18/01/2023 - 11:54

زكريّا حسين زهرة... سائق قطار خطّ حيفا درعا

زكريّا حسين زهرة... سائق قطار خطّ حيفا درعا

في وسط الصورة زهير زهرة وزملاؤه في سكّة القطار | المصدر: ألبوم عائلة نزار زهرة

 

في السادس والعشرين من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2022، ذهبت لحضور المهرجان الانتخابيّ لـ «حزب التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ»، الّذي عُقِد في حيّ الألمانيّة في مدينة حيفا.

 لم يكن مجيئي إلى المهرجان محض صدفة، ولم يكن فقط من أجل الهدف المحدّد الّذي أتيت من أجله، وهو المهرجان. في الحقيقة، كان هاجسًا داخليًّا دفعني إلى الذهاب، تأكّدت من ذلك عندما سمعت جملتين من طرف كلٍّ من المتحدّثَين سامي أبو شحادة وعريف المهرجان نزار زهرة. لولا الجملة الثانية الّتي قالها زهرة لـ ’أبو شحادة‘ ما كتبت هذه المقالة.

سامي أبو شحادة، رئيس قائمة «التجمّع»، النائب في البرلمان سابقًا، في سياق خطابه تحدّث عن التواصل والمدّ العربيّ في فلسطين التاريخيّة ما قبل النكبة، مشيرًا إلى أنّ جيل ما بعد النكبة يعيش فترة أسوأ كثيرًا من جيل ما قبل النكبة، متمثّلًا بجيل جدّه؛ إذ إنّ الجيل الأوّل ما قبل النكبة كان يملك قدرة على التطوّر في المجالات الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، وسبب ذلك يعود إلى التواصل الّذي كان مع العالم العربيّ آنذاك. وهذا التواصل كان أكبر كثيرًا من قدرات جيل ما بعد النكبة على التطوّر في نفس المجالات، بسبب حرب عام 1948 وإغلاق الحدود بين الفلسطينيّين، الّذين بقوا في وطنهم المحتلّ والعالم العربيّ؛ فجيل جدّ سامي كان يتواصل ويسافر عبر شبكات مواصلات مختلفة إلى البلدان العربيّة المجاورة لفلسطين. وهذا ما عزّز من التطوّر الثقافيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والسياسيّ. ذكر أبو شحادة، على سبيل المثال، قائلًا: "قبل النكبة كان جدّي يسافر في القطار من مدينة يافا إلى مدينة بيروت". تبدو هذه الجملة عاديّة لمن يسمعها، الجدّ كان يسافر بوسيلة نقل هي القطار، هذا أمر طبيعيّ في الحياة اليوميّة الّتي كانت تعمّ فلسطين ما قبل نكبتها في عام 1948.

 

زكريّا حسين زهرة  | ألبوم عائلة زهرة

 

لكنّ الجملة بالنسبة إليّ أصبحت تحمل تفاصيل حيويّة أكثر، وذات أبعاد تاريخيّة مؤنسة ومكمّلة إلى مشهد السفر، حين التفت عريف الحفل نزار زهرة إلى ’أبو شحادة‘ قائلًا: "جدّك كان يسافر في القطار، لكن ما لا تعلمه أنّ جدّي هو مَنْ كان يقود القطار"؛ فهذه التفصيلات الصغيرة كادت تكشف لنا عن المستتر وهو قائد القطار، فكانت هذه تفصيلات كافية لتستحوذ على مشاعري وأفكاري. قلت بيني وبين نفسي: ما أجمل هذا الوصل بين هذين الجدّين، وما أجملها من سرديّة من زمن مضى!

هذه التفاصيل والذكريات كادت تفصلني عن واقع الاجتماع، وقد أحدثت ضجيجًا في داخلي، فشردت معها بخيالي برحلة عبر القاطرة، وسافرت مفكّرةً مع هذه التفاصيل الفعّالة الحسّيّة، وقلت لنفسي: يجب أن أحبكها بكتابة سرديّة عن سائق القطار، هذه تفاصيل موثّقة وواضحة يجب عليّ أخذها إلى مساحات الكتابة لتعيش وتُوَثَّق نصّيًّا. ملاحظة التفاصيل الدقيقة وقراءة غير الملاحظ ربّما للغير، ولكن بكلّ تأكيد كان ملحوظًا لي، استحضر بقوّةٍ ذوات مخفيّة، على سبيل المثال جدّ نزار زهرة.

