31/10/2010 - 11:02

مشاريع تصفية القضية الفلسطينية../ إلياس سحاب

مشاريع تصفية القضية الفلسطينية../ إلياس سحاب
من المؤكد أن القضية الفلسطينية لم تجد نفسها منذ العام 1948، في وضع أغرب من الوضع الذي تقبع فيه اليوم.
ويصح هذا الانطباع بالدرجة نفسها، سواء نظرنا الى وضع هذه القضية في محافل السياسة الدولية، أو في محافل العمل العربي العام، أو في إطار الحركة السياسية الفلسطينية.

ولقد بلغت خطورة الوضع التاريخي الراهن للقضية الفلسطينية، حداً جعل الغموض يلف، منذ مدة غير قصيرة، كل مشاريع الحراك السياسي (الدولي أو العربي أو الفلسطيني)، الذي يسير باتجاه إيجاد الحلول السياسية للقضية. حتى أن هذا الغموض قد ألغى الحدود بين مشروع التسوية التاريخية العادلة والشاملة للصراع (وهو مشروع واحد أوحد، لا يحتمل بطبيعته أن يكون مشروعين أو ثلاثة أو أكثر)، وبين مشاريع تصفية القضية، تصفية نهائية، لا قانونية، لا أخلاقية ولا إنسانية، تحت ستار التسوية السياسية للصراع.

ليس في الأمر لغز سياسي أو أحجية سياسية، مع أن الحراك السياسي الدائر حول القضية منذ كامب دايفيد العربي، وأوسلو الفلسطيني، يجعلنا نتوهم أن الأمور تزداد تعقيداً وغموضاً. إلا أن الجوهر التاريخي للصراع، ما زال منتصباً بكل بساطة، فوق كل ألاعيب الغموض، يشير بوضوح الى الحدود الفاصلة والحاسمة بين التسوية التاريخية العادلة للصراع، والتصفية الكاملة للقضية.

ليس في الأمر أي شبهة التباس أو تداخل أو غموض، بين المسارين. إنهما مساران مختلفان حتى التناقض.

إن تأسيس الحل على العودة الى الأصل التاريخي لجريمة اغتصاب فلسطين، التي وقعت في العام 1948، وشردت شعبها بوسائل التطهير العرقي الموصوفة والموثقة، يسير بنا في طريق يقود حتماً الى العثور أخيراً على تسوية تاريخية عادلة وشاملة، تجريها البشرية بأسرها، بالتفاهم مع شعوب هذه المنطقة من العالم.

أما تأسيس الحل، أو الحلول، على العودة الى حرب 1967، والى احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة (إضافة الى الجولان السوري وسيناء المصرية)، فيسير بنا في طريق آخر، بل معاكس، يقود حتماً الى تصفية نهائية للقضية الأصلية، وصرف النظر نهائيا عنها، الى صراع فرعي جرى على مساحة محدودة من أرض فلسطين.

على هذا الأساس، يمكننا الجزم بأن التسوية التاريخية، الجذرية والعادلة والشاملة، لا يمكن أن يكون لها سوى مشروع واحد، له هدف واحد هو إلغاء آثار الجريمة الأصلية التي ارتكبت في العام 1948. وستجد كل القوى الدولية، أنها اذا اعتمدت هذا الهدف، فكل ما ترتب على الجريمة الأصلية من كوارث إنسانية، سيصبح مجرد تفاصيل إجرائية سهلة الحل، اذا حكّمنا القيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية.

أما النية على تصفية قضية فلسطين، فإنها منذ عقود عديدة، تعاود الظهور في كل يوم، عبر مشاريع عديدة، منها دولية، ومنها يا للأسف، عربية، ومنها، يا للهول، فلسطينية.

ولا ينفع في هذه المسألة أي تمويه وأي تضليل وأي التباس، كأن تؤسس المبادرة العربية الرسمية، مثلا، على معالجة ما تم في حرب 67 فقط، فإذا قام أحد الرؤساء العرب المشاركين في مؤتمر القمة الذي اعتمدت فيه المبادرة العربية، بالتنبيه الى ضرورة إضافة حق العودة، عاد الآخرون للاعتراف بأن ذلك قد يكون أمراً مناسباً، فأضافوه بنداً جديداً.

إن التعامل مع حق العودة على هذا الأساس، لا يلبث أن يفضح نفسه بنفسه، فيقوم عدد من المسؤولين العرب بعمليات طمأنة متكررة، لأميركا وأحيانا لإسرائيل، بأنه مجرد بند قابل للتفاوض والتنازل، فيما يصل تفسير الرئيس المصري حسني مبارك الى ذروة في التنازل المبدئي والسياسي لا سابق لها، فيؤكد في تصريح علني أن النص على حق العودة ليس له أي قيمة عملية سوى القيمة النفسية، لان الفلسطيني الذي استقرت حياته في أميركا أو كندا، لا يفكر بالعودة أصلا.

وفيما يأخذ كثير من العرب مسألة حق العودة بهذه الخفة، فإن المسألة بالنسبة لإسرائيل، التي ما زالت تعتنق العقيدة الصهيونية، قد أخذت طابعا بالغ الجدية، اذ تكرر القول والفعل باتجاه الرفض المبدئي والعملي لتمتع أي مواطن فلسطيني بحق العودة، بل تضيف الى ذلك محاولة فرض الاعتراف بها دولة لسائر يهود العالم، على العالم والعرب، حتى يتاح لها بعد ذلك، قانونيا وأخلاقيا، طرد المليون ونصف مليون عربي، الذين ما زالوا يتشبثون بالمكوث على أرض فلسطين التاريخية، وحتى يكون ذلك مقدمة منطقية لطرد ما تراه إسرائيل مناسبا من سكان الضفة الغربية، بعد أن تستولي على معظم أراضيها في ما بين منطقة الأغوار ومناطق ما يعرف بالخط الأخضر.

لقد تطورت مشاريع استيلاء المشروع الصهيوني على فلسطين التاريخية، أرضا وشعبا، الى درجة أن الهيمنة العسكرية والعنصرية للمشروع، منذ 1948 وحتى يومنا هذا، قد ألغت عمليا حتى مفاعيل قرار التقسيم الرقم 181، لأن هذا القرار، عندما صدر في العام 1947، كان يشمل حق كل فلسطيني في البقاء حيث هو، سواء أصبح بيته في المنطق التابعة للدولة اليهودية المفترضة، أو الدولة العربية المفترضة.

حتى العودة الى تنفيذ القرار 181، لم تعد اليوم تؤدي الى تسوية تاريخية عادلة، التي لا مدخل لها سوى إلغاء ومعالجة كل المفاعيل الإنسانية والسياسية التي أدت اليها الجريمة الصهيونية التي ارتكبت في العام 1948.

وما عدا ذلك، فنحن أمام مشاريع لتصفية قضية فلسطين، وليس لإيجاد تسوية تاريخية عادلة لها.
"السفير"

التعليقات