"الحفاظ على التفوّق العسكريّ في المنطقة": تاريخ الدعم الأميركيّ لإسرائيل

الصادرات الأميركيّة للأسلحة لإسرائيل كانت مساوية تقريبًا لتلك الّتي تستوردها الدول العربيّة، ولكنّ الحال تغيّر بعد نكسة حزيران أو نكسة 67، حيث رأت الإدارة الأميركيّة أنّ من مصلحتها أن تحافظ إسرائيل على "التفوّق العسكريّ...

(تصميم: عرب٤٨)

بالرغم من تصاعد التوتّر في الشرق الأوسط وارتفاع حدّة التقارير الصادرة عن الأمم المتّحدة ومنظّمات حقوق الإنسان والمجتمع المدنيّ والضغط الدوليّ فيما يخصّ الحرب على غزّة، وبالإضافة إلى الدعوى المرفوعة في محكمة العدل الدوليّة، إلّا أنّ أيًّا من ذلك لم يخفّف من حدّة تصدير الأسلحة والدعم العسكريّ الأميركيّ اللامحدود لإسرائيل، إذ تشير التقارير إلى أنّه ومع وجود توتّر واضح بين نتنياهو والرئيس بايدن حول سلوك إسرائيل في الحرب، إلّا أنّ الإدارة الأميركيّة وافقت مؤخّرًا على نقل 1800 قنبلة MK-84 الّتي تزن 2000 باوند/907كجم، و 500 قنبلة MK-82 الّتي تزن 500 باوند/226كجم، بالإضافة إلى 25 طائرة إف-35، والّتي سترفع عدد تلك الطائرات في الأسطول الإسرائيليّ إلى 75 طائرة.

تزامن نقل الأسلحة مع توغّل وشيك للجيش الإسرائيليّ إلى رفح، وحينها اشتكّت الحكومة الإسرائيليّة من بطء التسليم من الجانب الأميركي، وفي ظلّ التوتّر الحاليّ بين الحكومتين، إلّا أنّ الحكومة الأميركيّة وافقت مؤخّرًا في شهر آب/ أغسطس على صفقة أسلحة بقيمة 20 مليارًا تضمّ طائرات ف-15 وصواريخ جو-جو والكثير من الأسلحة الحديثة.

جانب من الدعم العسكريّ الأميركيّ لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر (Getty)

من جهتها، أعلنت الحكومة البريطانيّة فرض قيود على تصدير بعض الأسلحة لإسرائيل، وحسب تصريحات رئيس الوزراء البريطانيّ كير ستارمر المنشورة على قناة بي بي سي، فإنّ الحكومة الأميركيّة "تتفهّم" فرض تلك القيود. جاءت تلك التصريحات على خلفيّة تقارير في صحف أميركيّة أشارت إلى غضب الإدارة من هذا القرار. "تحدّثنا مع الإدارة الأميركيّة قبل القرار وبعده، كانوا واضحين جدًّا بأنّ لديهم قوانين مختلفة، ولكنّ الإدارة تتفهّم هذا القرار"، صرّح رئيس الوزراء البريطانيّ. ويجدر الذكر أنّ القرار بوقف تصدير 30 نوعًا من الأسلحة من أصل 350 نوعًا تصدّرها المملكة المتّحدة لإسرائيل، وجاء القرار بحسب الحكومة البريطانيّة بناء على مخاوف من استعمال إسرائيل الأسلحة بشكل يشكّل خرقًا للقانون الدوليّ في غزّة.

دعم من اليوم الأوّل

"إنّ من المسؤوليّات على عاتقي أن أتأكّد من أنّ إسرائيل تأتي في مركز سياستنا حول العالم. ثانيًا، لديّ رغبة في أن أساعد أن تبنى في فلسطين دولة قويّة، مزدهرة، حرّة، مستقلّة وديمقراطيّة. يجب أن تكون كبيرة كفاية، حرّة كفاية، وقويّة كفاية لتجعل مواطنيها آمنين ومعيلين لأنفسهم"، قال الرئيس الأميركيّ السابق هاري ترومان في تشرين الأوّل / أكتوبر 1948، وسرعان ما ترجم هذا التصريح إلى أفعال، فبعد حرب الأيّام الستّة، تقدّمت إسرائيل بطلب دعم من الولايات المتّحدة، ونتج عنه قروض بقيمة 135 مليار دولار أميركيّ لتصدير واستيراد الحاجيّات والسلع من وإلى إسرائيل للمساعدة على استيعاب المهاجرين اليهود في ذلك الوقت. في عام 1959 صوت مجلس الشيوخ الأميركيّ لدعم إسرائيل لعدم قدرة الأخيرة تحمل كلفة تدفّق المهاجريين إليها ومساعدتها على التكيّف مع الأعباء الاقتصاديّة.

