31/10/2010 - 11:02

إيران والملف النووي: نظرة أوروبية جديدة؟../ د.خالد الحروب

إيران والملف النووي: نظرة أوروبية جديدة؟../ د.خالد الحروب
صدر حديثاً عن معهد الدراسات الأمنية التابع للاتحاد الأوربي دراسة معمقة ومثيرة عن ايران وملفها النووي والموقف الأوروبي، بعنوان "اعادة التفكير بإيران: من المواجهة الى التعاون" (ضمن سلسلة أوراق شيليوت التي يصدرها المعهد من مقره في باريس، آب 2008).

الدراسة المطولة والتي تصل الى ستين صفحة كتبها كريستوف بيرترام الذي كان مديراً للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وقبلها بسنوات مديراً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. في هذه الدراسة يقدم بيرترام رؤية تخالف وفي وجهتها العامة النظرات والفرضيات الأساسية التي تقوم عليها السياسة الأوروبية (ناهيك عن الأميركية) إزاء ايران وطبيعة العلاقة معها ومعالجة ملفها النووي.

الأطروحة الأساسية التي يدافع عنها هي الامكانية المُتاحة لتحويل ايران من خصم الى شريك (مع أوروبا، والغرب)، وهي ما فسرها في القسم الأول من دراسته. وهو يرفض التهويل الغربي والمبالغات التي ترى الملف النووي الايراني مصير الأمن العالمي، وأن أمن الولايات المتحدة واسرائيل وأوروبا سوف يتهدد جملة وتفصيلا.

ليس هذا معناه أنه يقلل من مخاطر حصول ايران على السلاح النووي من وجهة نظر غربية، لكنه يرى السياسة الغربية تغلب عليها الخطابة والنبرة العالية والاستعدائية وليس البراغماتية. وهو يعود الى عدة سنوات وتحديداً سنة 2003 وبعد أن ضمن جورج بوش ايران في محور الشر. عندها قدمت ايران مبادرة الى الولايات المتحدة عبر سويسرا لفتح حوار مع واشنطن لحل كل الاشكالات بين البلدين، بما فيها التخصيب، والموقف من اسرائيل، ودعم "حماس" و"حزب الله".

ويقول بيرترام إن ايران كانت مستعدة، عبر رئيسها وعبر مرشدها الروحي، أن توقف التخصيب، وأن تقترب من المبادرة العربية للسلام في ما خص الموقف من اسرائيل، وأن تعدل سياستها مع "حزب الله" و"حماس"، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك كله.

نتائج السياسة الأميركية المتغطرسة قادت الى تشدد إيراني تعزز بعد فوز أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية سنة 2004، مما قاد الى نظم العلاقة مع إيران على أساس المواجهة. والآن يقترح بيرترام التوقف عن هذه المواجهة، مع مغادرة بوش وقدوم ادارة أميركية جديدة، واستبدالها بالشراكة والتعاون.

ولتدعيم أطروحته ناقش بيرترام، بل قوض، الأركان الأساسية للسياسة الغربية تجاه ايران عبر ثلاثة أقسام أخرى استعرضت مجمل أوجه السجال الأوروبي والغربي في هذه المسألة. يرى بيرترام أن السياسة الغربية تضمنت الاعتماد على عدة أدوات في نفس الوقت: التهديد باستخدام القوة العسكرية، ممارسة العقوبات الاقتصادية، استخدام المنظمة الدولية للطاقة الذرية من خلال سياسة التفتيش على مواقع الاستخدامات المدنية المعلنة من قبل ايران، ثم المفاوضات.

العنصر الأول في تلك السياسة وهو التهديد باستخدام القوة العسكرية ليس له صدقية حقيقية. فالولايات المتحدة والغرب عموماً وخاصة بعد فشل أو على الأقل تردي المغامرة الأميركية في العراق فان الشروع بمغامرة أخرى ضد ايران يقع خارج حدود المنطق والمعقولية. وحتى لو تم استخدام القوة العسكرية، يتساءل بيرترام، فهل يعني ذلك ايقاف أية مطامح ايرانية نووية؟ وماذا عن المنعكسات التي ربما قد لا يمكن تخيلها من ناحية اقتصادية ونفطية وتدميرية في المنطقة، وهل بالامكان معرفة أو توقع اتجاهاتها، خاصة في ظل أزمة اسعار عالمية غير مسبوقة فيما خص النفط؟
يرى بيرترام أن العقوبات الاقتصادية.

العنصر الثاني في تلك السياسة، وهي جزئية بكل الأحوال، لم تؤد الى الأهداف التي أرادها الغرب، بل على العكس زادت من تشدد القيادة الايرانية وكرست من موقفها الشعبي والإقليمي، تحت وطأة الشعور بالحصار. لكن الأهم من ذلك أن تلك العقوبات لم تكن فعّالة في أي مرحلة من المراحل حيث افترق الموقف الأميركي عن الموقف الأوروبي ازاءها. بل أكثر من ذلك لم تستطع الولايات المتحدة تخفيض مستويات التبادل الاتقصادي والتجاري بين أوروبا عموماً وألمانيا تحديداً وايران.

