"عيد العمال"… ليس للعامل الفلسطيني في إسرائيل

مسيرة المعاناة تبدأ مع ساعات الفجر والتفتيشات الأمنية وساعات الانتظار في الحواجز، مررواً باستغلال المشغلين لهم والعمل الشاق، وتنتهي بساعات المساء عند الحواجز مرة أخرى...

الأول من أيار، إنه "عيد العمال"، عيد لا يعرفه العامل في أيامنا عموماً، والعامل الفلسطيني في إسرائيل على وجه التحديد، غالبيتهم تعمل فيه مثل أي يوم مضى، والعامل الفلسطيني في إسرائيل يمر عبر الحواجز والممرات الأمنية الإسرائيلية ذاتها. فحسب معطيات مؤسسات تعنى بحقوق الإنسان أصدرت سلطات الاحتلال حتى آذار الماضي 47,350 تصريحاً لفلسطينيين للعمل في إسرائيل. ويُسمح للعمال الحاصلين على التصاريح بدخول إسرائيل عبر 11 حاجزًا المخصّصة لذلك (التقارير الفلسطينية تشير إلى ٥٧ ألف تصريح عمل).

وقال تقرير لمنظمة "بيتسلم" الإسرائيلية لحقوق الانسان إنه في شهر حزيران 2013 زار طاقم المنظمة حاجزيْن، وهما ترقوميا وإيال، اللذيْن يدخل الفلسطينيون الحاملون لتصاريح العمل عبرهما إلى إسرائيل، واكتشف صورة قاتمة مؤدّاها الازدحام والانتظار بالطابور لساعات طويلة، والتعرّض أحيانًا لمعاملة مهينة من طرف المسؤولين عن الفحص. وفي أيام الآحاد يضرب عدد الفلسطينيين المارّين عبر هذين الحاجزين رقمًا قياسيًا ويصل إلى نحو 4,500 شخص.

ويُفحص العمال بواسطة جهاز "مجنوميتر" (كاشف للمعادن)، ومن بعده يعبرون من خلال أكشاك مأهولة بالفاحصين حيث تجري عملية فحص التصاريح والوثائق وبصمات أصابع العمال. ويُوجّه بعضهم إلى فحص تفصيليّ آخر. وبرغم أنّ الحاجزيْن لا يُفتحان إلا نحو الساعة 4:00 صباحًا، إلا أنّ مئات الفلسطينيين يهرعون إلى المدخل في ساعات الليل المتأخرة خشية عدم وصولهم إلى العمل في الوقت المحدّد، نتيجة للازدحام الكبير، والطابور الطويل واحتمال توجيههم إلى الفحوصات التفصيليّة التي تكون مقرونة أحيانًا بالتعامل المُهين. وبرغم الازدحام الهائل تعمل أربعة أكشاك فحص بشكل ثابت فقط، من بين ثمانية أكشاك فحص قائمة.

         

 عمال مكبلون بعد أن وجدتهم قوات الاحتلال مختبئين في سيارة تقلهم للعمل داخل إسرائيل (تصوير شرطة إسرائيل)

وتوجّهت بتسيلم بهذا الشأن إلى رئيس سلطة المعابر البرّيّة في وزارة الأمن وتلقت ردًا بأنّه لا يوجد ازدحام أو طوابير طويلة في الحواجز. عاد باحثو بتسيلم الميدانيون إلى حاجز ترقوميا يوم 1/9/2013 ووثقوا ثانية ما يحدث هناك. وأشارت النتائج إلى أنّ الواقع هناك لم يتغيّر: فالكثير من العمال حضروا إلى الحاجز ابتداءً من منتصف الليل بقليل، وعندما فُتح الحاجز الساعة 3:30 صباحًا، كان الطابور يمتدّ لمسافة طويلة. إلى جانب ذلك، أفاد فلسطينيون بأنهم مرّوا بعملية فحص إضافية في غرف خاصّة، واضطروا للانتظار وسط ازدحام كبير ومن دون تكييف أو أيّ أماكن للجلوس. للتوسّع.

