08/03/2017 - 21:42

آلام مخيم عين الحلوة

ليس هناك أشد وطأة على الشعب الفلسطيني وأثقل همّاً، من الاقتتال الداخلي، ومخيم عين الحلوة يتطوع بين الحين والآخر، لفتح الجراح وإراقة الدماء الفلسطينية.

آلام مخيم عين الحلوة

ليس هناك أشد وطأة على الشعب الفلسطيني وأثقل همّاً، من الاقتتال الداخلي، ومخيم عين الحلوة يتطوع بين الحين والآخر، لفتح الجراح وإراقة الدماء الفلسطينية.

ولا يكاد المخيم يهدأ، حتى تنفجر أوضاعه من جديد، فينشب القتال، ويدوي أزيز الرصاص، ويبدأ بعض قاطنيه بإعداد ما يمكن حمله، استعداداً للرحيل، هرباً من رصاص إخوتهم وشركائهم في المآسي والأحزان، ولا تتوتر الأعصاب فقط في عين الحلوة، وإنما تمتد لتشمل الكل الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، ولتشمل أيضا بعض اللبنانيين.

الكثير من الجهود بذلت من قبل فلسطينيين ولبنانيين، من أجل جعل مخيم عين الحلوة مثل بقية المخيمات، وإقناع مسلحيه بالهدوء والالتزام بمتطلبات التحرير وانتزاع الحقوق الفلسطينية، لكن بلا جدوى. والمؤسف، أن عين الحلوة يجسد تجربة فلسطينية بائسة متمثلة بالاقتتال. وحيثما حلت الفصائل الفلسطينية، نشب اقتتال دموي في أغلب الحالات.

اقتتلت الفصائل في الأردن ولبنان وفلسطين، وطارد الفلسطينيون بعضهم بالعصي والجنازير في شوارع العديد من المدن الأوروبية، وقد أساء هذا الاقتتال المتكرر للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، ووضع الفلسطيني ضد الفلسطيني، وخرب الأواصر الاجتماعية، واستهلك الوحدة الوطنية الفلسطينية.

هذه الفصائل الفلسطينية التي أعماها تعصبها القبلي عن المصلحة الوطنية، آثرت مصالحها الخاصة على المصلحة العامة. والمؤسف، أننا وجدنا، حسب السجل التاريخي للصراعات الفلسطينية، أن حركة فتح كانت في الغالب، هي الطرف الثاني في أي اقتتال، سواء دار في مواجهة فلسطينيين أو لبنانيين. كما حاولت حركة حماس أثناء الحراك العربي الأخير، أن تستحوذ على التراث الفتحاوي، وتأخذ دورها في الصراعات العربية. 

لم تقف الفصائل الفلسطينية بعيداً عن الصراعات الداخلية العربية، إلى درجة أن السلطة الفلسطينية اتخذت موقفاً مؤيداً للتحالف السعودي في حربه على اليمن، وليت الفصائل الفلسطينية، تشرح للشعب الفلسطيني، الفوائد التي تترتب على هذه الصراعات لصالح القضية الفلسطينية.

لم تعرف الفصائل الفلسطينية في لبنان وسوريا، طريق الحكمة في التنظيم والترتيب، كما أنها فشلت تماماً في قيادة الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء. حيث انصب اهتمامها على إثبات الوجود، ليس في مواجهة الاحتلال، وإنما في مواجهات داخلية واستقطاب أكبر عدد من المؤيدين والمناصرين، وأذهب إلى أبعد من هذا، لأقول، إن بعض الفصائل الفلسطينية تعمل على إثبات وجودها من خلال عذابات اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.

لم يكن التركيز يوماً على تطوير برنامج فلسطيني يجمع الفلسطينيين ويوحدهم، وإنما كان التركيز على اهتمامات تمزق الشعب الفلسطيني، وتولد الكراهية والبغضاء بين الناس. حيث كل فصيل منهم، وخاصة في لبنان، بالسيطرة على زاوية في كل مخيم ليجعلها منطقة سيادة له.

العديد من المناطق في المخيمات معروفة تماما للفلسطينيين واللبنانيين بأسماء الفصائل التي تسيطر عليها، ولهذا، نجد العديد من المخيمات مقسمة إلى مناطق نفوذ ومربعات جاهزة للاقتتال عندما يدعو المنادي البغيض إلى ذلك.

