31/10/2010 - 11:02

غفلة الإعلام العربي عن نفسه!../ محمود المبارك*

غفلة الإعلام العربي عن نفسه!../ محمود المبارك*
أبدأ مقال اليوم ببعض الأرقام الخطيرة المتعلقة بالانتهاكات القانونية الدولية ضد الصحافيين والإعلاميين في العراق. فمنذ الغزو الأميركي - البريطاني للعراق وحتى نهاية 2007، قتل 238 صحافياً في العراق. من هؤلاء 184 صحافياً قتلوا بأيدي مسلحين مجهولين، و32 صحافياً أثناء وجودهم في أماكن انفجارات نفذها مسلحون مجهولون، و20 صحافياً قتلوا بأيدي القوات الأميركية مباشرة واثنان بأيدي القوات العراقية مباشرة.

وفي النصف الأول لهذا العام 2008، قتل اثنا عشر صحفياً في العراق، أي بمعدل شخصين في كل شهر، وهي أعلى نسبة في العالم، الأمر الذي جعل العراق البلد الأكثر خطراً في حماية الإعلاميين والصحافيين.

إضافةً إلى ذلك، هناك حالات اعتداءات أخرى متفرقة على الصحافيين في العراق، لا يسع المجال لذكر تفاصيلها، تشمل الاختطاف والاعتقال والضرب والشتم والإهانة والطرد، كلها يتعرض لها الصحافيون والإعلاميون في العراق من جهات مختلفة، في الوقت الذي لا تعير فيه الحكومة العراقية أو قوات الاحتلال الأميركية كثير اكتراث لهذه الاعتداءات الجسيمة، إذ غالباً ما يفلت مرتكبو هذه الجرائم من العقاب.

ومعلوم أن القانون الدولي الإنساني يوفر حماية قانونية لهؤلاء الإعلاميين الذين يزجون بأنفسهم في أخطار محدقة لأجل نقل المعلومة والحدث من ساحات المعارك إلى بيت كل إنسان. ومن أجل تأكيد هذه المواثيق الدولية، جاءت لفتة رائدة من كلية الحقوق في جامعة حلب في سورية الأسبوع الماضي، في عقد مؤتمر قانوني دولي حول «الحماية الدولية للصحفيين»، تمّ التنويه فيها على خطورة هذه الانتهاكات، والتأكيد على أهمية الالتزام بالقوانين الدولية التي تحمي الصحافيين أثناء وجودهم في مناطق النزاع المسلحة، كالمادة 79 من البروتوكول الأول لاتفاقات جنيف لعام 1949.

وإذ بدا بشكل ملاحظ في السنوات الأخيرة، الاستخفاف بحماية الأعيان الإعلامية كما فعلت الولايات المتحدة حين استهدفت الأعيان الإعلامية لقناة الجزيرة في كل من أفغانستان 2001، والعراق 2003، وكما فعلت القوات الأميركية حين اقتحمت مقر نقابة الصحافيين العراقيين وعاثت فيها فساداً عام 2006، فقد أبدى الحقوقيون المشاركون حرصهم على التأكيد على أن هذه الأعيان الإعلامية محمية بموجب القوانين الدولية، كالمادة 48 من البروتوكول الأول التي نصت على التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، والمادة 52 من البرتوكول نفسه، التي حددت أحكام الحماية العامة التي تتمتع بها الأهداف المدنية، والمادة 147 من اتفاق جنيف الرابع واتفاق لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، والمادة 8(2) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والمادة 85 من البرتوكول نفسه التي اعتبرت استهداف هذه الفئات «جريمة حرب».

وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه للإعلام العربي أن يتسابق لنقل مثل المؤتمرات العلمية، إن لم يكن لأجل المعلومة المفيدة، فليكن لأجل التضامن مع أنفسهم، إلا أن الأمر المستغرب في هذا المؤتمر هو غياب الإعلام العربي عن فعالياته. فباستثناء وسائل الإعلام المحلية التي غطت الخبر، غابت كبريات القنوات الإعلامية العربية والصحف والمجلات – التي عانت جميعها من تضرر مراسليها في العراق وغيره، في الوقت الذي أكّدت فيه إدارة المؤتمر أن دعوات رسمية وجهت إلى تلك الوسائل الإعلامية، صاحبها حجز لمندوبيهم في الفنادق.

وفي ظني أنه لو كانت مثل هذه الانتهاكات تقع من دول العالم الثالث ضد الصحافيين الغربيين، لربما بادرت الوسائل الإعلامية بذاتها في البحث عن المؤسسات الجامعية في تبني مثل هذه المؤتمرات، ولتصدرت أخبار هذه المؤتمرات عناوين الصحف والمجلات، لإيقاظ المشاعر وتحريك الهمم مع المعتدى عليهم من الشرفاء الذين يحملون أرواحهم فوق أكفهم في البحث عن الحقيقة!

وهذا أمر ملاحظ في عالم الغرب، ففي خريف 1987، قامت مجموعة من الأكاديميين الأميركيين بتنظيم مؤتمر علمي عن «ظاهرة الإرهاب الإسلامي» كما أسموه في وقته، حضره عدد من كبار أساتذة علم السياسة والمتخصصين في دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأميركية، وقد سارعت وسائل الإعلام الغربية لنقل وقائعه وتوصياته، التي شملت، تدريس مقررات عن «الإرهاب الإسلامي» في الجامعات الأميركية.

أما في العالم العربي حيث يوجد أكثر من 160 ألف أستاذ جامعي، ومئات الجامعات الحكومية والأهلية، فإن الاهتمام بالمؤتمرات العلمية المفيدة للمجتمعات يعد حدثاً نادراً، وإذا ما وقع فلا يتعدى أثره دائرة المشاركين فيه، وأما توصياته فالجميع يعلم مصيرها! ولعل غياب الإعلاميين العرب عن تغطية أحداث هذا المؤتمر الخاص بحمايتهم – في الوقت الذي تتسابق فيه وسائل الإعلام إلى توافه الأمور – دليل على أولويات الإعلام عند القائمين عليه في العالم العربي!

وبغض النظر عن ذلك، فإننا كقانونيين دوليين نعتقد جازمين أن هؤلاء الصحافيين الموجودين في مناطق النزاعات المسلحة، نخبة من خيرة الناس يقومون بعمل شريف في عالم غير شريف، وسواء واصلت وسائل الإعلام العربية إغفالها لهذه الأحداث العلمية المهمة، أم أبدت بعض الاكتراث، فإن الواجب القانوني يحتم على أهله رعاية حرمة الصحافيين والإعلاميين التي لم ترعها الولايات المتحدة في حربيها في العراق وأفغانستان، وعمل الأساس القانوني لملاحقتها باتهامها بارتكاب «جرائم حرب» لأن هذه الجرائم كما يقال في القانون «لا تسقط بالتقادم»!
"الحياة"

التعليقات