27/01/2017 - 09:45

أم الحيران: المعركة لم تنته بعد

من قلب النقب والصحراء القاحلة ذات الأجواء الباردة، غابت الشمس، بعد أسبوع عصيب، تم دفن شهيد الأرض الأستاذ يعقوب موسى أبو القيعان، الذي راح ضحية رصاص الشرطة الإسرائيلية.

أم الحيران: المعركة لم تنته بعد

من قلب النقب والصحراء القاحلة ذات الأجواء الباردة، غابت الشمس، بعد أسبوع عصيب، تم دفن شهيد الأرض الأستاذ يعقوب موسى أبو القيعان، الذي راح ضحية رصاص الشرطة الإسرائيلية. هنا يرتجف قلمي خوفًا، ليس من الظلم والإجحاف والاضطهاد، لأن الأرض لن تموت ولن تُهزم، بل شعور بالخوف ينتابني بعد أسبوع في قرية أم الحيران في النقب، عندما أسأل نفسي، ماذا قدمنا لها كمجتمع ولهؤلاء الأطفال اليتامى، والنساء المُشتّتة، وهل يكفي؟ الجواب بالطبع لا، شعور بالعجز، وسؤال يبقى مطروح، هل انتهى التصعيد النضالي مع توقف الحكومة عن التصعيد؟ هل انتهت أم الحيران مع دفن الشهيد؟

شعور حزنٍ اختلج معه العجز والقهر، مشاهدةُ الأطفال من على الرُكام، وعزاء الشّهيد في وُجوه النّساء والشُيوخ، أمرٌ ليس بالهيّن، لم يكن هذا إعصار، ولا فَيضان من السماء، ولا هِي البَراميل المُتفجرة تخلق الدمار، ولا زلزال قد تَسلل إلى فوهةِ الأرض هُنا. هو الحكم ذاته الذي من المفروض أن يوفّر لنا "الحماية"، يصطادنا في ذروة عجزنا، يقتل ويبطش، ويهدم، ومن ثم يروّج الأكاذيب ويحرض، ليلبي غريزة ثوب الحيوان الذي  لبسه، ليفترس به كل من أمامه وإنسانيته الزائفة.

قُتل الأستاذ يعقوب أبو القيعان بدمٍ بارد، أمامَ عائلته، وهُدم بَيته، دون أن يقترف ذنبًا، تُرك ينزف حتى فارق الحياة. الموت بهذه الصورة مؤلم جدًا، لا سيما على ذويه، ومؤلم على مجاوريه، فالموت هنا مع سبق الإصرار، له خطط مسبقة، لتحقيق مآرب سياسية، لمن يرقص على الدماء أولاً، في حكومة قد انسلخت عن كل القيم والأخلاق والحقوق الإنسانية الأساسية والمدنية.

ليس هذا ما يثير اهتمامي، فالحق لا بد أن ينتصر، وهو وعد محتوم. ما يهمني كيف لنا أن نكون أهل هذا الحق وصانعيه. وأجوبة على أسئلة كثيرة سوف تطرح على الطاولات السياسية المحلية، من قبل لجنة المتابعة العليا، والقائمة المشتركة. هل سيستمر النضال الذي استقطب عشرات الآلاف من الغاضبين في غضون أسبوع؟ وهل ستطرح خطة عملٍ لتحافظ على سيرورة العمل النضالي كي لا تنطفئ مشكاته ويجدي نفعًا؟ وهل ستحظى الجماهير العربية بخطواتٍ نضالية جديدة؟ وفي ظل التصعيد الخطير التي تشنه الحكومة اليمينية، هنالك أسئلة أشد حدة، كم من الغُبار علينا أن ننفض عن أغراضنا من تحت الركام؟ وكم من الدماء عليها أن تنهمر كي نعيش بكرامة في أرضنا؟

يجب علينا أن نسأل كل هذه الأسئلة، وعلينا وجوبًا أن نرتب الإجابات، ونتخذَ الموقف، للوقوفِ عندَ كل الأحداثِ ونبدل جريانها باتجاهاتها الصحيحة، فانتصار الحقِ محتومٌ بوقوفنا أو عدمه، ليكونَ للأسئلةِ عودة في ذهننا في كل فترة.

فتحرير الجثمان لم يكن انتصارا في نهاية المعركة لأن المعركة لم تنته، بالنسبة لأهالي أم الحيران وذوي الشهيد على الأقل.

غدًا ينتظرنا تصعيد جديد في بقعة أخرى، عشرات آلاف العائلات معرضة للتشريد، وآلاف من المنازل مهددة بالهدم، وهي معرضة لأن تتحول لركامٍ في كل لحظة.

لا أجوبةَ شافية للتحديات، لا بد من  دونَ اللجوء إلى التاريخ والتجربة النضالية المتراكمة، فالتاريخُ الآن يتكرر بكل نقاطهِ في النقب. إنها نكبة جديدة بأساليب حديثة.

التعليقات