31/10/2010 - 11:02

في مسائل الإرادة العربية المهزومة والمأزومة../ زهير اندراوس

في مسائل الإرادة العربية المهزومة والمأزومة../ زهير اندراوس
الكثير من العرب، وأنا من بينهم، صفّقوا لروسيا على قيامها بتأديب جورجيا المدعومة من المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. الكثير من أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج يعوّلون على عودة الدب الروسي إلى مركز المشهد السياسي العالمي وكسر معسكر القطب الواحد الذي تتزعمه أمريكا.

أحداث جورجيا كشفت مدى تغلغل الدولة العبرية في هذه الدولة، التي انشقت عن الاتحاد السوفييتي، وعن صفقات الأسلحة التي أُبرمت بين الدولتين، علاوة على ذلك، رُشّحت أنباء عن أنّ أقطاب الدولة العبرية كانوا يُخططون لضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستخدمين الأراضي الجورجية لتدمير المشروع النووي الإيراني.

مضافاً إلى ذلك، كشفت أزمة القوقاز عن مدى استفحال ظاهرة النفاق في القارة الأوروبية، التي تنافس زعماؤها على إطلاق التصريحات ضد ما أسموه الاحتلال الروسي، مع أنّهم هم الذين ابتكروا واخترعوا الإمبريالية واحتلال أراضي ودول الغير منذ العصور الغابرة. الأوروبيون تحديداً، الذين يتشدقون بحرية الشعوب، لم يفعلوا شيئاً من أجل فلسطين، لم يُهددوا ولم يتوعدوا إسرائيل بسبب استمرار احتلالها للأراضي العربية في عدوان العام 1967. الأوروبيون، لم يُطالبوا الدولة العبرية، وهي دولة مارقة بامتياز، بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، بل تعاملوا معها كابن مدلل يحق له ما لا يحق لغيره منذ وعد بلفور المشؤوم الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.

الاحتلال الإسرائيلي، على ما يبدو، يعتبر حلالاً بالنسبة للغرب، فيما تعتبر نفس الدول الغربية تلقين روسيا لجورجيا درساً من منطلق الدفاع عن النفس ومساعدة الأصدقاء في أوقات الضيق، خطاً أحمراً لا يمكن تجاوزه بأيّ حال من الأحوال.

الحقيقة أننّا لم نفاجأ من هذا التصرف المزدوج، والكيل بمكيالين، لأنّ العرب والمسلمين في زمن العولمة البغيضة باتوا حقل تجارب لعالم لا يفهم إلا لغة القوة والمال، والعولمة هي ليست السبب الوحيد التي أدّت إلى حالة الهوان والذل التي تعيشها الأمة العربية، بل إننّا متهمون أيضاً، لأنّ الشعوب العربية التي لا تملك الإرادة تحّولت إلى شعوب خاملة، يائسة، وفاقدة لزمام المبادرة.

الحق، الحق أقول لكم، الزعم بأنّ الأنظمة الحاكمة والمستبدة في الوطن العربي، التي تحكم شعوبها بواسطة المخابرات وتشتري الأسلحة للعروض العسكرية، هي السبب في الدرك الأسفل الذي انحدرنا إليه، هو باعتقادي المتواضع جداً، عذر أقبح من ذنب، والأنظمة الدكتاتورية التي كانت تحكم دول أمريكا اللاتينية باتت في عداد الأموات، وتحولّت هذه الدول، المتواجدة في الساحة الخلفية لأمريكا، إلى دول مستقلة وديمقراطية، وتقود المعسكر الغربي لمحاربة العنجهية الأمريكية، ويكفينا في هذا السياق ذكر بوليفيا وفنزويلا وهندوراس، التي قامت بطرد سفراء واشنطن، ولا غضاضة لأن نذكر في هذه العجالة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي ما زال يتحدى أمريكا، واستقبل بحفاوة بالغة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ودعا الأسطول الإيراني لزيارة بلاده.

ومع أننّا نؤيد روسيا، ولا ننسى الدعم الذي قدّمه الاتحاد السوفيتي سابقاً للدول العربية، كرد فعل على الدعم الأمريكي للدولة العبرية لضمان تفوقها النوعي العسكري على الجيوش العربية مجتمعة، ومع أننّا نرفض مزاعم بعض المتفلسفين العرب بأنّ روسيا زودّت الدول العربية بالأسلحة لأنّها حصلت على الأموال عداً ونقداً، نرى من واجبنا القومي والأخلاقي أن نُذكر هؤلاء بأنّ العديد من الطيارين الروس استشهدوا دفاعاً عن الأمة العربية، في الحروب التي خاضتها مصر تحديداً ضد عدوانية الدولة العبرية.