 

تاريخ العائلة وتاريخ المدينة

في ختام المهرجان، توجّهت مباشرة إلى العريف نزار زهرة لأستفسر منه متشوّقة عن جدّه، وعن فترة عمله في القطار. كان ردّه إيجابيًّا ومُرحِّبًا: "بالطبع توجد معلومات وصور له"، هذا ما قاله لي نزار، وإذ بابن عمّه سمير زهير زهرة، الّذي كان موجودًا في الاجتماع أيضًا، وقد استماله ذكر جدّه، وسمع حديثي مع نزار، فتح جوّاله على صور قديمة باللونين الأبيض والأسود من فترة عمل جدّهما وعمل والده ’زهير‘ في قطار الحجاز، مشيرًا إليّ لرؤيتها. شعرت بسعادة بهذا الدفء والترحاب وقبول كتابتي عن الجدّ. خرجت من المهرجان، بعد أن اتّفقت مع نزار على زيارته في البيت لتوثيق سرديّة جدّه.

فكان اللقاء الأوّل في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر)، حين التقيت نزارًا وهو رجل أعمال، وزوجته غادة العاملة الاجتماعيّة، وأخاه نزيرًا ’نظيرًا‘ الّذي كان بزيارتهما قادمًا من الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ويعيش في ولاية أوريغون، في بيتهما الواقع في شارع ’هجيفن‘، الكرمة بالعربيّة، في مدينة حيفا.

وصلت على موعدنا في تمام الثانية عشرة ظهرًا، استقبلتني الزوجة غادة، وأدخلتني مُرحِّبة إلى غرفة الصالون. كان الشقيقان نزار ونزير يجلسان في شرفة البيت المتّصلة بغرفة الصالون الواسعة والجميلة، يتصفّحان ألبوم صور تحضيرًا للقائنا. كانت ساعتا اللقاء مليئتين بالأحاديث والذكريات وصور عائليّة قديمة. كان هذا اللقاء الأوّل تعرّفًا على العائلة. وقد وجدت أنّ للعائلة تاريخًا كبيرًا وممتدًّا من طرف الأجداد والجدّات، عامرًا ومليئًا بالأحداث، منها المحزنة ومنها المفرحة، وكيف لا تكون محزنة ونكبة العائلة في عام 1948 كانت حاضرة بقوّة؟

هكذا كان الفرح حاضرًا أيضًا، لأنّ الفلسطينيّ يخلق الأمل ليكمل مسيرة حياته. في هذه اللقاءات، تحدّثنا عن تاريخ العائلة من طرف والد نزار زهرة ووالدته، المنحدرة من مدينة صفد، وعائلة زوجته غادة الّتي تنحدر من مدينة صفد أيضًا، مرورًا برحلة اللجوء والشتات. مررنا بالكثير من البلدان والدول، والأحداث والسرديّات الشائقة الّتي تُسْرَد لأوّل مرّة.

 

بيت العائلة، في شارع ’رزائيل‘ 13، أبو بكر سابقًا، في حيّ الحليصة | تصوير: روضة غنايم

 

التقيت بهم مرّة أسبوعيًّا من أيّام الأربعاء في ثلاثة لقاءات. عند انتهاء اللقاء الثالث، اتّفقنا على أن نلتقي في الأسبوع القادم لنكمل السرديّة. لكنّنا لا نعرف ما تُخبئه لنا الأيّام، إذ قبل موعد لقائنا بيوم اعتذر نزار عن عدم اللقاء بسبب دخول أخيه نزير المشفى لوعكة صحّيّة ألمّت به، علّه يخرج سريعًا منها ويعود إلى البيت.

