31/10/2010 - 11:02

الى أنسي الحاج / عقل العويط

الى أنسي الحاج / عقل العويط

* * *


أنسي الحاج



ظلامٌ عليك أيها الجبل


كان الجبل في أحداقنا
ينقل أقدامه الزجاجية من حلم في هيبة البحر
إلى حلم في أبّهة النخيل


ذهبنا لشحذ أعضاءنا بأسنانه
بصلافة صخوره وغدر نتوءاته
فيما هو منشغل بصقل شظاياه
مباهياً بهيبة مراثيه وبراثنه الباسلة


رعاياه
نزن به أحلامنا كأنه معدن الوقت
يكنز نعمته في غيوم غامضة
مبذولة لترف المكائد
تتماهى في خلاعة الأشكال وتشفُّ عن الماء اليابس


قمصاننا تشيع الفتنة لجسدين في لذة السفر
نغفل عن خيوطها المشاعة فنخسر قناديل الطريق
مثل نجوم مدلاّة في تجاعيد الوحشة
تظن أنها السماء .


جبلٌ يخبُّ في جبّته الموشاة بأحداق ثملة
وأهداب فَضَّة
ترصد رعيةً في وحشة السفوح


نحن رعاياه المستوحشون
تنالنا جهامة الليل.
شعبٌ يستفرد به حجرٌ كئيبٌ محمول على المناكب
غاباته مكتظة بيقظة الحواس
تزعم أنها ثمالة حنيننا الموصول بعدالة المطر
ما إن نغفل حتى تغدر الشباكُ بشعبٍ يشطّ
يرشده أدلاّءُ يعرّيهم الجبل بكمائنه
ويفضح خطواتهم بالكواسر
ما إن نغفل حتى تطيش جمرة الغابة
لفرط النطرة وضغائن الفصول


رعايا نحن
نعقُّ عن هيبة الجبل
ونزخرف جسده بمرايا مشروخة
تفضح خرقاً مزقتها مواكب الجنازات
واندلاع النيازك اليائسة
رعايا
نرفع أسمالنا رايةً في طليعة النص
فتخرُّ الخرائطُ مهتوكة بصراحة الكذب.


نعرف في الحجر ذريعةَ الطريق
تأخذ أقدامنا بهجة المسافة
وطبيعة السفر
كأن الماء في المنحنى
كأن شجرة الغابة تقويمنا لندرك خاتمة السرد
كأن زفير المآتم سأمنا الأخير لتفادي سردَ القرابين
كأن بريد القرى المستباحة بلاغة المدينة
تميمتها لتدارك فضيحة التهتك في حضرة القتل
نعقُّ مثل رعية تفقد حرية النوم


نقول للجبل : غيّر غيومك
هيئ ضريحك
وافتح ألوانك على الناس



نقول له : ظلامٌ عليك أيها الجبل
ولك قوسنا الشاهق .. سرادق الأفق
نقول له : سئمنا سيداً يَسكتُ عن أحفاده
ويطلق لأسلافه سطوة الندم


جبلٌ ينهرُ أحلامنا ويشي بنا في محفل الصيارفة
يقودنا بأدلاّئه المذعورين
ويعتذر عن أجمل أخطائنا أمام قناصل الدول
ومبعوثي الجيوش
نقول للجبل :
الجبالُ ترحل أيضاً . *


 


رقصة الذئب


انتظرْ
سهرةُ الأصدقاء انتهتْ
وانتهى فيلقُ الندماء
الذين استداروا على كأسهم
يخلطون
يا قرين الجنون
انتظرْ ريثما نسترد التآويل في نصّنا
علّنا
نتدارك أخطاءنا الصائبة


ثمة التائبون عن النصّ
يسدون نصحاً لنا
بالرؤى الغائبه


فانتظرْ
انهم يصقلون التفاسير
يفتون أن النبيذ القديم سيفدح أقداحهم
يسكرون، انتقاماً، بأخبارنا
ويدّافعونَ ويمحونَ آثارنا خشيةً
فانتظرْ
نصّك الآن رهنَ امتحاناتهم
مثلما تُخلطُ الأشربه
ربما يمزجون الخرائط بالليل
يختبرون العناصر بالنوم
يهتزُّ ميزانُـهمْ
كلما تعففتَ عن مأدبه



