76 عاما على النكبة: مصطفى زيداني يروي أحداث تهجير وتدمير الدامون

المُهجّر مصطفى زيداني: "القوات الإسرائيلية قامت بهدم قرية الدامون بعد شهر من التهجير، وأبقت فقط على عين الماء والمقبرتين الإسلامية والمسيحية، ولم يتجرأ أحد من سكان الدامون على العودة إلى الدامون، أو الاعتراض على عملية الهدم الوحشية".

76 عاما على النكبة: مصطفى زيداني يروي أحداث تهجير وتدمير الدامون

مصطفى زيداني في الدامون (عرب 48)

سطرت أحداث النكبة نقشا أبديا في ذاكرة المُهجّر مصطفى زيداني (84 عاما)، من مواليد الدامون في منطقة الجليل، شمالي البلاد، ويسكن حاليا في مدينة طمرة، مما دفعه لبعث أحداث النكبة عبر التاريخ في أذهان الأجيال المتعاقبة، إيمانا منه بتحقيق حق العودة للفلسطينيين الذين هُجّروا قسرا من أرضهم وبلداتهم.

وعلى الرغم من أن زيداني كان غضا كغصن طري لم ينحنِ للرياح العاتية، ولم يكن حينها قد تجاوز 7 أعوام، إذ كان طفلا خالي الوفاض، إلا أن أحداث تهجير بلدته حُفرت في ذاكرته كأخدودٍ، وترسخت في أعماقه كالطود، وعمقت في وجدانه ألماً لا يُنسى، ومأساة لا تندثر، مع مرور 76 عاما.

بمزيج من كلمات ينطقها الحنين لطريق العودة لبيته المهدوم في الدامون المهجرة، وإيمانه المطلق بتحقيق هذا الحق لشعبه الفلسطيني، بدأ زيداني حديثه لـ"عرب 48" عن ذكرى النكبة "سنرجع يوما عائدين من طريق الدامون الذي عبره كبارنا، إكراها وبشق الأنفس مغادرين البيت والأرض، على أمل العودة بعد يومين، لتمتد الأيام لعقود قاسية على الفلسطينيين حتى يومنا هذا".

وقال المُهجّر زيداني إنه "حين حلت النكبة، اقتلعنا من جذورنا، وآمل أن يحل السلام في ربوع البلاد، من خلال حل القضية الفلسطينية، وكما تعلمون فالقضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل للعالم بأسره، وتشهد غزة اليوم حربا مدمرة نتيجة عدم إيجاد حل عادل، وبالنسبة لي فما زالت آثار النكبة تحفر أخاديدا من الجروح والآلام في قلبي وعقلي، لم يمحها مر السنين. كان وقع النكبة علينا كالصاعقة، حيث لذنا بالفرار خشية المجازر، وخرجنا منها حالنا في ذلك حال كل سكان الدامون آخذين معنا القليل من الأغراض ليومين فقط، وكانت العائلة مؤلفة من ثمانية أفراد، إذ قرر الكبار حينها أن تكون وجهتنا إلى البلدات المجاورة كطمرة وسخنين وكابول وكفر مندا، واستقبلنا أهلنا بحفاوة وكرم منقطعيّ النظير، وصل الأمر أن نتقاسم معهم المنازل والماء والطعام".

وعن محطات النزوح تابع زيداني إنه "بقينا في كفر مندا أسبوعا واحدا، وفي تلك الأثناء، قام طيران الجيش الإسرائيلي بقصف صفورية، فقال لنا والدي رحمه الله، أنه يجب علينا إكمال مسيرتنا إلى دير حنا، وفي الطريق في نهاية البطوف كان جيش الإنقاذ يتواجد هناك، حيث استوقفنا للسؤال عن وجهتنا، أكملنا طريقنا إلى منزل العم علي نمر الشبلي في دير حنا، بعد ذلك عدنا لكفر مندا، لنمكث هناك ما يقارب 6 سنوات، ثم انتقلنا إلى كابول وبقينا هناك حوالي 8 سنوات، وقد أشعرنا أهل كابول بأننا أهل، لقينا منهم كل حفاوة وترحاب، وفي العام 1964 انتقلنا إلى طمرة وبقينا فيها لغاية اليوم".