للأسف، توفّي الشقيق نزير في الثالث عشر من كانون الأوّل (ديسمبر). فُجِعْت بخبر وفاته، وتأثّرت جدًّا. على الرغم من أنّني تابعت الاطمئنان عنه من أخيه نزار. توفّي بعد أيّام قليلة من لقائنا الأخير، الّذي فيه انضمّ إلينا مبتسمًا محضرًا كأس القهوة ليشاركنا الحديث. في سياق الحديث عن تاريخ الوالدة ’إسعاف‘، سألت السيّد نزيرًا عن أطيب أكلة كان يحبّها من صنع الوالدة، صمت، غرغرت عيناه بالدمع، قائلًا: "كنت أحبّ والدتي جدًّا جدًّا، ومنذ أن توفّيت، كلّما ذهبت للنوم طلبت من ربّي ألّا أفيق في الصباح، لكي يجمعني بها". تعاطفت وتأثّرت من حديثه المجروح وشعوره بالغصّة. لم أدرك آنذاك أنّ هذا هو اللقاء الأخير به، وأنّ أمنيته تحقّقت بعد أيّام من اللقاء، مؤلم هذا الفراق.

 

الجدّ سائق القطار

عرّفني نزار على جدّه سائق قطار خطّ حيفا درعا جنوب سوريا، في فترة الاستعمار البريطانيّ في فلسطين. وهو زكريّا حسين علي زهرة، المولود في عام 1885 في مدينة صفد، حارة القلعة تحديدًا.

 في بداية القرن التاسع عشر من القرن الماضي، قدِم زكريّا إلى مدينة حيفا طالبًا الرزق؛ فبدأ العمل في سكّة حديد الحجاز، ثمّ تعلّم وحصل على رخصة قيادة القطار، ليصبح سائقًا في خطّ حيفا درعا. رغم مرور مئة وسبعة عشر عامًا على إنشاء فرع سكّة حديد الحجاز، بين حيفا ودرعا في جنوب سوريا، إلّا أنّ سجلّ العاملين والموظّفين، وتحديدًا سائقي القطار العرب في تلك الفترة، غير مكشوف لنا. خلال كتابتي هذه المقالة، توجّهت إلى أرشيف القطار في حيفا، وطلبت منهم البحث عن اسم زكريّا زهرة، لكنّ الفترة الّتي عمل فيها، وهي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي غير موثّقة عندهم، لذلك تكون للسجلّات العائليّة أهمّيّة كبيرة في حفظ التاريخ وكشف المُغيَّب.   

بين فترة وفترة، كان زكريّا يتسلّم من إدارة القطار نظام عمل في بلدات مختلفة، فكان يضطرّ إلى نقل سكنه مع عائلته إلى البلدة الّتي يُعَيَّن فيها، ومن هذه البلدات مدينة نابلس، سكن هناك فترة من الزمن، ورُزِق بولديه محمّد ’عادل‘ وأحمد ’شؤون‘، والأخير هو والد نزار.

في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، تقاعد زكريّا من العمل؛ فعاد إلى مدينة حيفا ليستقرّ فيها؛ فشيّد بيتًا من أربعة طوابق في شارع ’رزائيل‘ 13، أبو بكر سابقًا، في حيّ الحليصة في المدينة، مسكنًا له ولأبنائه. تزوّج وسكن في هذا المبنى أبناؤه أحمد ومحمّد، وزهير. كان في ساحته الأماميّة حديقة كبيرة فيها الكثير من الأشجار المثمرة من ليمون وزيتون وتين وغيرها. وكان زكريّا يزرع الخضراوات وأحواض النعنع والبقدونس فيها. هذا ما سرده  نزار في لقاءاتنا.

كان نصيب العائلة أن تعيش في بيتها أعوامًا معدودة قبل النكبة، قبل أن تشنّ عصابات «الهاغاناة» الصهيونيّة الحرب على حيفا في عام 1948. عندما اشتدّ الضرب على حيفا، وخاصّة على حيّ الحليصة، سرد نزار قائلًا: "جدّتي؛ والدة والدي، هربت، سيرًا على قدميها، من حيفا إلى عكّا. تركت العائلة أغراضها كما هي، من ضمنها راديو وأسطوانات وسجّاد عجميّ"، وهذه المقتنيات لها دلالة على ثقافة أهل البيت، وقيمتها المعنويّة والمادّيّة للعائلة. وأخبرني نزار: "بعد أيّام عدّة، ذهب جدّي زكريّا إلى البيت، وأخذ ما استطاع منه".

