16/03/2022 - 14:37

دور الأدب في معركة فلسطين | أرشيف

دور الأدب في معركة فلسطين | أرشيف

سميرة عزّام (1927 - 1967)

 

المصدر: «مجلّة الأقلام».

الكاتب (ة): سميرة عزّام.

زمن النشر: 1 آبّ (أغسطس) 1965.

 


 

لفلسطين من بين موضوعات هذا المؤتمر موضوعان، ونستطيع أن نقول تجاوزًا أنّ لها كلّ الموضوعات؛ فانفعال الواقع القوميّ بنكبة فلسطين قد حرّك كلّ هذه المخاضات والتحوّلات الّتي فرضت منطلقًا جديدًا للوجود العربيّ، وفرضت بالتالي أن يكون الموضوع العامّ للمؤتمر وتفريعاته هي المحاور الفكريّة للمجتمع العربيّ الحديث.

لست أريد من هذا الموضوع الّذي اخترته، أو اخْتِيرَ لي، أن أتوسّع لأصل إلى تحديد الترابط العضويّ بين هذه جميعًا وبين موضوع فلسطين، ولا أن أتوسّل إلى الحديث عن دور الأدب مستقبلًا بمقدّمة تتناول ما تركته النكبة في أدبنا من ملامح، فلهذه موضوع مستقلّ. ولكنّني على أيّة حال لا أستطيع أن أخلص لموضوعي دون توطئة قصيرة.

 

النكبة في الأدب العربيّ

دور الأدب في معركة فلسطين، واستعمال كلمة معركة هنا بدلًا من كلمة قضيّة يحمل في تضاعيفه إيحاءً قائمًا على حقيقة الشعور بأنّ حتميّة المعركة قدر من أقدار هذه الأمّة، نمحتن فيه أصالتها وجدارتها بالحياة. وبقدر وعينا لهذه الحقيقة ينبغي أن يأتي انفعالنا بها. ومن هذا العمل الانفعاليّ تنفجر ألوان التعبير عن ملامحها.

إنّ الفرق النوعيّ في النظرة والإحساس والفكر الّذي يجب أن تفرضه طبيعة الانفعال بفلسطين كنكبة قائمة، والانفعال بالقضيّة كمعركة حتميّة، يفرض علينا ألوانًا من الاستجابة لا تقتصر على أطراح التفجّج والندب فحسب، بل تقتضي حسًّا شموليًّا ونظرة استشرافيّة لا بدّ للفكر وللأدب من أن يعاينهما ليصحّ اعتبارهما أداتان من أدوات المعركة، أداتان تحملان في تضاعيفها التنويه بوزنها وقيمتها الذاتيّة.

لو رجعنا إلى المظاهر الكبرى الّتي تناولها الأدب منذ النكبة حتّى اليوم، لرأينا أنّ الحصيلة كانت عمومًا هامشيّة تترنّح في الظلال، أو تترجم فورات آنيّة تقول ما لديها ثمّ تنطفئ. فكأنّي بصاحب الأثر لا يرمي إلّا إلى التدليل مرّة أو مرّتين على أنّه ليس غائبًا عن قضيّة من قضايا العصر الكبرى، وليس حظّ لون أدبيّ بأفضل من حظّ لون آخر، فما يثبت من مئات القصائد لا ينهض شاهدًا على فضل الشعر، وما يصحّ اعتباره رواية بالمفهوم الجدّيّ للكلمة يضيع في ثنايا روايات وقعت في مفازات التسطّح، ولا ندري بماذا يمكن أن نعتذر عن القصّة القصيرة، أمّا البحوث فإنّنا لو أسقطنا من الحساب تلك الأبحاث الّتي توسّل بها أصحابها لنيل درجة علميّة، أو الّتي قامت أصلًا غاية دعاويّة، لرأينا أنّ الفكر كان شبه غائب عن هذه القضيّة.

نقول ذلك ونحن نعلم أنّ التعميم قد جار على بعض الأعمال الأصيلة، وفوّت علينا فرصة التنويه بكتّاب وشعراء عاشت القضيّة في وجدانهم ووسمت أكثر إنتاجهم بميسمها. لكنّ النسبة تظلّ في النتيجة دون هذه القضيّة بأبعادها السياسيّة والإنسانيّة الخطيرة.