لماذا ينتشر السلاح في العديد من المخيمات الفلسطينية في لبنان وفلسطين، في حين أنه غير موجه إلى صدور العدو؟ من أين يأتي هذا السلاح؟ من الذي يموله، علماً، أن أغلب الفصائل خارج فلسطين، تشكو الفاقة وقلة المال.

كيف يدخل الإرهابيون إلى المخيمات؟ ومن الذي يساعدهم على الدخول؟، وكيف يتم التستر على وجودهم؟

إنّ مصدر السلاح في مخيمات فلسطين معروف للجميع، وهو الاحتلال الصهيوني، وتقديري، أنه مصدر السلاح ذاته في مخيمات لبنان، وربما يعود السبب إلى أن حكومة لبنان متسيبة أمنيا إلى حد ما، وغير قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية، والحيلولة دون تعاون فئات لبنانية مع الصهاينة. وهكذا هو
الوضع بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي تتعاون مباشرة مع الاحتلال.

من السهل على الإسرائيليين استقطاب عملاء وجواسيس في لبنان وفلسطين، وتهريب ما يرونه مناسباً من السلاح. وهذا مختلف إلى حد ما عما هو عليه في مخيمات سورية والأردن.

يمكن القول إنّ الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللجوء فاشلة، فلا هي استطاعت جمع الفلسطينيين، ولا استطاعت تدبير أمورها لتطوير قدراتها في مواجهة الاحتلال.

بعد مضي حوالي 24 عاماً على اتفاق أوسلو، وعلى الرغم من كل التخريب والتدمير الذي حصل في الساحة الفلسطينية، وما لحق بالقضية الفلسطينية من انهيارات، فإنّ هذه الفصائل لم تستطع إقامة قيادة فلسطينية، أو كتابة ميثاق وطني فلسطيني أو تشكيل مرجعية ثقافية فلسطينية توحد الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم.

إنّ الفصائل المؤيدة لأوسلو متورطة في تدمير منظمة التحرير وتجاوز كل المحرمات الفلسطينية، وتلك غير المنضوية تحت المنظمة تتلهى بالشعارات وإصدار البيانات.

لقد أساءت ثقافة الاقتتال الفلسطيني والتدخل في الاقتتالات العربية الداخلية لشعب فلسطين، وأثرت على مواقف الشعوب العربية والإسلامية من عدالة قضية شعب فلسطين.

ببساطة، ثقافة العنف هذه تشجع أناس كثر على الساحات المختلفة للقول بأنه إذا كان الفلسطينيون قد أداروا ظهورهم لقضيتهم، فعليهم ألا يتوقعوا منا التضحيات بالنيابة عنهم. ونسبة لا بأس بها من الناس تربط موقفها بمواقف الفلسطينيين، وإذا بقيت المواقف الفلسطينية مسيئة للقضية ومضللة، فإن المزيد من الناس سيديرون ظهورهم للشأن الفلسطيني.

المطلوب من الفصائل الفلسطينية أن ترتدع، وأن تفكر بالمصلحة الوطنية الفلسطينية، وحتى نعرف المصلحة الوطنية الفلسطينية، فإنّ على هذه الفصائل أن تطور ميثاقاً وطنياً فلسطينياً، يحدد واجبات الفصائل والأحزاب والأفراد، ويوضح الأهداف والوسائل والأساليب التي يجب اتباعها، من أجل تحقيق الهدف. وإذا تم إنشاء محكمة دستورية فلسطينية ترعى هذا الميثاق، فإنه لن يكون من السهل أن يفلت أي فصيل يدخل معارك مخزية من العقاب. كما يجب فتح تحقيقات حول السلاح الذي يدخل المخيمات في كل من فلسطين ولبنان، وحول دخول الإرهابيين وبقائهم في المخيمات.

لقد أساء السلاح غير الوطني لصورة الفلسطيني، وأضفى عليه صورة الأزعر الذي لا يعرف بأخلاقيات حمل السلاح. السلاح أمانة، وهادف وليس غيّة أو لابتزاز الناس أو إزهاق نفوسهم، السلاح ليس لعرض العضلات، وإنما هو سلاح أخلاقي عندما يُوظف للدفاع عن الناس وتوفير الأمن لهم، وعندما تكون مهمته التحرير.

التعليقات