كان الجدّ زكريّا تابعًا للطريقة الشاذليّة اليشرطيّة؛ فعندما اضطرّ إلى الهروب القسريّ من حيفا لجأ إلى الزاوية الشاذليّة في مدينة عكّا، ليحتمي بها هو وعائلته؛ فكان النساء يحتمين في مكان منفرد من الزاوية. وآنذاك اعتقلت «الهاغاناة» الشباب، وكان من بينهم، يسرد نزار قائلًا: "والدي وأعمامي وشباب آخرون سُجِنوا أشهرًا عدّة". بعد النكبة، عند بدء نظام الحكم العسكريّ الاستعماريّ في عام 1948، فور استعمار إسرائيل البلاد، حصل الجدّ زكريّا على تصريح من الحاكم العسكريّ؛ لكي يستطيع السفر إلى حيفا  لتفقُّد بيت العائلة في الحليصة. عندما وصل البيت وجده محتلًّا من مهاجرين قدِموا من بولندا، وفي طابق آخر من المبنى كانت مدرسة دينيّة توراتيّة ’يشيباه‘. وهكذا تُرِك البيت والأحلام والاستقرار؛ فالبيت أصبح ملكًا لشركة «العميدار»، وهي شركة قوميّة حكوميّة للإسكان في إسرائيل، تأسّست في عام 1949 لتوفير حلول سكنيّة للقادمين الجدد تحديدًا. الّذين استحلّوا البيت بعد الحرب مباشرة، وأصبح قانون حماية المستأجر يسري عليهم. بِيعَ البيت في الألفيّة من القرن الحاليّ، إذ لم يكن للعائلة صاحبة العقار سيطرة على صيانته من قِبَل المستأجرين، ولذلك اضطرّوا إلى بيعه. وقصّة هذا البيت تروي قصص آلاف البيوت المشابهة لمصيرها.

 

عائلة الجدّ زكريّا زهرة في عكّا بعد النكبة

سرد نزار قائلًا: "كنّا نسكن مع جدّي زكريّا في عكّا، فكان جلّ اهتمامه في رعاية الأسرة والعناية بها، من صيانة البيت، وتلبية احتياجات شؤون العائلة، وما إلى ذلك. أذكر عندما كانت سنّي ستّ سنوات (1956)، كان جدّي يواظب على الصلاة في «جامع الجزّار» في عكّا، وكان يصحبنا معه إلى الجامع، أنا وابنَي عمّي سامي وسمير. كنّا نمسك بيده ذاهبين إلى الجامع فرحين، كنّا نصل قبل وقت الصلاة، وكان جدّي يرغب في الجلوس في باحة الجامع، وكنّا معه نستشعر نسيم الهواء، ورائحة الياسمين والريحان المنبعثة من حديقة الجامع".

عندما سألت نزارًا، وهو من الجيل الثالث بعد النكبة، إذا كان يسأل جدّه عمّا جرى في عام 1948، أو عن أحداث أخرى، أجابني قائلًا: "نحن جيل كنّا نسمع ولا نسأل، كنّا نعرف أنّ الوضع صعب أيّام الحكم العسكريّ، كنّا نشعر بأنّ الأهل يمرّون بظروف صعبة لا يريدون الحديث عنها، كنّا نلاحظ ذلك من نظراتهم وصمتهم". جملة كافية لتلخّص صمت الرعيل الأوّل بعد النكبة. توفّي الجدّ زكريّا في عام 1975، ودُفِن في مدينة عكّا. بعد أن تعرّفت تاريخ جدّ نزار، أردت التعرّف أيضًا على جدّ سامي.