بوجه من نفجّر الاتّهام؟ يبدو أنّ التعقّل يستلزم ألّا تكون إدانة قبل ربط النتائج بالأسباب في شيء من رويّة التحليل وهدوء النظرة. إنّ فترة ما بعد النكبة بما طرحته من تبدّلات جذريّة في السياسات والكيانات والمجتمعات قد مسّت في ما مسّته وضع الأدب عامّة، وفرضت عليه أن يتفاعل مع ما حوله فيقوم بتجارب يستخلص منها قيمًا جديدة، ويبحث لنفسه عن شخصيّة جديدة في المضامين والأشكال، فما أصاب الناحية العامّة لا بدّ وأن يظهر أيضًا في ما يتّصل بقضيّة فلسطين من آثار أدبيّة. قد لا يكون من الحقّ، ونحن نعترف بأنّ الفترة كانت فترة تجربة وانصهار، أن نطمع بأكثر ممّا يمكن لطبيعة الفترة أن توفّره، لكن دون الشطط في الاتّكاء على الظروف كعذر يحول بيننا وبين عمليّة رصد لهذه الملامح الّتي برزت لنتمكّن من سبر إمكاناتها، وتحديد القسط الّذي يمكن أن ينهض به الأدب في المعركة.

 

الأدب ما قبل وما بعد النكبة 

قد يكون منطقيًّا هنا أن أبدأ بالأديب الفلسطينيّ بين أدباء العرب، فأتساءل إلى أيّ مدى توافر على الانفعال بالنكبة، وهي نكبته أوّلًا، وإلى أيّ مدى استطاع أن يكون أصيلًا وشموليًّا في وسائل تعبيره؟

يبدو لي هنا أنّ ثمّة سؤالًا معيّنًا يفرض نفسه بقولنا: وهل كان ثمّة في فلسطين قبل النكبة حياة أدبيّة بالمعنى الكبير لهذه الكلمة؟ الواقع أنّ خروج البلاد من الحكم العثمانيّ، وهي فترة تتّسم بالانحطاط الفكريّ في أجزاء الوطن العربيّ عامّة، لتبتلى بالانتداب البريطانيّ وما انطوى عليه من نوايا التوطين الإسرائيليّ، قد واجه البلاد بوضع يعتبر معه الفكر والأدب ترفًا لا ينال، ولقد كان الشعر بحكم طبيعة ارتكازه على اللحظة الانفعاليّة أكثر حظًّا بالبروز من غيره من ألوان الأدب. لقد كان في فلسطين شعر وشعراء قالوا في المناسبات القوميّة، وتركوا لمعارك الآهلين مع السلطات، ولمآثر أبطال الجهاد، سجلًّا حافلًا، لكنّ القصّة والرواية بمفاهيمها الحديثة لم تكونا لونًا أدبيًّا متداولًا، ثمّ حلّت النكبة لتشرّد من الأهل من شرّدت ولتفرض مرحلة ذهول تأرجح فيها الفلسطينيّون بين اليأس والإحساس الكلّيّ بالضياع، وكان طبيعيًا أن يشعر الأدباء بعقم الكلمة في موقف أُهْدِرَتْ فيه كلّ القيم، فسكت بعضهم بأسًا وسكت البعض الآخر انشغالًا بمطالب العيش في الأماكن الّتي نزحوا إليها، وخضوعًا لتحدّيات تتّصل بشؤون حياتهم اليوميّة، وحياة أسرهم، أو لوجودهم في بيئات تحرّم عليهم أصلًا الكلام في قضيّتهم لأنّها تعتبر ذلك كلامًا في السياسة.

في فترة ما بعد النكبة كانت بعض المواهب الفلسطينيّة الناشئة قد استكملت بعضًا من أسباب النضج، وقد أتاح لها انفعالها بالحياة العربيّة الجديدة واتّصالها بمرحلة التجارب أن تكون أقلّ يأسًا وأكثر انفتاحًا، وأن تستمدّ قيمًا تلغي أهمّيّة تحريك المشاعر عن طريقة تصوير النكبة شعرًا ورواية وقصّة، تصويرًا حمل شيئًا من ملامح الأصالة توفّر له من المعاناة الشخصيّة، والتصاق هؤلاء الأدباء التصاقًا أوثق بطبيعة المأساة. إلّا أنّ انفعالهم بالحياة في البيئات الجديدة قد زجّهم في دوّامة من القضايا صرفتهم عن التماس موضوعاتهم من المعاني المباشرة للنكبة، كما أنّ الحسّ الشموليّ والاستبطان الّذي يلمّ بشتات الأبعاد ظلّ مفقودًا، وظلّت النكبة وظلالها أكبر بكثير من كلّ ما قاله أبناؤها مجتمعين. فهل وفّق غير الفلسطينيّين – وقد كانت ظروفهم أفضل على أيّة حال – حين قصر أولئك عن الانصباب انصبابًا زخمًا في مسارب القضيّة؟