يعبث الأصدقاءُ
و ينتابهم ذعرهم
كلما تماديت في التجربه


بالغَ الأصدقاء بأسمالهم
فانتظرْ
لا تنمْ خارج الحلم
تندمُ حيناً
وينفضُّ عن جرحكَ الندماءُ
ويستفردونك في سهرةٍ مسرعه
فانتظر
و انتظر
لا تدع كأسك المترعه


ساعة الأصدقاء انتهتْ !؟
فليكنْ
لم يزل زيتُ قنديلك المنتخبْ
يستفز الغضب
فليكنْ
يأسك المعدنيّ اندلاعٌ غريبٌ
يشكُّ ويفتح أسئلة في يقين الذهب


فانتظر
عند منعطفٍ فاضحٍ
تفقدُ الأصدقاءَ ودهشتَهم
مثلما يفقدُ الذئبُ عزلته المشرعه


عندما يمدحون انطفاءاتهم
تندلعْ
فانتظرْ ، و انتظرْ و انتظرْ
لا تدع كأسك المترعه

بقلم: عقل العويط



في الأمس العميق، كان الموت قد زار بيت أبيك للمرة الاولى، أيها الشاعر الكبير.


كنت لا تزال طفلا، او شبه جنين.


يومذاك، لم يجد الموت اللئيم شيئا ينهبه، أجمل من الماء للجنين، فبدّد الماء وترك متاهة الصحراء للجنين.


في الأمس العميق، ذهب الموت بالامومة الأطرى من طفولة.


وأمس، عاد هذا الموت اللئيم نفسه يجربك ايها الشاعر في رفيقة الحياة ليلى.


لن أعزيك ايها الحبيب. فسيظل حنانك وحقدك أقوى من الموت اللئيم.


سيظل شعرك اكثر من هذا الموت، وأن كنت ممهوراً بلعنة سرطانه.


انت المولود تحت برج الأسد، أنت الذي تكسرك دمعة أو قشةّ في بحر، لن يستطيع زمن السرطان أن يكسر قلبك.


ولن تخذلك الينابيع ولا الأمطار.


ولن يخذلك الحبّ ايها الشاعر.


أنت الذي تعلن خواء العالم من الدموع، ستكون الدموع تحت يديك أنهرا وبساتين تمحو من امامك المتاهة وتطري وجع الصحراء الماحق.


أعرف ان الموت عدوّك. أيها الشاعر، لكنك كنت تضحك منه، وان ملتهما بالرعب.


أعرف ان هذا الموت سيظل عدوك. وانك ستظل تضحك منه، وان مصابا بطعنتين.


أعرف ان الرعب يجثم على ابواب رشدك الليلي منذ ولدت تحت شمس تموز.


وأعرف أعرف أنك مصاب بهلع الاوجاع الشخصية.


لكني اعرف ايها الشاعر أنك تهزأ في منتصف الليل بالموت الذي يكسر الفؤاد.


وأعرف انك تهزأ به في الهجعة الاولى. وفي الهجعة الأخيرة أيضاً. وأيضاً عند صياح الديك.


وفي وقت الهجير


أعرف أيها الشاعر أنك قد كسرته بالشعر الذي يكسر الزمن.


بل أعرف أن هذا الموت الذي يزور بيتك الآن، يعرف أنك ستظل تكسره بالحبّ والشعر.


ويعرف أنه لن يفوز.


أقوى من الموت، هو شعرك، ايها الشاعر الكبير.


فقد رأيتك في ما مضى تهتك الستر عن غد السرطان، وتخترع موتا. وقد رأيتك تصنع هذا الموت وتصنع له طريقا. ولوناً.


وها أنا أراك الآن، تهتك الستر عن حاضر السرطان وعن غده. وأراك تخترع حياة بالحب وبالشعر.


حياة تنتصر بالمعجزة التي تؤويها في قلبك.


وها أنا أراك، محاطا بولديك ندى ولويس، وبأحبابك واصدقائك وأهلك اجمعين.


واراك مكللاً برشد الحب والشعر، ضاحكاً من هذا الموت ومنتصراً عليه.


أما أنت ايتها السيدة الحبيبة ليلى فعزاء محبيك أنك اخترت الحبّ ... وتنتصرين به على الموت.

التعليقات