ويضطر عشرات آلاف الفلسطينيين الذين لم يحصلوا على التصاريح، أو أنهم لا يستوفون المعايير الصارمة التي وضعتها إسرائيل، لمحاولة دخول إسرائيل من دون تصريح.

وتفيد التقديرات المختلفة  التي أوردتها "بيتسلم" أنّ 15,000 – 30,000 فلسطينيًا يعملون في إسرائيل من دون تصريح. وتقول المنظمة إن بدلاً من محاولة تسوية وترتيب عملهم، تفضّل إسرائيل عدم طرح حلّ مَبنويّ للظاهرة، وبدلا من ذلك تكتفي بحلول موضعية، من ضمنها نشاطات متقطّعة "للقبض على المقيمين غير القانونيين"، حيث يُلقى القبض خلالها أو يُصاب أو يُقتل في أحيان نادرة، أشخاص لا يشكلون أيّ خطر كان، حتى وفق تعريفات الجهاز الأمنيّ.

ووفقًا لمعطيات مصلحة السجون الإسرائيلية، فقد بلغ عدد المعتقلين في إسرائيل في يوم 31/3/2014، 1,424 فلسطينيًا بتهمة "الإقامة غير القانونية" في إسرائيل، منهم 22 قاصرًا.

ويرى عمال فلسطينيون يعتمد روتين حياتهم على دخول إسرائيل من دون تصريح، أنّ كل دقيقة هي جزء من معركة البقاء وأنّ العودة بسلام من العمل ليست أمرًا مفهومًا ضمنًا. إنها روتين محفوف بالخوف العميق من الاعتقال أو الإصابة. وفي مثل هذا الواقع فإنّ التفكير بحقوق العمال مثل الأجر الأساسيّ وساعات العمل المعقولة ومخصّصات التقاعد يبدو كحلم بعيد.

ونقلت المنظمة عن الفلسطيني ا.ع. (46 عامًا)، الذي يعمل بلاطًا، ويعتاش من العمل في إسرائيل من دون تصريح ذكر في افادته:
العمل من دون تصريح هو سلسلة من المعاناة الحقيقية والقلق والخوف اللانهائيّ، التي تبدأ كلها لحظة خروجي من البيت. أنا أخرج باكرًا في الصباح في مطلع الأسبوع باتجاه الجدار في منطقة الرماضين جنوب جبال الخليل، ومن هناك أدخل إسرائيل برفقة عمال آخرين. وغالبًا ما أنتظر الساعات الطويلة بجانب الجدار إلى أن أتأكّد من سلامة الطريق. وقد حدث أكثر من مرة أنني انتظرت يومًا كاملاً وفي النهاية اضطررت للعودة إلى البيت والتنازل عن يوم عمل. كل سفرة إلى العمل تكلّفني 100 شيكل يتقاسمها السائق الفلسطيني الذي يُقلّني إلى الجدار والسائق الإسرائيليّ الذي يُقلّني من الجدار إلى بئر السبع.

ومنذ لحظة وصولي إلى مكان العمل أحرص على عدم تركه. أظلّ في بئر السبع لأسبوع كامل وأحيانًا لأسبوعين. وفي نهاية يوم العمل أنعزل في موقع العمل برفقة العمال الآخرين، ونضطر للنوم بظروف صعبة وفي مبان غير مكتملة، على الأرض، ومن دون كهرباء أو مراحيض. نحن لا نخرج من المكان مطلقًا كي لا تمسك الشرطة بنا. وإذا اضطررنا لشراء شيء ما، فإنّ واحدًا منا يذهب بحذر إلى البقالة. وفي الغالب نحن نأكل طعامنا من المعلبات. وأحيانًا نضطرّ لتبديل أمكنة النوم والانتقال من مبنى إلى آخر كي لا تكتشف الشرطة مكاننا أثناء المداهمات التي تقوم بها. وفي أكثر من مرة داهمتنا الشرطة في الليل وهربنا.