 

النكبة في الأدب العربيّ 

الواقع أنّهم – نقول ذلك دون أن نلغي من الاعتبار فترة التجربة الّتي أشرنا إليها – لم يكونوا أحسن حظًّا، كان ضعف التمثّل للتجربة واضحًا في أكثر ما كتبوه، وكانت آنيّة الاستجابة لا توفّر أكثر من نزوات أدبيّة تفتقر إلى الرؤيا الصحيحة أو المعاناة الحقّ، وكان سوء الفهم العامّ للنواحي السياسيّة والاجتماعيّة للقضيّة يفضح نفسه في ثنايا العلم الأدبيّ لدى بعضهم.

كنّا نتساءل ونحن نرى الصهيونيّة العالميّة تنشط على كلّ الصعد، ولا تستثني الأدب بل لا تقصّر في شراء الأقلام والمواهب، ألم يكن حجم النكبة كافيًا بحيث يهزّ أدباءنا وفنّانينا العرب هزًّا ويدفعهم إلى الدوارن في فلكها، فلا يكتفوا بتناولها من بعيد أو بشكل جانبيّ لا يقرب الجذور ولا يتعمّق الأشياء؟

ومرّة أخرى أنبّه إلى أنّ هذا الحكم يحتمل بعض الاستثناءات، ولكن هل نستطيع أن نعتبر قصيدة تقال أو تنشر، أو رواية تعرّج تعريجًا هامشيًّا على قضيّة فلسطين، أو فصلًا في كتاب، إسهامًا حقيقيًّا في القضيّة؟

نحن لا نريد أن نغمط أصحاب هذه المنجزات ما أنجزوه، ولا صدق عاطفتهم في ما قالوه، ولكنّ الأبعاد الّتي نريدها لمعالجة هذه القضيّة أوسع بكثير ممّا استطاعت هذه المنجزات أن تبلغه.

إنّ التفاعل الحقيقيّ بين القضيّة وبين الأديب العربيّ ما يزال بعد سبعة عشر عامًا من قيام النكبة، وبعد توفّر المنظور الّذي يتيح شيئًا من هدوء التأمّل ويفرض نوعًا من عمق الانفعال غير المتعلّق بأهداب الآنيّة، ما يزال غير قائم. ولا أرى أسباب قيامه مهيّأة إلّا عبر ظروف غير الّتي نرى، ظروف يستطيع الأديب إذا كان مستحقًا اسمه أن يسعى لتوافرها ليكون شاهدًا حقًّا من شهود القضيّة الكبرى، وقد يحسب أن نجمّل هذه الظروف في نقاط أهمّها:

تبصّر الأديب العربيّ عامّة والفلسطينيّ خاصّة بنواحي النكبة وأبعادها والتفاعل معها بشكل أوثق. وإتاحة المجال له لمشاهدة آثار النكبة، وإنّنا لنتساءل كم واحدًا ممّن عرضوا للمخيّمات في أعمالهم قد عرف المخيّمات ورأى كيف تأسن الحياة فيها وتتحوّل القضيّة بسياسة مرسومة في الخارج، ومدسوسة في رغيف الإعاشة، من قضيّة وطن إلى قضيّة لقمة.

إضافة إلى ارتفاع الأديب العربيّ فوق الأحداث القصيرة الّتي يتأثّر فيها من تصرّفات فلسطينيّة فرديّة لا يمكن إلّا أن تظهر في كلّ مجتمع إنسانيّ يضمّ أنماطًا شتّى من النفوس والاتّجاهات، تصرّفات قد تنجح في أن تحجب عن الأديب الرؤيا الشاملة لطبيعة المشكلة الأساسيّة في حين يتوجّب عليه أن يرتفع عن التأثّر فيها.