في العشرين من كانون الأوّل (ديسمبر)، أجريت محادثة هاتفيّة مع سامي أبو شحادة، لأتعرّف على جدّه الّذي كان غائبًا حاضرًا في «مهرجان حيفا»، والّذي كشف لنا بغير قصد عن جدّ نزار. جدّ سامي هو إسماعيل حسين أبو شحادة ’أبو صبحي‘، من مواليد مدينة يافا في عام 1926، ومن سكّان سكنة درويش تحديدًا. نلاحظ تشابهًا في اسم أبي الجدّين ’حسين‘. عندما بدأ سامي الحديث عن جدّه، وعن عمله في بيّارات يافا، وعن بنائه لآبار المياه فيها، بدأت أشاهد بخيالي تلك المساحات، والأشجار، وثمار البرتقال اليافويّة، والأيادي الّتي تقطف البرتقال وتضعه في الصناديق الخشبيّة لتصديره عبر ميناء المدينة، كانت يافا عامرة بأهلها.

 

نزير ونزار زهرة في شرفة البيت حيفا | تصوير: روضة غنايم

 

حين قال لي سامي: "تستطيعين الاستماع منه عن حياته، إذ قُوبِل في العديد من قنوات التلفاز"، وذكر منها  قناة «رؤيا»، فعلى التوّ قفزت أمامي صورة مُسنّ يافاويّ يجلس على سور في يافا مع مذيعة. قلت: حتمًا هذا هو جدّه. فبعد انتهاء المكالمة، بحثت في الشبكة العنكبوتيّة عنه؛ فكان ظنّي صائبًا. لكنّني لم أعلم حينذاك أنّ الحاجّ إسماعيل هو جدّ سامي. أذكر من المقابلة معه في قناة «رؤيا» جملة قالها للمذيعة، عندما سألته عن الّذين رحلوا عن يافا، وماذا تعني له يافا. كما يبدو؛ فهذا السؤال كان مؤلمًا جدًّا بالنسبة إليه؛ إذ قفز من مكانه قائلًا: "أوّل مرّة أتكلّم عن هجرة يافا وأبكي، إن لعنتِ والدي أسامحك، لكن إن تكلّمت بسوء عن يافا فلن أسامحك". جملة حارقة تحمل وجع وطن. جملته علقت في ذهني لصدق مشاعرها؛ فالجدّ إسماعيل يحمل وجعًا كبيرًا.

عندما قُصِفَت يافا، وهُجِّر أهلها، كان في بداية العشرينات من عمره، عاش في مدينته البحريّة الشهيرة ببيّاراتها وبرتقالها، تزوّج ليستقرّ لكنّ حرب عام 1948 دمّرت هذا الاستقرار. وهذا ما حصل أيضًا مع الجدّ زكريّا من حيفا؛ فمصيرهم متشابه. توفّي الجدّ إسماعيل في كانون الأوّل (ديسمبر) عام 2021؛ فالجدّان كانا شابّين يعيشان في مدن فلسطين الساحليّة. عندما نسمع تفاصيل حياتيّة ذاتيّة نعرف حجم المأساة الّتي مرّ بها بنات شعبنا الفلسطينيّ وأبناؤه في النكبة. بعد كلّ تلك العقود نكتب ونسترجع هذا الماضي الأليم. ببساطة؛ لأنّه ما زال حاضرًا معنا، ما زالت تراكمات الكارثة النفسيّة والمادّيّة ملازمة لنا شعبًا انتُهِك حقّه الشرعيّ للعيش في وطنه.

لو لم تكن النكبة والاستعمار حيث كانت لتطوّرت ونمت المدينتان طبيعيًّا، حتّى إذا أجريت عليهما تجديدات فستبقى الملامح والتفاصيل الفلسطينيّة قاعدة التطوّر فيهما. لم يعرف سامي عن عمل جدّ نزار، كانت هذه المعلومة مفاجِئة له. في نهاية حديثنا، قال إنّ عمليّة محو الهويّة والذاكرة مستمرّة، لأنّنا لا ندرس تاريخنا في المدارس، ولذلك لا نطّلع على هذه القضايا، حتّى الجغرافيا تبدو لنا بعيدة، يبدو حلمًا أن يسافر أحد إلى لبنان، مع أنّ لبنان قريبة جدًّا منّا.

 


 

روضة غنايم

 

 

 

باحثة فلسطينيّة من حيفا، تعمل محاضِرة ومدرّبة في موضوعات التاريخ الشفويّ والتاريخ الاجتماعيّ الحيفاويّ ومذكّرات الناس.

 

 

التعليقات