29/01/2020 - 19:46

المقاومة الشعبية أو "صححي يا فلسطين أخطاءك بحق إسرائيل"

الطريق الوحيد من مسار ضياع خطاب الشرعية الدولية والعدالة المتمثل في منطق "صفقة القرن" وفي أنماط تغيير خطاب وتصويت الاتحاد الأوروبي ودول شرق آسيا أميركا اللاتينية، هو خطاب إسرائيل كدولة كولونيالية.

المقاومة الشعبية أو

"فن الممكن" أثبت لنا بما لا يقبل الشك، كيف أنه مستحق لأولئك الذين لا يفرطون بما لهم أو بما هو ليس لهم، وكيف أنه سيسخر دون حزن ممن عداهم: الدولة المتهمة عبر أكثر من 50% من القرارات قاطبة التي أصدرها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الدولة التي أصدرت الأمم المتحدة 77 قرارا ضدها، يتعلق بمختلف طيف الجرائم التي صدرت عبر تاريخ هذه المؤسسة الدولية: الطرد، هدم البيوت، عقوبات جماعية، مصادرة أراضي، إقامة مستوطنات، تلويث مياه، اعتداء على مدنيين، اعتقالات وتحقيقات مع أطفال، تعذيب في السجون، قتل عشوائي، تخريب منشآت مدنية وغيرها؛ هذه الدولة المارقة تنجح بتحويل مكتسبات عدوانها ليس فقط إلى جزء من واقع جديد، بل إلى جزء من خطاب جديد للشرعية، مناقض لمنطق عدم الاعتراف بمكتسبات الحروب والعدوان، الذي يقوضه المشروع الصهيوني على أرض الفلسطينيين وجثثهم.

وحتى هذه اللحظة، فإن الأمم المتحدة كانت قد عبرت صراحة عبر قراراتها عن أن "العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل تشجع إسرائيل على اتخاذ سياسات وممارسات توسعية وعدوانية". وقبل الإعلان أمس عن "صفقة القرن" بأقل من شهرين، جرى الحديث عن تغيير "مفاجئ" في تصويت 11 دولة أوروبية، بالإضافة للبرازيل وكولومبيا، ولأول مرة، ضد قرار تصدره الأمم المتحدة لصالح الفلسطينيين، بعد تاريخ طويل من امتناع أغلبهم عن التصويت. تغيير قادته ألمانيا، وبلا شك أنه يعبر عن نمط مستقبلي من التصويت على القرارات المتعلقة بالحقوق الفلسطينية. وإذا ما أضفنا موقف الاتحاد الأوروبي التخريبي من الصفقة (الاستعداد لاعتبار الصفقة أرضية جديدة)، ناهيك عن الموقفين الفرنسي والألماني الأكثر ترحيبًا، فإن "صفقة القرن" قد تعبر عن أكثر بكثير مما هي صفقة بين رئيسيين مارقين، وفق مفهوم دولي شديد السيولة الآن لما هو مارق وما هو معياري.

ضمن انسحاب فلسطيني شبه كامل من عملية صناعة السياسة ومن عدالة قضيتهم، شهد المسرح الدولي انعطافة حادة هي الأخرى في مسار مناقض تمامًا، ينتج خطاب شرعية دولية يشخص إسرائيل كنظام أبرتهايد، الجريمة الثانية في خطورتها دوليا بعد جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، أي الانتقال من إسرائيل كنظام طبيعي يرتكب جرائم حرب، إلى تشخيص النظام نفسه كجريمة، والتفاف مئات الفلسطينيين من الجيل الشاب داخل وخارج فلسطين حول هذا الخطاب، بالإضافة إلى منعطف في الرأي العام الغربي لجيل الألفية الثالثة (ما يعرف بجيل Y و Z)، حيث ارتفعت نسبة المواقف في بريطانيا مثلا، التي تعبر عن "شعور سلبي" تجاه إسرائيل خلال السنوات السبع الأخيرة إلى أكثر من الضعف (من 17% عام 2012 إلى 38% عام 2018 ).

ضمن هذين المنطقين، لم يعد هناك أي احتمال لمنطق ثالث، لا تحت عنوان "فن الممكن"، ولا تحت عنوان "فن المفاوضات"، ولا تحت أي نوع آخر من الفنون. تحت السماء فتحت "صفقة القرن" مرحلة الوضوح السياسي الذي لم يعد يقبل مماطلة بين منطق العدل ومنطق القوة، بين مسار التحرر ومسار العبودية، وتجاه العبودية كما تجاه "صفقة القرن" لا مكان للرفض؛ أنت لا ترفض العبودية، أنت إما تحاربها أو تقبلها، ولا يوجد خيار ثالث. لا خيار للقيادات الفلسطينية، فنحن إما قيادات تكرهها إسرائيل أو قيادات تستعملها إسرائيل، لا مجال لقيادات تحترمها إسرائيل لتحقق "إنجازات" برضى إسرائيلي، لا إن خضعت وأوصيت بتكليف غانتس لتشكيل الحكومة، ولا إن خضعت وساومت على حق العودة.

الطريق الوحيد للخروج من مسار الضياع السياسي الذي تمثله بعري كامل صفقة القرن، هو وحدة مشروع فلسطيني تحرري يبنى لاستبدال مشروع صهيوني استئصالي؛ والطريق الوحيد من مسار ضياع خطاب الشرعية الدولية والعدالة المتمثل في منطق "صفقة القرن" وفي أنماط تغيير خطاب وتصويت الاتحاد الأوروبي ودول شرق آسيا أميركا اللاتينية، هو خطاب إسرائيل كدولة كولونيالية.

التعليقات