تشريح الربيع العربي لبسام طيارة: الخشية من إطالة أمد الثورات

تشريح الربيع العربي لبسام طيارة: الخشية من إطالة أمد الثورات

تشريح الربيع العربي لبسام طيارة: الخشية من إطالة أمد الثورات

باريس ـ من الطيب ولد العروسي: صدر في كل من باريس وبيروت مؤلف جديد للكاتب والمحلل السياسي بسام طيارة يحمل عنوان 'تشريح الربيع العربي: الجوانب المخبأة لهذه الثورات'، عن منشورات البراق، يحتوي على 295 صفحة من الحجم الكبير، وتصدير ومقدمة وعدة فصول.
في البدء يشير الكاتب إلى تطور هذه الثورات يوما بعد آخر وانتقالها بزخم مطرد في شوارع وميادين وساحات المدن والعواصم العربية، وحدد نقطة البداية التي أجّجت تلك الثورات أو الانتفاضات الشعبية كرد فعل ثوري لما قام به الشعب التونسي بثورته بعد حرق الشهيد محمد البوعزيزي نفسه أمام الملأ كرد صامت لما لاقاه من إهانات متكررة من النظام التونسي وبيروقراطيته التعيسة، وأصبح هذا الحادث بداية فتيل للثورات الشعبية في المدن والشوارع العربية، ثم جاء دور الشارع المصري الذي تحدى طغاته وشهدت ساحة التحرير التظاهرات التي عمت فيما بعد شوارع أهم المدن المصرية، ليعلن المصريون رفضهم المطلق للنظام الذي بقي يحكم ويتحكّم في البلاد والعباد لمدة تجاوزت الثلاثين سنة، وأن الناس ملت ظلم وطغيان هذا الحكم وأذنابه، مما دفع بهم لصنع ثورة أبهرت العالم، إذ اعتبرها الكاتب هي والثورة التونسية صرخة البداية ضد الفساد، وضد النفاق والفقر والتجويع والبيروقراطية. وأشار إلى ردات الفعل وانعكاساته لهاتين الثورتين ولما لقياه من صدى كبير، ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل امتد ذلك إلى بعض الشوارع الأوروبية والآسيوية، وسجل المؤلف أهم الشعارات المشتركة التي راح الثوار ينادون بها في الشوارع العربية، مثل 'الشارع يريد إسقاط النظام'، أو ترديد عبارة 'إرحل'، أو 'محاسبة كل المسؤولين عن الفساد الذي مارسوه تجاه شعوبهم'، جاءت هذه العبارات وغيرها والأمل يحدوهم في تحقيق مطالبهم بالحرية، حرية القول والتعبير والحق في المشاركة في اتخاذ القرارات وتنفيذ الأهداف الوطنية في الحكم والتنمية، كما تجاوز الشارع العربي عقدة الخوف، إذ راحت شرائحه الشبابية التي كان ينظر إليها وكأنها لا تساوي شيئا، أو أنها غير مبالية، لكنها بينت مدى وعيها، وتحديها للموت والقمع، فأخذت على عاتقها المطالبة عمليا ونظريا بالتغيير، وأنه قد حان الوقت ليأخذ الشباب زمام الأمور بأيديهم، وظلت مطالبهم وتطلعاتهم ووعيهم تتخطى بكثير 'نظرات حكوماتهم' أو الذين نصبوا أنفسهم، ليكونوا 'حكامهم' فأدى ذلك إلى شرخ كبير بينهم وبين هؤلاء الشباب الذين وحسب الإحصائيات في العالم العربي يبلغ معدل أعمارهم 24 سنة، وبين حكام احتكروا السلطة لسنوات طويلة، دون أن يأتوا أو يقوموا بأي تجديد حقيقي، أو يأتوا ببدائل موضوعية لتحقيق آمالهم في التغيير وفي العيش بكرامة. هذا ناهيك عن انتشار البطالة في تلك البلدان، حتى الغنية منها. يعطي المؤلف نبذة تحليلية في آخر الكتاب عن عدد سكان كل بلد، ويشير إلى معدل متوسط أعمارهم والى معدل الولادات'والدخل ومعدل البطالة للفرد في كل من هذه البلدان،، إذ يلاحظ المؤلف مفارقات مزمنة تؤكد على أن النظام العربي في واد، والشعب العربي في واد آخر.
