فصل المقال: تصريحات نتانياهو كذب و تضليل مع سبق الاصرار والترصد

-

فصل المقال: تصريحات نتانياهو  كذب و تضليل مع سبق الاصرار  والترصد
نقلت وسائل الإعلام هذا الأسبوع تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بشأن نمو الاقتصاد الفلسطيني حيث ادعى ان نسبة النمو وصلت هذا العام الى 7% في إحدى تصريحاته.

وفي تصريح آخر داخل الكنيست ادعى انّ نسبة النمو الاقتصادي وصلت الى 10% في الضفة الغربية.

وتابعت صحيفة "فصل المقال" هذه التصريحات، وفحصت مدى دقتها، واستنتجت أنها أقوال عارية عن الصحة، ولا تخلو من الكذب والتضليل بهدف تسويغ "مشروع" السلام الاقتصادي المزعوم الذي طرحه نتانياهو كمشروع تسوية للصراع العربي الإسرائيلي.

وتشير معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أنّ نسبة النمو الاقتصادي حتى منتصف العام الحالي تتراوح بين نصف الى واحد بالمائة، وهذه النسبة لا تشمل خسارة الفلسطينيين جراء العدوان على غزة، كما أنها لا تشمل مصادرات الأراضي في الضفة والقدس.

الخبير الاقتصادي الدكتور عادل سمارة قال إنّ قياس النمو الاقتصادي يتم على أساس مدخولات السلطة من أموال بعد الاقتطاعات الإسرائيلية منها، كذلك لا يجوز احتساب المساعدات الأجنبية ضمن النمو الاقتصادي لأنها لا تعتبر ناتجًا محليًا.

وأضاف سمارة أنّ دمار القاعدة الإنتاجية الفلسطينية في غزة والضفة غير مشمول هو الآخر في قياس النمو الاقتصادي، هذا بالإضافة الى انّ المحددات الإسرائيلية على السوق الفلسطينية لن تؤخذ بعين الاعتبار أثناء قياس النمو الاقتصادي.

ويؤكد الخبير الفلسطيني أنّ تصريحات نتانياهو بمثابة كذب وتضليل لتبرير طرح شعار السلام الاقتصادي، حيث أنه لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية موجودة في الضفة، بل هناك مظاهر تنمية فقط مرتبطة بفئة اجتماعية محددة، مرتبطة هي الأخرى بالسلطة أو بالقطاع الخاص وهذا لا ينعكس على مستوى المعيشة للناس.

من جهة أخرى خلص تحقيق "فصل المقال" الى انّ نسبة البطالة في الضفة الغربية ما زالت 20% مثلما كانت في السنة الماضية، ما يعني عدم وجود نمو اقتصادي فلسطيني، فالنمو مرتبط أيضًا بتوفير فرص عمل جديدة الأمر الذي لا يوجد له أي ترجمة على أرض الواقع الفلسطيني.

ويرى المختصون بالاقتصاد الفلسطيني أنه فيما لو احتسبت خسائر الشعب الفلسطيني جراء العدوان على غزة أو جراء مصادرات الاراضي في القدس والضفة فإنّ النمو الاقتصادي لهذا العام سيكون سلبيًا.

الجدير ذكره أنّ وسائل الإعلام الاسرائيلية تعاملت مع تصريحات نتانياهو على أنها حقيقية دون فحص مدى دقتها وصدقيتها، لا بل إنها لا تتورع عن نشر أكاذيب متعلقة بمستوى حياة راق داخل الضفة الغربية واستخدام مصطلحات مثل „فلسطين الجديدة”، وغير ذلك.

ويعتقد المحللون السياسيون أنّ هذه الحملة الإعلامية التي تقوم بها اسرائيل لإعطاء صورة ايجابية وناصعة عن الحياة ومستوى المعيشة في الضفة الغربية إنما تأتي لدعم التوجه الإسرائيلي الجديد فيما يتعلق بالسلام الاقتصادي المبني فيما يبدو على اكاذيب مضللة ينسجها نتانياهو وأجهزته المختلفة. لم نتفاجأ من تصريحات نتانياهو الكاذبة والمضللة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي في الضفة الغربية، إلا أن الكشف عن هذه الأكاذيب والتحذير منها هو في بالغ الأهمية، خاصة أنها صادرة عن رأس الهرم السياسي في إسرائيل، والذي يشكل طرفًا هامًا في أي تسوية سياسية قادمة، بل إنه الطرف الأهم بالنسبة للمشروع الأمريكي في المنطقة.

