10/04/2017 - 17:42

نذالة الانتحاري وشرف الفدائي

عندما تقع عملية انتحارية تبدأ نشرات الأخبار بالحديث عن أعداد القتلى والجرحى والدمار الذي سبّبه هذا الانتحاري.

نذالة الانتحاري وشرف الفدائي

عندما تقع عملية انتحارية تبدأ نشرات الأخبار بالحديث عن أعداد القتلى والجرحى والدمار الذي سبّبه هذا الانتحاري.

الانتحاري قبل أن يفجّر الآخرين يفجّر نفسه، وهو أول اللافظين لأرواحهم، فمن هو هذا الذي يقرر وضع حد لحياته وسلب حيوات أكبر عدد من الناس؟ ما هي الدوافع التي تتغلب على غريزة البقاء والحياة التي تتمسك بها حتى الحشرات، وتجعل شابًا يتخلى عن عمره وحياته كي يقتل نفسه والآخرين؟

العمليات الانتحارية ليست جديدة، ولكن بعضها فدائي استشهادي وشريف الغاية، وبعضها قذر وسخيف ومنحط الغاية.

الفدائي يهاجم موقعًا عسكريًا يعرف أن لا أمل له بالعودة منه، أو يفجر نفسه في برج دبابة معادية، هذا يسمونه الفدائي وليس الانتحاري.

الفدائي يحركه الكبرياء والشرف والرغبة القوية بالنيل من العدو وحماية رفاقه وأهله وأناسه، وتحرير وطنه ووقف زحف العدو حتى ولو على جسده. أما الانتحاري فلا كبرياء ولا شرف ولا رغبة بالنيل من عدو، بل مجرد قتل لنفسه ولآخرين لا علاقة لهم بالمعركة.

الانتحاري الذي يفجر نفسه بين المدنيين كائن فقد الشعور وتحوّل إلى آلة ولا أقول إلى وحش، لأن الوحش أيضًا يخشى أن يفقد روحه، إنه آلة هناك من يدرّبها ويسيطر عليها ويوجهها كما يشاء، وهو ليس سيد قراره، بل عبد مأمور مشلول الإرادة.

الانتحاري مريض يعاني من الاكتئاب النفسي أو مدمن على السموم والمخدرات وفاشل في حياته، ولكنه يقع بيد مجرمين يستغلون حالته، قد يكونون من أجهزة مخابرات معادية وقد يكونون متطرفين متزمتين فوقهم أجهزة مخابرات تحركهم وتوجههم متى شاءت، دون أن يعرفوا هم أنفسهم ما يقومون به.

تجرى للانتحاري عملية غسيل دماغ وتلقين مستمرة حتى يتحول إلى عبد لمشغليه، يقولون له مت فيموت.

الانتحاري يكره نفسه أولا قبل أن يكره الآخرين، وهو حالة مرضية لها مسبباتها وأرضيتها الذاتية والموضوعية، بنظره كل شيء تافه حتى نفسه فتهون عليه الحياة.

الانتحاري التافه يقنعونه بأنه سيصبح بطلا في اللحظة التي يكبس فيها على الزر، وسيتحدث الناس عنه كثيرًا ويشاهدون صورته في التلفزيون.

الانتحاري  ضعيف ومريض ومهزوم، لأنه المنتحر هو إنسان ضعيف ومهزوم.

الانتحاري مريض وضعيف تمت السيطرة عليه من قبل عناصر قوية، تحاول تحقيق مكاسب سياسية من خلال استغلاله.         

الفدائي هو من يقدّم نفسه ويضحي بروحه وجسده لأجل رفاقه في ساحة المعركة، في الحرب العالمية الثانية أطلقوا عليهم تسمية البارتيزان، وعند العرب اسمهم الفدائيون عرفتهم معظم الأقطار العربية في مراحل التحرر الوطني.

الفدائي يدخل خلف خطوط العدو في عمليات عسكرية فيها مجازفة كبيرة على الأرجح تنتهي بالموت، ورغم ذلك يبقي أملاً بالنجاة.

الفدائي غنى له عبد الحليم حافظ 'فدائي فدائي فدائي، أفدي العروبة دمائي، أموت أعيش ما يهمنيش وكفاية أشوف علم العروبة باقي'، في زمن كان العدو هو العنوان المستهدف وليس الشعوب العربية.

الفدائي هو من غنت له الثورة الفلسطينية، فدائية فدائية ثورة ثورة شعبية. وغنت له أم أم كلثوم أصبح عندي الآن بندقية وأحبّته الأمة كلها وقدّرته.وغنى له مارسيل خليفة 'ما بعرفن ما شايفن'.  

الفدائي هو ذلك الذي يبقى في ساحة المعركة صامدًا وهو محاصر ويقاتل حتى الرصاصة الأخيرة، ويسبب ألمًا وتنغيصًا والخسائر للعدو.

الفدائي هو ذاك الذي يتصدى للعدوان العسكري على بلده، ويبقى في موقعه مرابطًا رغم عِلمه بسقوط وانهيار المواقع والجبهات الأخرى.

الفدائي يستشهد تحت التعذيب في سجون الاستبداد من دون أن يعترف من هم رفاقه، أو أين يختبئون أو من هو قائده.

الفدائي هو الجندي الشريف الذي يرفض إطلاق النار على المتظاهرين العزّل، وقد تكون عقوبته الإعدام.

الفدائي هو الطيار الذي يرفض إلقاء المتفجرات على الأحياء السكنية حتى ولو كان فيها بعض المسلحين، وهو يعرف أن عقوبته السجن ونزع درجته أو حتى الموت.

الفدائي هو ذاك الطبيب والممرض ورجل الإسعاف والإطفاء والمتطوع، الذي يدخل تحت القصف لإنقاذ المصابين.

الفدائي هو من يفجّر قاربه ببارجة معادية، كما فعل الفدائي السوري جول جمال ببارجة فرنسية خلال عدوان 1956 على مصر.

الفدائي يترفع عن أذى المدنيين ولا يقتل أسيرًا ولا يعذبه، ولا يعتدي على عرض أو مال أو مسن او طفل.    

الانتحاري بهيم غبي فاشل مستعبد يُستغل لأجل تحقيق مكاسب سياسية، قد يكون هدفها الفتنة لتدمير بلده، وقد يكون هدفها تثبيت سلطة بحجة محاربة الإرهاب، وقد يكون هدفه انتقامًا من نفسه ومن الآخرين بهذه الطريقة الحقيرة. أما الأحقر من الانتحاري فهو من يلقي بمتفجراته من طائرته على المدنيين وهو ضامن لسلامته، وهو من يعذب الأسرى ويعتدي على الأعراض في السجون، وهو من يقتل المتظاهرين والمحتجين العُزل من السلاح، وهو يظن أنه في مأمن من العقاب.

أما الأحقر من جميع هؤلاء، فهو ذاك الذي يصدر الأوامر  بقتل المدنيين وهو جالس في مكتبه المكيّف بعيدًا عن العرق والدماء والموت.

 

التعليقات