هذا بالنسبة لبعض النقاط التي يلتقي فيها الشارع العربي، لكن المؤلف لا ينسى أيضا أن يذكر النقاط التي يلتقي حولها الحكام العرب في 'رؤيتهم' لهذه الثورات، إذ أنهم لا يرضون بفتح الحوار، ويكتفون، منذ سنوات، بترديد مقولة أن القاعدة هي التي تحرض على تلك الثورات، ودعما لمنظورهم هذا أعطوا لتنظيم القاعدة حجما أكبر مما هو عليه، إن لم نقل انها، أي الأنظمة قد جعلت من 'القط أسدا' لكي 'تخيف' به الغرب، وقد أوهمت تلك الأنظمة الغرب بأنها إذا ما 'تركت' السلطة فستعم الشوارع العربية حروب أهلية حامية الوطيس، وبالتالي فإن بقاءها في السلطة هو 'في صالح الجميع'، ويتجسد هذا المثل في السلطة اليمنية والسلطة الليبية والسورية، التي أدت ببلدانها إلى خراب كبير.
يرى المؤلف بأن هذه النقاط التي تجمع هؤلاء الحكام بعيدة تماما عن اهتمامات الشارع العربي ولا تعبر عن انشغالاته، وأن أكثر المطالبين بهذا التغيير هم من فئة الشباب المتخرج من الجامعات، والذي يعاني من ويلات البطالة والتهميش و المستقبل غير الواضح، بل لا حل لهم إلا الهجرة أو الانتحار عبر زوارق الموت، ويتجسد ذلك بشكل ملموس في حياة ومسار شهيد الثورة العربية محمد البوعزيزي. وحسب بعض الإحصائيات التي تتردد في الكثير من الصحف، ويرددها الكثير من المحللين فإن فئة الشباب التي قامت بالثورات في العالم العربي تتراوح أعمارهم ما بين 17 و 35 سنة، مما يؤكد ويعطي لمطالبهم الكثير من الحماس والصدق، لأن أغلب هؤلاء ليست لهم أي علاقة بالحكم، وأنهم شباب مهمش ويتقاسم نفس الويلات والمشاكل في كل الدول العربية.
يعتبر المؤلف بأن انتشار الانترنت منذ عشر سنوات قد أتاح لهؤلاء الشباب فرصة حسن استخدامها لنقد وزعزعة الأنظمة العربية وتعريتها، لأن فضاء الانترنت تجاوز حدود الرقابة، وأن المواطن العربي استفاد منه لاستقاء معلومات سمحت للشعوب العربية في استعادة الثقة و الأمل في مستقبل جيد، وأنه استغنى عن وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة و الممولة من قبل دول البترو دولار.
من بين فوائد الانترنت التي يركز عليها المؤلف يمكن ذكر تسريب الوثائق التي نشرت في موقع 'ويكيليكس' والتي بينت تفاهة وهشاشة وحتى عمالة بعض الأنظمة العربية، ومما لا شك فيه أن الفضائيات كان لها دورها الكبير في إيصال هذه الثورات وفي مساعدتها للتأجج أكثر ولمصاحبة ومساعدة الشباب الثائر في كل الشوارع العربية.
بهذا الصدد يؤكد المؤلف على أهمية 'الفايس بوك' وكل التقنيات الحديثة في ربط الصلة ما بين هؤلاء الشباب، وكيف استطاعوا أن ينظموا أنفسهم بعيدا عن 'الرقيب' ويلتقوا بفضل هذه التقنيات الاجتماعية التي وفرت لهم فضاء للقاء والحوار وتجسيد مطالبهم في الواقع، وهو ما حدث بالفعل بدرجات متفاوتة في أغلب الشوارع العربية بداية من تونس مرورا بالقاهرة والمنامة والسعودية وصولا إلى اليمن وليبيا وسورية والعراق وفلسطين وغيرها من الشوارع العربية.