والعنصر الثالث وهو استخدام الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضمن برامج التفتيش التي تقرها معاهدة الحد من الانتشار النووي لم يكن هو الآخر ذا نتائج حاسمة في الاجابة على السؤال المركزي وهو مدنية أم عسكرية البرنامج النووي الايراني. فجولات التفتيش سمحت بها ايران للمواقع التي تقول ان برنامجها النووي يتم فيها. وبحسب الاتفاقيات الدولية المُصادقة عليها ايران فانه من غير المسموح للوكالة أن تقوم بجولات تفتيش فجائية على أية مواقع أخرى غير معلنة رسمياً من قبل طهران.

أما المفاوضات فهي الأخرى لم تصل بالطرفين الى النتيجة التي يريدها كل طرف: الغرب أن يتوقف التخصيب الايراني كلية، وايران أن يستمر التخصيب ويتواصل البرنامج النووي ضمن توافق مع الأطراف الدولية. التمسك بالمواقف القصوى أدى الى ابقاء الفجوة الكبيرة التي عززها منطق اعتبار ايران خصماً يجب اخضاعه لمنطق الارادة الغربية والأميركية تحديداً.

ويرى بيرترام أن الزعم الغربي بأن ايران تخطط لبناء القنبلة النووية يظل في مربع التكهنات وليس هناك أدلة مؤكدة عليه. وهو يميل، وان لم يفصح عن ذلك بشكل مباشر جدا، الى الرأي الذي يقول إن ايران مهتمة بالابقاء على "فكرة السعي نحو امتلاك القنبلة" وليس امتلاكها. وهذه السياسة تجبر الغرب على التحدث معها وعلى احترام مصالحها في المنطقة.

وهو يشرح، وبحذر، فيما ان كان التفكير الاستراتيجي الايراني مقتنعا تماماً بامتلاك السلاح النووي أصلاً. وهو يقول ان المفارقة النظرية في السلاح النووي هي أنه، أولاً لا يُستخدم بل يوظف للردع، وثانياً كلفة صيانته عالية، وثالثاً هناك خرافة تقول إن امتلاكه يحقق للدولة المعنية نفوذا ومكانة دولية اضافية. وهو يقول ان لايران في الوقت الحالي ورغم كل الحصار عليها مكانة اقليمية ونفوذا في أكثر من ملف من ملفات المنطقة، وليس من المتوقع أن يتضاعف ذلك النفوذ بطريقة دراماتيكية ان امتلكت ايران سلاحاً نووياً.

لكن خلال سنوات الفشل المتراكم والشكوك المتبادلة بين الغرب وايران ثمة حالة نشأت في المناخ الايراني، سببها السياق العام لـ"المواجهة" الايرانية ــ الغربية وهي نجاح "الخطاب النجادي" في اعلاء القيمة المعنوية والسياسية والوطنية لمسألة تخصيب اليورانيوم لتصبح متعلقة بالكرامة الوطنية وليس فقط بالمغزى التنموي والاقتصادي وغير ذلك. فقد تمت تعبئة الجمهور الايراني وراء هذه القضية باعتبارها رمز صمود ايران أمام ضغوط الولايات المتحدة وضغوط الغرب، وغدت تمثل الباروميتر الذي تُقاس به الصلابة الوطنية ومدى النجاح في اثبات استقلالية وقوة ايران وعدم خضوعها للاملاءات الغربية.

يطرح بيرترام في دراسته مقاربتين الأولى متفائلة وربما طموحة، وهو نفسه يقر بأنها تحتاج الى جهود غير عادية، والثانية أقل تفاؤلا وطموحاً. في الأولى يدعو الى استبدال المشاركة بالمواجهة في سياسة الغرب تجاه ايران، أي أن تتحول ايران من طرف خصم الى طرف شريك. وفي الثانية يقترح سياسة الانفراج المقصود (détente) حتى لو كانت من طرف واحد، أي من الطرف الغربي.

وهو في نهاية المطاف يريد من أوروبا سياسة جديدة حتى لو لم تكن وثيقة الصلة بالسياسة الأميركية ازاء الملف النووي الايراني، لأن مصالح أوروبا مختلفة عن مصالح الولايات المتحدة ونظرتها في هذا الملف. واذا كانت أوروبا تفكر الآن بهذه الطريقة وبافتراق مصالحها الاقليمية في ملف حساس كهذا عن المصالح الأميركية، فلماذا لا يفكر العرب بسياسة استراتيجية خاصة بهم تجاه ايران، مبنية على حقائق الأمر الواقع من ناحية، وعلى مصالحهم معها من ناحية ثانية.
"الأيام"

التعليقات