلدات العربية أو رفع مستوى المعيشية أو تحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع العربي مقابل إنهاء الاحتجاج والنضال

الهوية والأرض... أساس الصراع والنضال

يجب ألا نقع في مطب تنفيس وترويض المطالب السياسية كما حصل في حالات نضال سابقة. لن نقبل أي وعود من الحكومة بوضع خطط لتطوير البلدات العربية أو رفع مستوى المعيشية أو تحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع العربي مقابل إنهاء الاحتجاج والنضال


الهوية والأرض كانا وما زالا أبرز مواقع الصدام بين دولة إسرائيل والمجتمع الفلسطيني في الداخل. فقد أخرجت الدولة الأرض من السوق الاقتصادية منذ بداية المشروع الصهيوني بواسطة تحويل ملكية غالبية الأراضي التي سيطرت عليها الدولة إلى الشعب اليهودي عن طريق الصندوق القومي الإسرائيلي (كيرن كيبميت) أو إلحاقها بملكية الكيبوتسات (المستوطنات الاشتراكية). وبذلك، منعت السكان العرب من أي إمكانية لتوسيع ملكيتهم على الأراضي، بل صادرت ما تبقى من مخزون الأراضي الإستراتيجي العربي في منطقة البطوف والجليل في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وها هي ترمي للسيطرة على ما تبقى من مخزون الأراضي المتبقي والوحيد للعرب في النقب، بواسطة مشروع برافر وتوسيع الاستيطان الإسرائيلي - تهويد النقب.   

د. إمطانس شحادة

في شق محاولات قمع الهوية القومية وتقييد مساحات العمل السياسي النضالي، واظبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخصوصًا منذ الانتفاضة الثانية - انتفاضة القدس والأقصى في العام 2000، إلى تقليص هامش العمل السياسي، الضيق أصلاً، وفرض قواعد لعبة سياسية جديدة على الفلسطينيين في الداخل. وسن الكنيست منذ تلك الفترة العشرات من القوانين العنصرية الرامية إلى ترويض الوعي الوطني القومي لدى المجتمع الفلسطيني، خصوصًا لدى فئة الشباب، وإلى فرض شروط على المشاركة السياسية والعمل البرلماني للأحزاب العربية. منها الإضافات الخطيرة على بند (7أ) في قانون أساس الكنيست التي تشترط المشاركة في الانتخابات بعدم إنكار يهودية وديموقراطية إسرائيل؛ ومنع التماثل مع 'كفاح مسلح' ضد إسرائيل، ومنع من يزور ما يسمى 'دولة عدو' من الترشح للكنيست؛ واستمرارا بقانون منع لم شمل عائلات عربية أحد الأزواج فيها مواطن 'دولة عدو' حسب التعريف الإسرائيلي، وقانون منع إحياء ذكرى النكبة، وغيرها العشرات من التشريعات. كما حاولت الحكومات المتتالية وضع مخططات وسياسيات لتوشيه الهوية العربية والربط بين الحقوق المدنية والموقف السياسي للمواطنين العرب، أبرزها محاولة فرض مشاريع الخدمة المدنية على الشباب العرب، وتشويه مناهج التعليم، ودعم مشاريع الأسرلة الهادئة.

صحيح أن العمل السياسي العربي لم ينجح في إحباط تشريع هذه القوانين، أو كسر القيود عن العمل السياسي والأهلي، لكن بالمجمل باءت هذه القوانين والسياسيات بالفشل ولم تحقق أهدافها لا يزال المجتمع العربي متمسك بالهوية والانتماء العربي، ولم يُهزم أمام غطرسة الدولة وأدواتها، نتيجة للوعي العميق والالتزام بالهوية العربية الجامعة، والنضال الدائم والتصدي الحاسم من قبل المجتمع والأحزاب العربية ولجنة المتابعة، حتى لو نجحت الدولة في إغراء أو التغرير بأعداد محدودة من أبناء المجتمع العربي.

فشل الحكومات السابقة في تحقيق أهدافها الإستراتيجية بقمع الهوية القومية الفلسطينية والسيطرة على ما تبقى من أراض عربية، يدفع الحكومة الحالية إلى تغيير أدوات القمع والتوجه نحو محاولة حسم هذه الملفات بدل إدارتها كما عملت الحكومات السابقة. هذا النهج الحالي يتغذى من الفكر اليميني للحكومة الحالية ويتسارع نتيجة الشعور بالثقة والسيطرة التي حققها تيار اليمين المتدين الاستيطاني. نجح هذا التيار بالسيطرة على صناعة القرار في إسرائيل، السلطة التشريعية والتنفيذية، وتحول إلى التيار الأكبر والأقوى في صفوف قوى الأمن، الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات، واخترق السلطة القضائية وبات يتحكم في الإعلام الإسرائيلي.

حسم مسألة الفلسطينيين في إسرائيل يعني من وجه نظر إسرائيل أن يتناول الفلسطينيون في الداخل عن أي مطالب قومية جماعية والتسليم بالأمر الواقع، وعلى رأس ذلك طبيعة إسرائيل كدولة يهودية والإبقاء على الامتيازات لليهودي مقابل دونية وإذلال العرب. هذا يعني، من ضمن أمور أخرى، أن نقبل بأن تقوم وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، بوضع حدود للإبداع والثقافة الفلسطينية، وان يحدد وزير المالية، موشيه كحلون، مستوى ووتيرة التطور الاقتصادي العربي، وأن يقرر وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، معدلات مقتل العرب في حوادث السير، ويقرر وزير الإسكان، يوآف غالانت، أين نسكن وبأي ظروف، وأن يقرر وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، الحد الفاصل بين النضال السياسي الشرعي والنضال السياسي الممنوع، وأن تفرض الحكومة والكنيست ملامح علاقتنا مع بقية أبناء شعبنا، وحدود المسموح والممنوح لمطالبنا السياسية.  