والجدير ذكره أن المؤلف يضع القضية الفلسطينية من بين أهم المحاور أو النقاط التي دفعت هؤلاء الشباب لرفض واقعهم وحكامهم، وبالتالي رفض القوى المتحكمة في الغرب التي تكيل بمكيالين، إذ لا يعير أي انتباه أو أي إحساس حقيقي بالشعب الفلسطيني ولا لمطالبه المشروعة، كما لا يسهر على احترام تطبيق القوانين الدولية من قبل إسرائيل.
تعرض المؤلف كذلك إلى خطاب الرئيس الأمريكي أوباما الذي ألقاه في القاهرة، معتبرا أنه كان يحمل في طياته الكثير من الأمل لبلورة حل عادل للقضية الفلسطينية، غير أنه بقي مجرد كلام، ولم ينفذ في الواقع، لأن حكام إسرائيل رموا في سلة المهملات كل ما جاء في خطاب أوباما، لأنهم تعودوا على عدم تنفيذ و احترام القوانين الدولية.
في هذا الصدد يؤكد المؤلف على أهمية القضية الفلسطينية في الوعي العربي، وعلى أن الصراع العربي الصهيوني، يجب أن لا يستخدم كغطاء لإبعاد الجماهير العربية عن السعي الجاد لحل مشاكلها الحقيقية، كما أكد على أن النظام الغربي هو الآخر، لم يكن يرى أو يحسب لهذه الثورات أي حساب، فمثلما فوجئت الأنظمة العربية بها، فوجئ هو الآخر، لأنه كان مع بعضها وراح يزكيها، عملا بمصلحته أولا ومصلحة 'أصدقائه'، وأنه يعتبر بأن هؤلاء الحكام كانوا أفضل من 'يخدم' مصالحه، وكانت تربطه علاقات جيدة، وأحيانا غريبة بل يشوبها الكثير من المفارقات، وهذا أيضا يعد جانبا مهما من جوانب استعادة الوعي العربي والمضي في المطالبة بالتغيير، رغم أن النظام الغربي كان يعرف بأن إزالة هؤلاء الحكام مسألة وقت، وفي نفس الوقت كان النظام الغربي يعرف حق المعرفة أن هؤلاء الحكام متجذرون في الحياة السياسية وفي مختلف البنى والهياكل الإدارية، وفي الجيش، وهذا ما كان يجعلهم حجر عثرة أمام خروج هذه الثورات إلى بر الأمان، وهذا ما يؤكده المؤلف في خلاصة كتابه، والذي يبدي فيه تخوفه الكبير من إطالة أمد هذه الثورات، مثلما يحدث في اليمن وليبيا، مما من شأنه أن يعطي فرصة للغرب في أن يستعيد أوراقه وعلاقاته ويبني جسورا ليبقى حاضرا في اللعبة السياسية، مثلما كان عليه قبل اندلاع تلك الثورات، أو الربيع العربي الذي جاء متأخرا لعقدين من السنين، كما يتخوف المؤلف أيضا من انعكاسات عدم تحقيق الأهداف التي تطالب بها الجماهير التي نزلت للشوارع وضحت فيها.
إن المؤلف، وهو يحلل هذه التغييرات في دول العالم العربي، يثبت تاريخ بداية هذه التحولات وهذه التظاهرات التي يعود معظمها إلى التحركات التونسية والمصرية التي تؤرخ بهما بداية الثورة والغضب العربيين، وأصبحت ثورة الياسمين في تونس نموذجا يحتذى به في كثير من الشوارع العربية، أي أن هاتين الثورتين زعزعتا كل الأنظمة العربية، مما أدى إلى تحريك العلاقات بين الشرق والغرب، وأجبر هذا الأخير على اتخاذ موقف يتسم بالوضوح تجاه هذه التطورات.
وأخيرا نشير إلى أن المؤلف أتى على ذكر كل دول العالم العربي تقريبا، ما عدا بلدين، هما الصومال وجزر القمر، رغم أن الصومال يعاني من هزات ومشاكل طال أمدها، ولست أدري إن تناساهما الكاتب، أم فعل ذلك متعمدا عدم اعتبارهما جزءا من الربيع العربي.

 

التعليقات