وأشار إلى أن "القوات الإسرائيلية قامت بهدم قرية الدامون بعد شهر من التهجير، وأبقت فقط على عين الماء والمقبرتين الإسلامية والمسيحية، ولم يتجرأ أحد من سكان الدامون على العودة إلى الدامون، أو الاعتراض على عملية الهدم الوحشية التي حدثت في غياب السكان".

يمر زيداني على المعالم الأثرية التي ما تزال صامدة في الدامون فيرشدنا إلى موقع عين الدامون، الحاووز، ويقول "أذكر هنا كيف كان الأهالي يربطون الفرس في الكنانة في عين الدامون، وكيف كانوا يستخرجون بهذه الآلية الماء من خلال دلاء تصب في بركة ماء لتشرب منها الأغنام. ذكرياتي في الدامون لا يمحوها مر السنين، وأذكر كيف كنت أعبث بخلايا النحل التي كان يتراوح عددها بين 10-12 وكيف هجمت عليّ أسراب النحل، لكن بالفعل كان طعم العسل لذيذا للغاية ولا يشبهه عسل اليوم، الدامون كانت تشتهر أيضا بزراعة القمح والشعير والسمسم، وكانت هنا تقبع كنيسة ومقبرة جديدة ومدرسة هدمت جميعها. لم تنقطع اللقاءات يوما من الأيام بين مسلمي الدامون ومسيحييها، وما زال التواصل مستمرا بينهم، وهناك الكثيرين ممن ورثوا هذه العادة الطيبة عن أهاليهم، فيقومون بزيارات مشتركة للدامون وفي كافة المناسبات".

وتابع أنه "لا تزال مقبرتي الدامون الإسلامية والمسيحية تشهدان على معالم القرية، ولطالما كانت المحبة والألفة تجمع بين أبناء الدامون على اختلاف أديانهم، إضافة لذلك كان الكثير من العمال يأتون إلى الدامون للعمل فيها، وسكنوا القرية لفترات طويلة، ولم يقتصر الأمر على أبناء القرى الفلسطينية المجاورة، بل كانت هناك عائلات سورية أذكر منها عائلة البطل، وكان ما يستقطب هؤلاء، حاجة الدامون إلى الأيدي العاملة بشكل مستمر وعلى مدار العام".

تنتحب عقود الزمن بكاءَ على طول الانتظار لتحقيق العودة، ويشير زيداني إلى أنه "خلال الأيام الأولى من التهجير قمنا بالانتظار على أمل العودة، وكنا نترقب اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة، لكن استمر الأمر عشرات السنين، ودائما ما أبعث الأمل في أبنائي وأقول لهم إننا سنعود يوما ولا يموت حق وراءه مُطالب. على الرغم من أن أهالي الدامون تهجروا وتشردوا في بقاع مختلفة، فنصفهم نزح إلى لبنان، ونصفهم الآخر توزع على بلدات كطمرة وكابول، وبات الأمل يتضاءل لدى جيل اليوم بالعودة إلى الدامون، لكنني ما زلت أحمل في رأسي خارطة دقيقة لمعالم الدامون قبل النكبة، ورسالتي للقيادات الفلسطينية أن اتحدوا واسعوا وراء حل يعيد الحق لأصحابه بشكل عادل، ورسالتي لشباب الدامون بألا تنسوا أرضكم وقوموا بزيارتها، علما بأن الكثيرين يقومون بالقدوم إلى الدامون حتى هذه اللحظة، وفي مناسبات مختلفة لعل أهمها ذكرى النكبة".

وختم المُهجّر زيداني حديثه بالقول إنه "آمل أن تكون الطريق الإستراتيجية التي حملتنا في مسيرة النزوح هي ذاتها طريق العودة، تلك الطريق التي قطعها الكبار يوما متحملين المشقة، وهم ينقلون أمتعتهم على الحمير في ظل انعدام طرق المواصلات الحديثة، لقد كانوا أشداء بما يكفي، رحمهم الله تعالى. إذا تسنت العودة يوما من الأيام وقُدّر لنا ذلك، سننصب الخيام، ونبدأ بإعمار بلدتنا الحبيبة، وستُحل كل مشاكلنا".

التعليقات