وعدم قصر إحساس الأديب بالنكبة على مناسبات معيّنة، بل تغدو القضيّة لديه قضيّة معايشة يوميّة، وفي الواقع لا نطلب شيئًا يعجز الأديب الحقّ، فإنّ تجاوبه يجب أن يكون أبدًا على نطاق الإحساس الشامل لا بمشكلة فلسطين فحسب، وإن قُدِّمَت في نظرنا على غيرها من المشكلات، وإنّما بجميع قضايا التحرّر في العالم. وإعادة الإيمان إلى النفوس بجدوى وقيمة الأدب كعامل من عوامل قضيّة يبدو أنّ القوّة هي الحلّ الأمثل والوحيد لها. في حين أنّ طرح أيّ عمل أدبيّ يجعل المشاعر متحفّزة بشكل يسهّل تعبئتها وتوجيهها في طريق الحلّ الّذي تبدو القوّة عامله الوحيد.

إنّ فقدان الإيمان بقيمة الأدب في المعركة يوازي في خطّته ظنّ الأديب بأنّ كونه صاحب قلم يجعله يطمئنّ إلى أنّه أدّى دورًا يساوي في شرفه دور مجنّد يموت في الساحة. إنّ الرصاصات الّتي مات همنجواي وهو يحمل آثارها في الحرب الأهليّة الإسبانيّة خير شاهد على بطلان هذا الشعور الخادع. ولماذا لا نتناول اسمًا وثيق الارتباط بالموضوع وهو الشاعر الفلسطينيّ عبد الرحيم محمود صاحب قصيدة «سأحمل روحي على راحتي»، والّذي حمل روحه فعلًا ليقضي في معركة من سلسلة المعاركة الّتي نشبت في ثورة 1936.

أخيرًا، أن يكون للأديب العربيّ وضع المفكّر بحيث يستشرف ويوجّه ويحمل في تضاعيف أدبه إيحاءً بما يجب أن تكون عليه المعارك السياسيّة. فإذا قبلنا هذا الفرض وجدنا أنّ الأديب يحمل إرهاصات نبوءة، ويعكس إحساسات جماعيّة تستطيع السياسة أن تستهدي بها في رسم خطط الحاضر والمستقبل.

 

النهوض بالأدب إلى مستوى القضيّة

فإذا كانت هذه هي العوامل الّتي لا يمكن أن يقوم بدونها أدب في مستوى القضيّة، وجدنا مسوّغًا لذلك التساؤل المتكرّر عن واقعنا في الأدب القوميّ من هذا الأفق الرحب. فإذا كنّا واقعيّين بحيث نعترف أنّنا دونه بكثير، فإنّ علينا في الوقت نفسه أن نقرّ أن بلوغه لا يتمّ دون التكامل بين عنصرين لا يقوم أحدهما دون الآخر، المادّة الخام المتمثّلة بالأديب، والظروف وتتمثّل في المجتمع وما يقوم فيه من نظم ومؤسّسات رسميّة وأهليّة.

لنفترض أنّه وُجِدَ الأديب الحقّ، وأنّ هذا الأديب قد استطاع أن يطرح عملًا جديرًا بالحياة، فما هي ردود الفعل الّتي يلقاها في مجتمعاتنا؟

إذا كان حسن الحظّ ووَجَدَ في أحسن الظروف ناشرًا يطبع له ألفيّ أو ثلاثة آلاف نسخة يتداول نصفها الأدباء هدايا ويضيع نصفها الآخر في المستودعات، فكيف يمكن هنا للعمل أن يخرج إلى النطاق الشعبيّ ليلعب دوره كعامل من عوامل التعبئة إذا لم تتّصل أسباب حياته بوسيلة نشر شعبيّة كالسينما أو التلفزيون أو الراديو، ولم يعرف طريقه إلى الرأي العامّ العالميّ عن طريق الترجمة والسينما؟

لا يمكن بهذه البساطة أن نرى القضيّة من زاوية واحدة، زاوية الأديب فحسب، فالمؤسّسات – بنسبة أكبر من تحمل روح المسؤوليّة – مطالبة بحمل العبء؛ فالجهد الفرديّ يظلّ فرديًّا إذا لم يجد له متنفّسًا من خلال ما تملكه المؤسّسات من وسائل.

