14/11/2017 - 09:00

التكفيريون من بيونغ يانغ إلى مكة...

انتشر مصطلح التكفير والتكفيريين وما زال يتمدد وينتقل من بلد إلى آخر في صعود وهبوط وكرّ وفرّ، ويقصد به فئة معينة من المسلمين المتشدّدين الذين يكفّرون الحاكم والناس الذين يستكينون لحكمه من مسلمين وغير مسلمين، وكذلك من يرتكبون المعصيات والكبائر

التكفيريون من بيونغ يانغ إلى مكة...

انتشر مصطلح التكفير والتكفيريين وما زال يتمدد وينتقل من بلد إلى آخر في صعود وهبوط وكرّ وفرّ، ويقصد به فئة معينة من المسلمين المتشدّدين الذين يكفّرون الحاكم والناس الذين يستكينون لحكمه من مسلمين وغير مسلمين، وكذلك من يرتكبون المعصيات والكبائر بحسب معاييرهم، فيحكمون بأن هذا مؤمن وذاك كافر وبأن مصير هذه إلى النار وتلك إلى الجنة، ولا يتركون الخلق للخالق للمحاسبة في الآخرة، بل يأخذون على عاتقهم محاسبة الناس واستتابتهم فإن لم يتوبوا مارسوا العنف ضدهم الذي قد يصل إلى القتل.

في اللغة أصلا هي عملية تغطية، فنقول كفارة إفطار يوم في رمضان هي إطعام عشرة مساكين، أي تغطية على تقصيرك في الصوم فأنت تطعم عشرة مساكين، وفي أصل اللغة الكافر هو الزارع لأنه يغطي البذور والبصلات والجذور عند زرعها إلخ، فيقوم بعملية تكفير وهي التغطية، وفي الآية الكريمة "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفّارَ نباتُه ثم يهيج فتراه مصفرًا ثم يكون حطامًا وفي الآخرة عذاب شديد". الكفّار هنا تعني الزارعين الذين أعجبهم زرعهم، ومن هنا نقول كفر قاسم وكفر مندا وكفر الشيخ وكفر ياسيف الخ فهي قرى زراعية، والكَفر هو الكفار بالعبرية (כפר).

وفي العبرية تستعمل ذات الكلمة وهي (كوفِر-כופר) للكفارة ومن هنا جاء يوم الكيبور، وهو يوم الغفران الذي يغطّون فيه على سيئاتهم التي ارتكبوها خلال العام بالصيام يومًا وليلة، وبما أن هناك من يغطي الحقيقة التي هي الدين ونور الله فقد نعتوا من يفعل هذا بالكفر، أي أن الكافر بالأصل نعت لمن يغطي على حقيقة الله والدين، ومع النمو اللغوي عبر القرون أصبحت كلمة كافر تعبيرًا دينيا وغاب معناها الأصلي المتعلق بالزراعة.

تكفيريون مثلا لا علاقة لهم بالله، بل بإمكانك أن تكفر بالله والرسل واليوم الآخر والكتب السماوية والملائكة وسوف يربتون على كتفيك ويعتبرونك منفتحًا ومتفهمًا ومتحضرًا، أما أن تقول إنك غير مؤمن بحق بشار الأسد بأن يكون رئيسًا مثلا أو بحق ولي العهد محمد بن سلمان أو بشرعية وجود نظام ملكي مثلا حينئذ تتعرض للتكفير، وتتحول على الفور من إنسان متحضر ومثقف إلى كافر بحق محمد بن سلمان وبحق الأسد وأمير المؤمنين وغيرهم.

أن تقول في السعودية مثلا إنه حان الوقت لتكون السعودية جمهورية الحجاز وألا يرتبط اسم البلاد باسم الأسرة الحاكمة، حينئذ ستتعرض إلى تهمة الخروج على طاعة ولي الأمر، وهي تعادل الكفر حتى لو كنت مقيمًا في قلب الكعبة المشرفة وتصلي في اليوم الواحد مئات الركعات.

أما في سورية، التي يزعم نظامها بأنه يحارب التكفيريين، فأهون بكثير أن تكفر بالله وأن تفطر علنا في رمضان وأن تدعو لمقاطعة الحج وأن تشكك بصحة القرآن الكريم من أن تكفر بالرئيس والنظام، هذا ينطبق على معظم الدول العربية بشكل أو بآخر.

وبناء عليه، فإن التكفيريين ليسوا نمطا واحدًا من الناس، وليس بالضرورة أن يكون إنكار الله والمقدسات المتوارثة هو الكفر، فقد يولد إله بشكل فجائي غير متوقع مثل محمد بن سلمان، خلال أشهر قليلة يتكرس ويصبح وليا للعهد، وقد يظهر فجأة وريث لرئيس الجمهورية كما في حالتي بشار الأسد وكي جونغ، ويتحول كل منهما إلى مقدس يحظر المساس به ولو بكلمة أو نكتة، وتنتشر صوره في كل دكان خضار وغرفة مدرسة وشارع وعلى كل سيارة أجرة وفي كل ملعب لكرة القدم والسّلة وناد لرفع الأثقال ويصبح مقدسًا، وبكل بساطة ستكون عقوبة نكرانه أو التشكيك بمصداقيته ليست أقل من عقوبة من يشكك بالقدرة الإلهية عند التكفيريين المسلمين، وقد يحاسبك تكفيريو النظام بأن يضربوك ويهينوك في الشارع العام وقد تقتل، وقد تحاسب في القانون بأنك حرضت على الفتنة وإضعاف الوطن في زمن الحرب.

التكفير غير مقتصر على العرب، فهو موجود في دولة مثل كوريا الشمالية، وكان موجودًا في حقبة ما في الأنظمة الشيوعية، فأن تنتقد زعيم كوريا فهذا هو الكفر بعينه، ومن المؤكد أنك سوف تُعدم، كذلك كانت الأنظمة الشيوعية تطلق على المعارض نعت المرتد، وفي إيران لا تستطيع أن تعارض فتوى الفقيه آية الله أو حجّة الله، وقد تتعرض لتهمة الانحراف والتكفير إياها.

إن إلصاق صفة التكفير بفئة معينة من المسلمين تخدم الكثير من الأحزاب السياسية والأنظمة عربية وغير عربية وكثير ممن يريدون الوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها بالتلويح بخطر التكفيريين الإسلاميين المتشددين، علما بأن التكفيريين موجودون من كل صنف وجنس ولون وعقيدة، فليس بالضرورة أن يكون الكافر هو الكافر بالله ورسله وكتبه وملائكته، وليس بالضرورة أن يكون التكفيري مسلمًا أو عربيًا، فالكفر والتكفير والكفار والكفارات يحددها الموقف من السلطة، أنت مؤمن ما دمت معنا أما إذا صرت ضدنا فقد كفرت.

التعليقات