على الرغم مما ذُكر أنفاً، إلا أننّا نجد من المناسب أن نلفت الانتباه إلى نقطة مهمة جداً في استغلال الصراع الجديد وتجييره لصالح مصالح الأمة العربية، قيادةً وشعوباً. النقطة الأساسية تكمن في الإرادة العربية. ما معناه: هل الحكومات العربية تتجرأ، باستثناء سورية، آخر معقل للقومية العربية، أن تخطو خطوة واحدة تغيظ الإدارة الأمريكية المعادية لكل من هو عربي أو مسلم؟ كيف يمكن لدولة مثل مصر، التي تعتبر قائدة العالم العربي، أن تتخلص من أمريكا، في الوقت الذي يعتمد فيها اقتصادها على المعونات الأمريكية غير السخية؟ كيف يمكن لدولة مثل المملكة العربية السعودية التي وضعت جميع بيضها في السلة الأمريكية أن تخطو خطوة تقارب واحدة باتجاه روسيا؟ هل يتجرأ قائد ثورة الفاتح من سبتمبر 1970 العقيد معمر القذافي، الذي استقبل الآنسة كوندوليسا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، وأهداها قلادة عليه صورته ونسخة من الكتاب الأخضر، الخروج من بيت الطاعة الأمريكي، بعد أن دخل إليه طواعية، وكما يقول مثلنا العامي دخول الحمام، مش زي الخروج منه.

من هنا، في ظل انعدام الإرادة العربية، فإنّ التعويل على روسيا هو بمثابة مسرحية كوميدية تراجيدية نتابع حلقاتها يومياً عبر شاشات التلفزيون، كما يتابع السواد الأعظم من أبناء الأمة العربية المسلسلات التي تبثها القنوات الفضائية في شهر رمضان المبارك، والتي أقل لاما يقال عنها إنّها برامج تافهة للغاية، ناهيك عن المستوردة من تركيا، وناهيك عن أنّ قسماً لا بأس منها يُكّرس ظلم المرأة العربية وتحويلها إلى ريموت كونترول لتحضير الأكل وتنظيف البيت.

وهناك نقطة أخرى نرى لزاماً على أنفسنا التطرق إليها: علينا الانتباه ولفت انتباه الحكام والملوك والسلاطين العرب إلى حالة الهستيريا التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية بعد زيارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد والأنباء التي رُشحت عن موافقة موسكو تزويد السوريين بأحدث الصواريخ التي قد تخلخل التوازن في منطقة الشرق الأوسط، وفق منطق أركان الدولة العبرية. علينا أن نتذكر كيف أنّ رئيس الوزراء ايهود اولمرت، هدد بتدمير الصواريخ الروسية من طراز إس-300 في حال نصبها على الأراضي السورية، علينا أن نستغل هذه الظروف لصالحنا وليس التآمر والتواطؤ لتحويلها لطالحنا.

والشيء بالشيء يُذكر: الكثير من العرب يأملون خيراً في نجاح مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما في منافسته على رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية. مع أننّي شخصياً، لا أرى في أنّ هذا المرشح سيُحدث التغيير الكبير في سياسة أمريكا العدوانية والعدائية للعرب وللمسلمين، مع ذلك وعلى الرغم من ذلك، نقول: حسناً، فلنوافق جزافاً على أنّه سيُغيّر السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن إذا بقي العرب والمسلمون على حالهم، فسيكون جديداً في أمريكا، وسيكون جديداً في روسيا، ولكن ليس من جديد في أمريكا ولا في روسيا بالنسبة للأمتين العربية والإسلامية. لقد راهن العديد من الحكام العرب، الذين لم يتم انتخاب حتى واحدا منهم بصورة ديمقراطية، أو بصورة ديموكتاتورية، على الولايات المتحدة الأمريكية، فجلب لنا رئيسها الحالي جورج دبليو بوش، الويلات ثم الويلات، وحوّل العرب إلى إرهابيين يجب محاربتهم والقضاء عليهم.

لقد بلغ السيل الزبى، وعلى مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي أن تقوم بتحمل مسؤولياتها من أجل النهوض بالشعوب العربية لكنس الأنظمة الشمولية والدكتاتورية، لأنّ شعوب أمريكا اللاتينية ليست أحسن منّا، وليست أقوى منّا، إنما نحن الضعفاء والمهزومون والمأزومون، الذين نوافق على العيش في ظل أنظمة تدوس على كرامة الإنسان العربي، وتقمعه، وتبصق عليه وهو يقول إنّ السماء تُمطرنا. متى سنثبت للشاعر المتنبي الذي قال فينا قبل أكثر من ألف عام: أغاية الدين أن تحفوا شواربكم، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم، ومتى سنثبت للشهيد كمال ناصر، الذي قال في العام 1970، قبل اغتياله من قبل الإسرائيليين بثلاثة سنوات في عملية فردان التي قادها وزير الأمن الإسرائيلي الحالي ايهود باراك: سيأتي يوم تكون فيه الخيانة وجهة نظر. متى سنثبت لهما ولأنفسنا وللعالم برمته أننّا دحضنا أقوالهما وبتنا أمة ديمقراطية ومتحررة من قيود الإمبريالية العالمية التي تدعم الأنظمة الدكتاتورية في الوطن العربي وتُكرس بقاءها.

التعليقات