31/10/2010 - 11:02

الإسلاميون والسلطة../ عبد الإله بلقزيز

الإسلاميون والسلطة../ عبد الإله بلقزيز
من الأخطاء الشائعة في الأدب السياسي العربي المعاصر، وغالباً حتى في مجال البحث الأكاديمي، الحديث بلغة الجمع والعموم عن "الحركة الإسلامية" أن عن "التيار الإسلامي" في البلاد العربية.

وهو حديث ليس يستقيم مع ملاحظة ذلك التنوع الهائل في تكوينها وما يرافقه - ويؤسسُه ويقود إليه في الآن نفسه - من تباين بين قواها ومكوناتها في المنطلقات الفكرية، والمرجعيات الفقهية، والخيارات السياسية والبرنامجية.

وإن صحت هذه الملاحظة في حالة تعميمات مشابهة من قبيل "الحركة القومية" و"الحركة اليسارية" - وهي تَصِح من دون شك - فمقدار الصحة فيها أعلى وأظهر في حال "التيار الإسلامي". إذ الفارق بين تيار فيها يُقاوم الاحتلال (ك "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي") وآخر يُهادِنه ويتعامل معه ويشارك في مؤسساته غير الشرعية - التي فرضها بالقوة على شعب واقع تحت الاحتلال (كما في حالة تيار مثل ذلك الذي يمثّله "الحزب الإسلامي" في العراق!) - هو من النوع الذي لا يقبل التجاوز أو التجاهل بدعوى وجود صفة الاشتراك والتقاطع "إسلامي" بينهما.

كما أن الفارق بين تيار فيها يُؤمن بالعمل السلمي الديمقراطي ويشارك في الحياة السياسية وفي المؤسسات التمثيلية وبين آخر يؤمن بالعنف ويلجأ الى استعمال أدواته في وجه "الدولة الكافرة" و"المجتمع الكافر" مما لا يمكن محوه أو شطبه بدعوى وجود الجامع الماهوي المشترك بينها (صفة الإسلامية).

هذه المقدمة ضرورية للقول إن التفكير في موقع مسألة السلطة والدولة في مشروع الإسلاميين السياسي ينبغي أن يتفادى النظر بعين الجمع والتعميم الى الموضوع، وأن ينصرف الى ملاحظة ما بينهم من اختلافات في مقاربة المسألة.

وإذا كان في حكم البداهة أن يقال إن المسألة الأساس في مشروع الإسلاميين السياسي هي مسألة السلطة أو السعي الى حيازة السلطة (وهي كذلك في أيّ مشروع سياسي آخر في المجتمع)، فإن من باب الحذر المنهجي وتوخّي الدقة في التحليل البحث في ما الذي يعنيه هاجس السلطة لدى هذا الفريق أو ذاك من قوى "الحركة الإسلامية"، وأية مكانة يحتلّها في مشروعه.

ويستبين هذا التميز - أكثر ما يستبين - في الحالة التي نحن في صدد مطالعتها، وهي حالة: القوى الإسلامية المقاومة؛ فهذه - وإن كانت السلطة من مشمولات تفكيرها وعملها الحركي - لا تشبه غيرها من الحركات السياسية الإسلامية المنغمس معظمها في صراعات الداخل الاجتماعية والسياسية، لأن إشكاليتها السياسية - بكل بساطة - ليست تُختصر في المسألة السياسية حصراً (مسألة السلطة والدولة)، وإنما هي تستوعب مسألة أخرى أكثر أولوية هي مسألة التحرر الوطني أو المسألة الوطنية.