هدم المنازل العربية في الأسابيع الأخيرة، ومحاولة إخلاء سكان قرية أم الحيران في النقب وفرض مخطط جديد للقرى منزوعة الاعتراف في النقب، واشتراط تنفيذ الخطة الاقتصادية الحكومية بموقف سياسي وهدم منازل عربية، وإخراج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون وملاحقة التجمع والتحريض على النائب أيمن عودة، تندرج كلها تحت سياق محاولة إسرائيل حسم مسألة الفلسطينيين في الداخل (وهي تعمل بالتوازي على حسم قضية الاستعمار الإسرائيلي في المناطق المحتلة عام 1967 وفرض حل الأمر الواقع. لكن هذا الجانب يحتاج إلى مقال آخر. 

رد فعل المجتمع العربي وكافة الأحزاب والتيارات السياسية، يوضح دون أدنى شك أننا نرفض جملة وتفصيلا ما تحاول الحكومة والمؤسسة الإسرائيلية فرضه علينا، وأن المجتمع العربي يقف ويتصدى لأدوات القمع والتنكيل والسياسيات التعسفية الإسرائيلية.  وما نقوم به لغاية الآن، تحديدًا في الشهر الأخير، هو الاحتجاج على السياسيات والعنصرية وصدها. مظاهرة قلنسوة الجبارة وأحداث أم الحيران يؤكدان ذلك.

لكن يبقى علينا كمجتمع وقيادات سياسية، أحزاب وتيارات ومؤسسات أهلية، أن نضع مطالب سياسية واضحة وأهدافًا محددة وواقعية للحراك والاحتجاج الحالي، واستمرار النضال السلمي المدني والسياسي لغاية تحقيق تلك الأهداف، على رأسها مطلب وقف فوري لهدم المنازل العربية وترتيب مسألة البيوت العربية غير المرخصة (تصل إلى 50 ألف بيت عربي منها 10 آلاف مهدد بالهدم)، والعمل على إقرار الخرائط الهيكلية للبلدات العربية وتوسع مسطحات النفوذ والمناطق المعدة للبناء (وهي جزء بسيط من حقنا في إعادة الأراضي العربية التي صادرتها الحكومات الإسرائيلية)، وأن يكون المجتمع العربي شريكًا في عملية تخطيط المناطق العربية وبرامج تطويرها. طبعًا، هذه المطالب لا تجمل مطالب المجتمع العربي إنما هي أهداف فورية توفر عناوين للنضال والاحتجاج الحالي كي لا نقع في مطب تنفيس وترويض المطالب السياسية كما حصل في حالات نضال سابقة. لن نقبل أي وعود من الحكومة بوضع خطط لتطوير البلدات العربية أو رفع مستوى المعيشية أو تحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع العربي مقابل إنهاء الاحتجاج والنضال. يجب أن يكون واضحًا أن هذه المطالب، التي تدمج بين البعد القومي والمدني، لن تُختزل إلى مطالب مدنية يومية معيشية عبارة عن فتات ميزانيات وحملة علاقات عامة.   

استطلاع الراي الذي نشر اليوم الجمعة (تنفيذ معهد ستات نت) يعزز هذه المطالب، إذ يوضح أن المجتمع العربي يضع قضية الأرض والمسكن على رأس سلم قضايا الفلسطينيين في إسرائيل، وبصدق. اذ ترسم هذه القضية تضاريس مستقبل المجتمع العربي، وتحدد إمكانيات التطور الاقتصادي والاجتماعي والعيش الكريم لكل المواطنين العرب. واضح أن المواطن العربي يتعامل بتلقائية مع قضية الأرض والمسكن كقضية مدنية وقومية تجمع بين الحقوق المدنية للمواطنة في إسرائيل، وبين الحقوق القومية التاريخية للفلسطينيين كأصحاب الأرض والوطن. ويرى غالبية المستطلعين أن الدافع الحقيقي وراء هدم البيوت هي السياسيات العنصرية والتنكيل بالعرب، ويبدي المجتمع العربي مستويات ثقة منخفضة للغاية، بل معدومة، في المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية.  

قضايا الأرض والمسكن والهوية، هي قضايا وحدوية لكافة شرائح المجتمع العربي بغض النظر عن الآراء السياسية أو الانتماءات السياسية، ودون اختلاف بين المدن أو القرى، أو الفئات الاجتماعية في المجتمع العربي، وهي جامعة لكافة التيارات والأحزاب السياسية.

في هذا الواقع، يجب أن يكون واضحا للجميع أن المجتمع العربي لن يتنازل أو يتراجع أو يساوم عن حقه الشرعي والطبيعي والإنساني والقومي في العيش الكريم وفي الأرض المسكن.  تطورات الشهر الأخير تؤكد ذلك.  وكلي ثقة أنه إذا ما استطعنا ترشيد النضال وادارته بشكل صحيح سنحقق أهدافنا، بما يخدم مصالح المجتمع العربي في الداخل، المدنية والقومية، ويفشل مخططات الحكومة الفاشية.

* أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي.

التعليقات