ومعلوم انّ نتانياهو بذل جهودًا جبارة منذ توليه رئاسة الحكومة للوصول الى تفاهمات مع واشنطن حول رؤيته بالنسبة للسلام الاقتصادي مع الفلسطينيين. وباعتقادنا ان الولايات المتحدة تحاول ملاءمة رؤيتها لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني للرؤية الإسرائيلية الجديدة، وليس كما يتوهم البعض أن امريكا ستجبر إسرائيل على القبول بحل الدولتين وفقًا للقرارات الدولية. لا بل أكثر من ذلك فإنّ الإدارة الأمريكية باتت شريكًا أساسيًا في العمل على سيادة الرؤية الاسرائيلية من خلال تقديم المعونات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية في رام الله، وتحديدًا لحكومة سلام فياض الذي كما يبدو يشارك الامريكان والإسرائيليين نفس التوجه المبني على تحسين الظروف المعيشية في الضفة وتعميق التعاون الاقتصادي مع إسرائيل.

وفي هذا السياق يأتي أيضًا مخطط بناء مدينة فلسطينية جديدة بالقرب من رام الله أطلق عليها مدينة „الروابي” والتي من المتوقع ان تصبح نموذجًا لفلسطين الجديدة كما يسميها الإسرائيليون.

إنّ خطورة الادعاء بأنّ النمو الاقتصادي في الضفة فاق الـ 7% لا تكمن بكونه ادعاءً كاذبًا، وإنما باستخدام هذه المعطيات لتسويق فكرة السلام الاقتصادي التي كما يبدو مستندة الى تجربة بريطانيا مع ايرلندا منذ عقود، لكن الفارق بين هذه وتلك ان الاستثمار البريطاني في ايرلندا كان حقيقيًا وادى بالفعل الى نمو اقتصادي هناك، في حين ان الدعم الاسرائيلي والدولي للفلسطينيين ليس دعمًا بنيويًا للاقتصاد الوطني بقدر ما هو دعم لفئة طفيلية على الانتاج ومرتبطة بالمحتل الى درجة كبيرة، لتتحول رويدًا رويدًا إلى أداة أو وكيل لحفظ الأمن، هذا مع إبقاء الاقتصاد الوطني الفلسطيني مكبلاً بتحديدات اسرائيلية ليس لها أول ولا آخر.

نقول ذلك مع رفضنا التام للتسوية المطروحة باعتبارها مؤامرة على الشعب الفلسطيني، ولا تقدم حلولاً منصفة تضمن الحد الأدنى من حقوقه، لكن حتى وإن تمّ التقدم على هذا المسار تفاوضيًا، فإنّ المتساوقين معه من الشعب الفلسطيني سيصابون بخيبة أمل بعد اكتشافهم بأنّ نتانياهو وحكومته والسياسة الإسرائيلية بشكلٍ عام غير جاهزة لإبرام حلول مع الشعب الفلسطيني في المدى المنظور، خاصة وانّ اسرائيل منشغلة بتطوير قدراتها القتالية تحضيرًا لاستعادة هيبتها التي تخلخلت منذ عام 2006.

وأخيرًا ما ينبغي التحذير منه ان السياسة المبنية على الأضاليل والكذب قد تقود في كثير من الحالات الى الدمار والويلات. ولنا فيما حصل للعراق مثال ساطع، حيث قام بوش بعد أن كذب على إدارته والعالم بوجود سلاح دمار شامل في العراق، فاحتل البلد وقتل مئات آلاف الضحايا ودمّر الاقتصاد العراقي في أعتى جريمة إنسانية عرضها التاريخ الحديث.

التعليقات