لا مِرَاء في أن هذه العلاقة بين المسألة السياسية الداخلية (مسألة السلطة) وبين المسألة الوطنية (التحرر الوطني والقومي) لم تنشأ أو تبدأ مع الحركات الإسلامية المقاومة، وإنما عاشها قبلها - ومعها - سائر الحركات السياسية العربية التي شكلت ما دُعي طويلاً باسم حركة التحرر الوطني العربية. فلقد شهدت التيارات الوطنية والقومية واليسارية - المنخرطة بالمقاومة - أشكالاً من الوعي بجدلية العلاقة بين تينك المسألتين، وعلى نحو لم تكن تقيم فيه الفواصل بين المعركتين. ولَكَمْ ترددت في أدبياتها شعارات تعبّر عن وعيها التلازم بين المعركتين.

وَرِثَتِ الحركات الإسلامية الإشكالية عينها (أعني إشكالية الترابط بين مسألتي السلطة والتحرر الوطني). لكنها لم تَرِث جميعها الرؤية السياسية نفسها الى كيفية خوض المعركة على الجبهتين معاً وفي الآن نفسه على نحو ما كانته رؤى القوى الوطنية والقومية واليسارية. ونحن نملك أن نقف على بعض التمايزات في الرؤى والمقاربات من خلال الملاحظتين التاليتين:

تتعلق الملاحظة الأولى بما كان يبدو على الحركات الوطنية والقومية واليسارية من إغراق في الإمساك بذلك التلازم - في وعيها - بين مسألة السلطة والمسألة الوطنية الى حد إسقاط فكرة الأولويات من حسبانها السياسي. ومع أن بعضها وعى باستمرار الحاجة الى التمييز بين التناقض الرئيسي (مع العدو) والتناقضات الثانوية (في صفوف المجتمع والأمة)، إلا أن هذا الوعي لم يبارح نطاقه النظري التجريدي ولم يتحول الى سياسة أو خيارات برنامجية، حتى لا نقول إنه حوّل التناقضات الثانوية الى تناقض رئيسي. ومن علامات ذلك أنها استغرقت أكثر في معركة السلطة على حساب القضية الوطنية حتى ولو من باب تبرير ذلك وطنياً بالقول إن حيازة السلطة تفتح الطريق أمام معركة التحرر الوطني التي تُقفلها الأنظمة التابعة والعميلة. ولعل تجربة الثورة الفلسطينية في الأردن أمثل دليل على ذلك. فلقد كان لاستراتيجية "كل السلطة للمقاومة" المتَبَلْشِفَة الأثر الأسوأ على مستقبل عملية التحرر الوطني الفلسطيني من الجبهة الشرقية لفلسطين.

وتتعلق الملاحظة الثانية بتجربة الحركات القومية العربية (الناصرية، "البعث") وما احتلته مسألة الاستيلاء على السلطة من حيّز كبير فيها أوسع من الحيز الذي شغلته المسألتان الوطنية والقومية. لقد كانت عبارة عبدالناصر أثناء حصار الفالوجة عن أن المعركة مع "إسرائيل" تبدأ في القاهرة - وما أعقب العبارة تلك من استراتيجية سياسية وضعت مسألة امتلاك السلطة في قلب الأولويات - دالة على حجم الاهتجاس السياسي بمسألة السلطة في خيارات الحركة القومية. وقد يقال إنه لولا حيازة عبدالناصر والبعث للسلطة لما أمكن خوض حروب 56 و67 و73.

من النافل القول إن الحركات المقاومة ليست زاهدة في السلطة أو عن التفكير فيها بمعزل، لكنها أقل انشغالاً بها من سابقاتها - وقطعاً - من سائر الحركات الإسلامية الأخرى غير المنخرطة بالمقاومة. وهي تدرك أنها كلّما انغمست في صراعات السلطة، فقدت بريقها كمقاومة وانْحَل رباط الإجماع الوطني عليها. ذلك ما حصل لحركة "حماس" منذ دخلت في معترك الصراع على السلطة وصولاً الى الاستيلاء على بعضها. وذلك ما بدأ "حزب الله" يتحسسه منذ دخل - جزئياً - في المعترك نفسه تحت عنوان: إعادة تكوين السلطة وتحقيق الشراكة في الحكم.
"الخليج"

التعليقات