الوالدية المبتورة قبل أوانها

حين تكون مشاعر الوالدية في بدايات الحمل حلما مشتهىً لزوج يبتغيان الوصول إليه، في عد يبدأ بالتنازل يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر حتى يصل لمرحلة أخيرة ويتتوج الانتظار بولادة مولود سليم جميل ومعافى، ولكن

ريما دراوشة حوراني

 

 

السيدة ريما دراوشة حوراني- ممرضة مسؤولة تحمل اللقب الثاني في التطوير والإرشاد الصحي 

 

 

 

أثبتت الأبحاث أنه قد تحدث عراقيل أثناء الحمل بنسبة ١:٤، قد لا يستمر الحمل بل يفشل في الأشهر المختلفة قد تكون في أي أسبوع من أسابيع الحمل، النسبة الأكبر من الفشل قد يأتي في الأشهر الثلاث الأولى للحمل، أو قد يحدث فشلا في الأشهر والأسابيع المتقدمة للحمل، مما يضطر الطواقم الطبية للتدخل لإسقاط الجنين بعمليات ولادة عادية، وألم ومخاض الولادة العادية تخوضها الأم جسديا بأمومة ووالدية مبتورة للزوجين.
تعتبر هذه التجربة قاسية جدا لدى الأزواج الذين يمرون بها، ويعتبرونها كأنها مشكلة خاصة بهم ولهم فقط، ومغايرة عن الناس وكأنه عقاب لهم، دون إدراك أن ذلك ممكن أن يحدث دائما وليس نادرا ولم يخطط له احد.
هذا الموضوع حساس جدا في المجتمع ولا يتقبله الآخرون بسهولة، يخجل الأزواج بالتحدث عنه، وأيضا المجتمع القريب من حولهم ويبقى مكبوتا وصامتا وحزينا، ويعد بمثابة فشل.
هل في المجتمع الغربي توجد أكثر معرفة وانفتاحا للتعامل وإدراكا للحدث الأليم، ومخلفاته الصعبة وكل أثره من ألم نفسي وحزن داخلي وفقدان قد يترك أثرا طويلا؟ ويعطى حقه الطبيعي من أجل إعادة الأمل لدى الأهل الثاكلين للجنين إن صح القول؟

من أجل صعوبة الموضوع ومن أجل المساهمة ولو جزئيا من أجل مساعدة أولائك الأهل، التقينا بالسيدة ريما دراوشة حوراني ممرضة في مستشفى"روتشيلد" في حيفا لتحدثنا عن بعض النقاط الجدير ذكرها هنا مع كل قسوتها وصعوبتها. 

في أي أشهر من الحمل يمكن أن يحدث فقدان الجنين؟ 

- عادة وفي أغلب الحالات يكون الفقدان للجنين في الأشهر الأولى، ومن ناحية وقت الحمل لغاية الأسبوع ال ١٠ ونسبة كبيره من 1:4 في الثلث الأول للحمل، أي بعد أقل من 22 أسبوعا .

- وهنالك احتمالات أيضا قائمة بأن لا ينجح استمرار الحمل لأسباب غير واضحة تماما بعد الأسبوع ال 22 للحمل، في أي وقت ودون سابق إنذار نتيجة تعقيدات في تطور الحمل، الأمر الذي يحتم بإسقاط الحمل بعمليات ولادة تشبه الولادة العادية لولادة طفل سليم، ولكن الوليد يكون جنينا غير متكمل. 
 


 ما هي المسببات لذلك؟

  في أغلب الحالات الإجهاض يأتي طبيعيا وعاديا، ولكن هنالك تكهنات بالأسباب مثل::
 - جيل الأم المتقدم
- التدخين
- أمراض مزمنة
- ممكن لأسباب وراثية في تاريخ العائلة.
ولكن أغلب "الولادات الصامتة"، لا يعرف السبب الحقيقي، وممكن أن يكون الحمل طبيعيا حتى لو وجدت الأسباب التي ذكرناها أعلاه.

ما الفروق في الإجهاض بالنسبة لعدد الأسابيع للحمل؟

الإنزال للجنين في جيل لغاية ٢٢ اسبوعا من الحمل يسمى "إسقاط" أو "طرح" (باللغة الدارجة) وبحسب تعريف وزارة الصحة، وبعد ال- 22  أسبوعا يعتبر جنينا متكاملا، وتتم عملية الإجهاض، أولا بإيقاف قلب الجنين، وهذا الإيقاف للقلب هو أقسى على الأهل بكونهم ساهموا في توقيف وإنهاء الحياة للجنين بعد عملية تخدير للأم، وبعد ذلك تجري عملية "الولادة الصامتة"، بإعطاء الأم أدوية لتسريع عملية المخاض بولادة عادية بنفس مواصفات الولادة الطبيعية في غرف الولادة. 
  - في حال كان الحمل تحت ال ٢٢ أسبوعا،ممكن أن يتوقف قلب الجنين تلقائيا نتيجة المشكلة لديه التي منعته من التطور واستمرار الحمل في أحشاء الأم.