إنّ الحكومات، ومعها «جامعة الدول العربيّة»، وما ينهض وراء الحكومات العربيّة والجامعة من وسائل الإعلام والنشر والبثّ، مدعوّة إلى الشعور بضرورة تسخير كلّ هذه الوسئال والإمكانات لعمليّة تعبئة فكريّة وروحيّة واسعة النطاق. عمليّة مدركة للأخطاء الّتي تهدّد الوجود العربيّ من أساسه ما لم تكن الجماهير العربيّة على مستوى الشعور بمسؤوليّة الدفاع عن هذا الوجود. عمليّة تحيط بالوسائل وتفيد منها وتستثمرها على أحسن وجه، وتترجمها كالآتي:

فرض القضيّة على مناهج المدارس والمعاهد والجامعات، ووضع مقرّرات مدرسيّة للمطالعات تضمّ مختارات من الأدب القوميّ الفلسطينيّ. إضافة إلى رصد جوائز سنويّة لتشجيع الدراسات وكتابة المسرحيّات والروايات والقصص ودواوين الشعر وكلّ ما يتّصل بالأدب القوميّ. أيضًا استكتاب أقلام تكتب بلغات أجنبيّة في موضوعات تتناول القضيّة الفلسطينيّة وتشرح نواحيها، وترجمة آثارنا إلى اللغات الأخرى والعمل على نشر هذه الدراسات بحيث تؤدّي الغاية منها. إضافة إلى إنتاج سينمائيّ تدور موضوعاته حول النواحي الإنسانيّة لقضيّة فلسطين له من القيمة الفنّيّة ما يسمح له بأن يعبر الحدود، وإهدائه للحكومات والشعوبة الصديقة، وتذليل أيّة عراقيل اقتصاديّة أو سياسيّة قد تنهض في وجهه.

ثمّة أيضًا إنشاء المراكز البحثيّة العلميّة في موضوع القضيّة ومساندة المراكز القليلة القائمة حاليًّا وتوسيعها، ومساندة الصحف والمجلّات والنشرات الدوريّة الّتي تحتضن قضايانا القوميّة بحيث تقوى على تطوير نفسها بصورة تستطيع معها استقطاب كتّاب من مستويات فكريّة رصينة. إضافة إلى احتضان الأدباء والمفكّرين الأجانب مع القضيّة الفلسطينيّة لتعويضهم عن الضغط والاضطهاد الّذي يتعرّضون له في المناخات الّتي تنشط فيها الصهيونيّة العالميّة. أيضًا استغلال عمليّة التبادل الثقافيّ مع الدول في تقديم الأدب القوميّ بإطاراته المختلفة على غيره من الآثار، وإفساح المجال بصورة أكثر جدّيّة في الإذاعات العربيّة المختلفة لما يسمّى برنامج، بحيث يتّسع لتجسيد أعمال أدبيّة ذات قيمة تفلح في خلق التعاطف اللازم بين المستمع والقضيّة، وكذلك استغلال التلفزيون وتسخيره لعمليّة التعبئة المطلوبة.

هذه هي المقترحات الّتي تخطر في البال على ضوء ما نملك من وسائل، والإفادة منها بصورة صحيحة وفعّالة ترتبط دون شكّ بمدى ما تشعر الحكومات العربيّة أنّها جادّة في الإعداد لمعركة.

فإذا ما رَحُبَ الأفق أمام الأديب العربيّ وتحسّنت الظروف بحيث تغدو مواتية لخلق شيء ذي قيمة، ولم تحدّ العقبات السياسيّة والمادّيّة من انطلاقه، وجد أنّه مدفوع إلى تكريس فنّه لخدمة العمل القوميّ. ونحن في نهاية الأمر لا نستطيع إلّا أن نعترف بأنّه إنسان ذو مطالب، وأنّ تحقيق مطالبه يوفّر له مناخًا حياتيًّا على الشغف والإنتاج، فلا يذلّ قلمه إذلالًا في النوافل، ولا تدفعه حاجته المادّيّة إلى التماس الجزاء من جهات أجنبيّة تغدقه عليه على حساب تكميم فمه عن معالجة قضاياه القوميّة.

 


 

عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.

 

 

التعليقات