المقاولون الذين يُشغلونني يعرفون أنني لا أحمل تصريح دخول لإسرائيل ويستغلونني بسبب ذلك. فهم يدفعون لي نحو 250 شيكلا لليوم فقط، وعندما أخبرهم بأنّ هذا أجر مُتدنّ نسبة لخبرتي، يقولون لا إنه لا خيار آخر لديهم لأنني من دون تصريح. كما سبق ورفض أحد المشغلين أن يدفع لي أجرتي في نهاية الشهر وهدّدني بالاتصال بالشرطة والتبليغ عني إذا ما طالبته بالنقود.

لديّ خمسة أولاد صغار وزوجتي تعمل ممرّضة. لو أنني أحمل تصريحًا لتمكّنت من العودة للبيت كلّ يوم وساعدت في تربية الأولاد. أنا قلق لأنني بعيد عنهم وأحاول التحدّث معهم بالهاتف مرة في اليوم على الأقلّ.

370 ألف فلسطيني عاطل عن العمل

قال  أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، إن نسبة البطالة بين العمال الفلسطينيين تزداد بوتيرة عالية، حيث يقدر عدد المتعطلين (ذكورا وإناثا) عن العمل في فلسطين بـ 370 ألف عامل وعاملة. وأكد سعد، سعي النقابات لتثبيت نظام ضمان اجتماعي للعمال، وبدل إصابات العمل، والشيخوخة، وإجازة الأمومة، كذلك مساعيها الدؤوبة الى انشاء قرى عمالية على مساحة 280 دونم لتوفير اسكانات للطبقة العاملة الفلسطينية.

وحول ظروف العمل القاسية التي يتعرض لها العمال، أشار سعد إلى أن الاحصاءات منذ أيار (مايو) 2013 وحتى الشهر، وصلت إلى 41 حالة وفاة في صفوف العاملين الفلسطينيين، منها 13 حالة وفاة منذ مطلع العام الحالي.

وفي السياق ذاته، أوضح سعد أن 65% من العاملين في القطاع الخاص يتقاضون اجورا دون خط الفقر الوطني والمحدد بـ 2350 شيقلا.

وقال سعد إن البطالة وخط الفقر يزدادان بشكل مطرد، حيث ازادت القوى العاملة في فلسطين بمقدار 38 الف عامل، لذلك يتوجه الكثير من العمال للعمل داخل إسرائيل، وداخل المستوطنات، إذ يوجد حوالي 27 ألف عامل يعملون بشكل قانوني من خلال تصاريح مكتب العمل، وهناك 30 ألف عامل يعملون من خلال تصاريح الغرف التجارية والصناعية، وباقي العمال يعملون بشكل غير قانوني، فيما يتوجه اخرون للهجرة الى الخارج.

وبين أن حقوق العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل إسرائيل، مسلوبة وضائعة، بسبب تعامل أرباب العمل الإسرائيليين، لذلك طالب سعد، منظمة العمل الدولية بوضع قواعد عمل يتم من خلالها إعطاء العامل الفلسطيني حقه.

من جهتها قالت عضو الامانة العامة وسكرتيرة دائرة المرأة العاملة في الاتحاد بسمة البطاط، إنه يجب إيجاد البدائل للعمال الذين يعملون داخل المستوطنات، وعلى الحكومة الفلسطينية أن تضع هذا الموضوع على سلم أولوياتها، مضيفة أن نسبة النساء العاملات في ازدياد مستمر، بسبب الظروف الصعبة والغلاء المعيشي المستمر، دون وجود رواتب وأجور موازية لذلك الغلاء.

وعبرت البطاط عن استيائها بسبب توجه العاملات الفلسطينيات للعمل داخل أراضي 48 والمستوطنات، في شتى الأعمال، إذ أن هناك 6000 امرأة من اصل 110 الاف عامل فلسطيني تعمل داخل أراضي 48 ، ما يعمل على نشر التفكك الأسري، وغياب الأم عن البيت لفترات طويلة.


من الفيسبوك

                

في عيد العمال العالمي الشرطة العنصرية والجيش العنصري في الدولة العنصرية تعايد عمال الضفة والقطاع في هذا العيد يعتقلون من جاء ليبحث عن لقمة العيش والعمل لستر بيته (عن صفحة نضال العنتر)


صور من موقع Richard Wainwright 

التعليقات