من هم الأفراد من الطواقم المهنية المرافقين للعملية؟ 

 الدكتور/ة، الممرضة المرافقة والمولدة "القابلة"، حسب أي أسبوع يأتي الإسقاط للجنين، عاملة اجتماعية، حسب نفسية الأم طبعا، لأنه داخل وأثناء الحدث نفسه يكون من الصعب الحديث عن الموضوع لدى الأهل لهول المفاجأة والألم والمعاناة، معالج نفسي، مرافق روحي أو أي أدوات وعلاجات لتخفيف الألم أو لزيادة سرعة المخاض.
-  من المهم تعيين دور للعملية في هذه الحالة فموضوع التوقيت للإجهاض مهم جدا، وملاءمة توقعات مع الوالدين، بحيث تترتب مسبقا العديد من البنود والأمور التقنية لتسهيل العملية واستيعابها تدريجيا.

ما هو مصير هذه الأجنة بعد الإسقاط؟

عادة يجري دفن الأجنة في مدافن خاصة حسب جيل الجنين ووزنه وقرار الأهل. 

- من ناحية دفن هناك فرق في مراسم الدفن. فأقل من الأسبوع ال ٢٢ ووزن الجنين تحت ال ٥٠٠ غرام، أو إن كان فوق ال ٢٢ اسبوعا يكون لديهم تقسيم مختلف ومدافن خاصة، وتكون حسب رغبة الأهل بالدفن من ناحية دينية، ومن ناحية مراسيم الدفن والمكان لهم الحق بأخذه والصلاة عليه بمراسيم دينية تناسبهم.
- المسؤولون الدينيون يتدخلون في هذه الحالة، الأغلب يختار بأن يهتم المستشفى بهذا الجنين بالنيابة عنهم، نظرا للخوف أو الخجل أو عدم تعظيم للحدث وغيرها.
الأمر حساس جدا بالتعامل مع هذا الموضوع، فالبعض يفضل أن يجري وداعا رسميا للجنين، والبعض الآخر لا يفضل.

- ولكن من ناحية علميه ومهنية فمن الأفضل والمفروض أن يحدث وداع للجنين من الأهل، فهذا يساعدهم، وحسب الأبحاث، لأن الأمر ليس مجرد فكرة فقط قد كانت، الجنين كان واقعا وروحا حية في أحشاء الأم، وأيضا يتوقف الأمر على عدد الأسابيع وشكل الجنين وتطوره الفيزيولوجي.
- في حالة الإسقاط على الطاقم الطبي أن يُوَثِّق بصمات الجنين من رجله وتصويره وحفظ الوثائق الخاصة به لغاية ١٠ سنوات في حال لو أراد الأهل أخذها موثقة فيما بعد..
- تحت الأسبوع ال ٢٢ أنا اليوم شخصيا أحاول المبادرة في القسم الذي أعمل به بتوثيق بصمة الرجل وحفظ أوراق الجنين وصورة، كلها تكون محفوظة في "صندوق خاص" للجنين، هذه العلبة تساعد الأهل بأن يتذكروا التجربة، كجزء من التعامل السليم والإنساني مع الألم والتجربة الوالدية المبتورة الصعبة وإضاءة شمعة له.

ما هي حقوق المرأة في هذه الحالة من ناحية قانونية؟

من ناحية حقوق المرأة الطبيعة القانونية كأم والدة بعد الأسبوع ال ٢٢، تعطى كامل حقوقها من ناحية إذن ولادة وحقوقها في التأمين الوطني والإقامة في المستشفى وغيرها، يوجد تشابه بين المرحلتين قبل ال 22 اسبوع وبعده، من ناحية ولادة ولكن الحقوق تختلف.
كيف يمكن مساعدة الزوج للتغلب على مصاعب والم الفقدان للجنين؟ اجتماعيا وعمليا؟

- تهيئتهم لوداع الجنين، إن كان بالكتابة عما يشعرون في هذا الفقدان تجاهه، فالتعبير عن الحزن جزء من العلاج.

- ملاءمة التوقعات التي كانت في البداية معهم.

- العلاج بالفنون المختلفة.

- الجلوس مع مجموعات مروا بنفس التجربة والتحدث عن الألم. 

اجتماعيا :
يجب عدم لفظ مقولات مثل: "بعدك صغيره بكرة بتخلفي" "منيح اللي عندك أولاد إذا وجد" و"الله يعوضك"

هو حزن وفقدان لكل ما في الكلمة من معنى في هذه الحالة إما أن نصمت أو لا نقول شيئا، أو ممكن مسك اليد للأم  خاصة وعناقها، وخلق جو إيجابي حميمي ودعم دافئ، بأن نقول: "نحن نشعر معكم ما تمرون به من حزن هو شيء طبيعي وعادي وسوف يمر". 

أجرت اللقاء وحررته: سوسن غطاس - مجلة والدية برعاية موقع عرب 48