خطيئة الاستعلاء

-

  خطيئة الاستعلاء
بمقياس التاريخ، بعد 15 عاما تنقص أسبوعين من توقيع اتفاقات أوسلو على الأرضية الخضراء للرئيس بيل كلينتون، يُخيّل أن رئيس الوزراء على حق: لم نكن ذات يوم أقرب من الآن للسلام مع الفلسطينيين. يكفي التذكير أنه قبل 13 عاما تنقص شهرا، في ألأيام الأكثر حساسية في عملية أوسلو، أقنع رئيس بلدية القدس، إيهود أولمرت، المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة، بوب دول، بأن يطرح على طاولة مجلس الشيوخ، قانون نقل السفارة الإسرائيلية إلى عاصمة إسرائيل الأبدية. وها هو اليوم أولمرت نفسه يعرض تقسيم القدس ونقل الضواحي العربية لفلسطين. إلا أنه بالرغم من ذلك لم يطرأ تغيير أساسي في مفهوم البالغين المسؤولين عن المفاوضات، والأطفال الإسرائيليون والفلسطينيون الذين تعلموا هذا الأسبوع قراءة الحروف الأولى سيلتقون بعد 12 سنة في ساحة المعركة، في دولة ثنائية القومية، أو في نظام أبرتهايد.

على المسطرة، خطت إسرائيل مسافة كبيرة وطويلة باتجاه الفلسطينيين. وتجري عمليا المفاوضات حول «اتفاق رف» في خطين متوازيين. صحيح أن البعد بينهما تقلص، ولكن كما هو معروف، الخطوط المتوازية لا تلتقي أبدا. وحينما لا يوجد اتفاق بين مديري المفاوضات على نقطة الانطلاق للمفاوضات، لا يوجد احتمال بأن يجدا نقطة التقاء. بالنسبة لأولمرت وأكثر من ذلك- من وجهة نظر تسيبي ليفني- الصراع بدأ عام 1967، ويجب أن تتطرق التنازلات إذن للحدود التي فصلت بين إسرائيل والمناطق حتى حرب 1967. من هنا، التسوية التي تمنح الفلسطينيين 93% من الضفة وتعويض بعدة نسب مئوية من المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، هي عرض سخي بشكل ليس له مثيل. تماما عرض "بنغوريوني".

أبو مازن بدأ المفاوضات مع أولمرت من نفس النقطة التي وقف فيها ياسر عرفات في المفاوضات مع باراك. نقطة انطلاقهم هي النكبة – تهجير الفلسطينيين من أرضهم عامي 1947-1948. بالنسبة لهم القرار " البن غوريوني" الأول اتخذوه عام 1988 في قرار المجلس الوطني الفلسطيني. حيث استبدلت منظمة التحرير الكفاح المسلح لتحرير (100% من فلسطين الانتدابية) بكفاح سياسي لإقامة دولة مستقلة في المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967(22%). والقرار "البن غوريوني" الثاني اتخذ عام 2002 حينما تبنى عرفات مبادرة السلام العربية بما في ذلك البند الذي يلزم بموافقة إسرائيلية لأي حل لقضية اللاجئين.

إسرائيل خلقت الاصطلاح "التكتلات الاستيطانية" ونفختها إلى حجم رهيب رغما عن المجتمع الدولي. الآن تطالب إسرائيل الفلسطينيين بالتنازل عن تلك المساحات وأن يوافقوا أن تمزق تلك التكتلات دولتهم الصغيرة. بالنسبة لهم كل دنم يسلمونه لإسرائيل في الضفة والقدس الشرقية هو تنازل عن أغلى ما يملكون. يجدر الذكر أن بنيامين نتنياهو حينما كان في مكتب رئيس الحكومة ساوم حول حجم الانسحاب من المناطق حسب اتفاقات أوسلو "ب"(النبضات)، وقال إن كل نسبة مئوية تعادل مساحة تل أبيب.

تبرز ظاهرة الخطوط المتوازية بشكل خاص في المفاوضات حول القدس؛ إذ أن النقاش الداخلي في إسرائيل حول تقسيم القدس حسب خطوط إثنية قومية يخلق انطباعا بأنه من أجل السلام أولمرت(وأيضا إيهود باراك) على استعداد للانتحار على الطريقة اليابانية(الهراكيرى). والاستنتاج المطلوب أنه من المستحسن أن يكافئهم الجانب الآخر بتنازل جوهري، مثلا، في قضية السيادة على الأماكن المقدسة في القدس. بالنسبة للفلسطينيين، كان التنازل الجوهري ملقى في جيب الإسرائيليين قبل بدء مفاوضات كامب ديفيد2. حينما وافق عرفات(مقابل تعويض إقليمي مناسب) على إبقاء الأحياء اليهودية في القدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية. ويعتبر مطلب إسرائيل بالتنازل الآن عن السيادة في الحرم الشريف بالنسبة لهم شبيه لطلب الفلسطينيين بتسليم الحائط الغربي لسيطرة الوقف.

يتوقع أولمرت أن يستثار الجميع، بمن فيهم الفلسطينيين، من القفزة المثيرة التي يقوم بها من معسكر ضفتي نهر الأردن إلى التنازل عن القسم الأكبر من مساحة الضفة الغربية، وبذلك يعود إلى خطيئة الاستعلاء وقلة تفهم احتياجات الجار، التي أفشلت باراك وساهمت في كارثة سبتمبر عام 2000.
إلى أن تتحرر القيادة الإسرائيلية من علة الخطوط المتوازية سنستمر في نقل الصراع من جيل إلى آخر وإقناع أنفسنا بأنه لا يوجد شريك.



التعليقات