وبالرّغم من تصريحها بأنّ الإدارة الأميركيّة "تجاهلت" دعم الدول العربيّة، إلّا أنّ تلك الدول لم تكن بحاجة إلى أيّ دعم أميركيّ. سورية، على سبيل المثال، رفضت عروضًا أميركيّة لتمويل قروض وهبات في عام 1959، العراق والسعوديّة الغنيّتين بالنفط لم تكونا بحاجة إلى أيّة قروض أو مساعدات. الأردنّ، من جهته، كان لا يزال تحت "الجناح" البريطانيّ في حينه حتّى نهاية الخمسينات، وفي عام 1957 أخذت الولايات المتّحدة على عاتقها مساعدة الأردنّ، وواصلت تقديم المساعدات إلى مصر، وبعد ذلك الحين ارتفعت وتيرة المساعدات الأميركيّة بشكل حادّ إلى الدول العربيّة حتّى اللحظة، بالإضافة إلى الدعم الأميركيّ لوكالة الغوث الفلسطينيّة أونروا.

بدايات الدعم العسكريّ

انتهت المنح الأميركيّة إلى إسرائيل، الّتي اقتصرت في بداية الأمر على شكل هبات ترتكز على تصدير الفائض من السلع الأميركيّة، في عام 1959، ليحلّ نوع جديد من التفاهمات الأميركيّة الإسرائيليّة. مع بداية تلك السنة، بدأت المساعدات الأميركيّة تأتي على شكل قروض نقديّة قامت إسرائيل بسدادها بالإضافة إلى بيع فائض السلع الأميركيّة إلى إسرائيل، والّتي دفعت إسرائيل ثمنها أيضًا.

جاء التحوّل أيضًا عندما بدأت إسرائيل بشراء العتاد العسكريّ في عام 1962 على نحو مباشر بدون الاعتماد على قروض أميركيّة. ونتيجة لحرب أكتوبر 73، اضطرّت إسرائيل إلى الاستدانة بشكل كبير لتمويل اقتصادها ومشترياتها العسكريّة، وتحوّلت حينها القروض الأميركيّة إلى "منح". جاء ذلك الأمر بناء على رأي مجلس الشيوخ أنّه بدون "إسرائيل قويّة" فإنّ الحرب تتوسّع في الشرق الأوسط، وبالتّالي ستقع تكاليف إضافيّة على عاتق الولايات المتّحدة، وعلى إثر ذلك، كان من مصلحتها أن تدعم إسرائيل بشكل أكبر.

جنود إسرائيليّون على دبّابة أميركيّة في حرب أكتوبر 1973 (Getty)

تلقّت إسرائيل دعمًا مباشرًا من الولايات المتّحدة أكثر من أيّ دولة أخرى منذ الحرب العالميّة الثانية، ولكن، تعدّ حرب أكتوبر نقطة مفصليّة في الدعم الأميركيّ لإسرائيل، وقبل ذلك الوقت كان مجموع الدعم الأميركيّ 122 مليون دولار سنويًّا ليكون المجموع 3.1 مليار دولار بالإضافة إلى مليار دولار على شكل دعم عسكريّ خصّص لحرب أكتوبر مقارنة بما مجموعه 227 مليونًا منذ بداية الدعم حتّى الحرب.

بالمقارنة، فقد حصلت الدول العربيّة على ثلاثة أضعاف الدعم الأميركيّ لإسرائيل قبل عام 1971، ويقدّر الدعم بـ 4.1 مليار دولار. ويذكر أنّ الدول تلقّت دعمًا من الاتّحاد السوفييتيّ في حينه، بالإضافة إلى قروض وهبات من دول آسيويّة وأوروبّيّة أخرى.

من القروض العينيّة إلى القروض النقديّة

تحوّلت القروض والمساعدات الأميركيّة بشكل رسميّ مع نهاية السبعينات وتحديدًا في عام 1979. حيث تحوّلت إسرائيل من دولة تتلقّى مساعدات على شكل سلع إلى دولة تتلقّى قروضًا نقديّة دفعة واحدة على شكل تحويلات نقديّة كلّ بداية سنة، بدلًا من التحويلات ربع السنويّة، مقابل ضمان استيراد إسرائيل من السلع غير العسكريّة الأميركيّة أكبر من قيمة تلك القروض لحماية المصدر الأميركي، وبذلك تضمن إسرائيل حماية الصادرات الأميركيّة بعد خروجها من برنامج استيراد السلع. وتحمي الولايات المتّحدة أيضًا سوق العمل لديها.

في عام 1984 اعتمدت الحكومة الأميركيّة تعديل كرانستون، وهو اسم عضو مجلس الشيوخ الّذي أقرّ التعديل، أن لا يقلّ الدعم الماليّ المقدّم من الولايات المتّحدة لإسرائيل عن مبالغ سداد خدمة الدين الّتي تدين بها إسرائيل سنويًّا للولايات المتّحدة، ومبالغ سداد خدمة الدين هي مبلغ المال الّذي يجب على المقترض سداده للمقرض على مدى فترة من الزمن. ويشمل كلًّا من أصل المبلغ (المبلغ الأصليّ المقترض) والفائدة (تكلفة الاقتراض) أي أنّ الولايات المتّحدة تتعهّد بتقديم مساعدات لا تقلّ عن الدين الإسرائيليّ السنويّ، بالإضافة إلى الفوائد المترتّبة على تلك المساعدات. في ذلك الوقت تلقّت إسرائيل 1.2 مليار وكانت تدين بـ 328 مليون دولار فقط.

وفي عام 1998 صنّفت إسرائيل على أنّها حليف رئيسيّ غير مشارك في حلف شمال الأطلسيّ (ناتو)؛ وبذلك يسمح لها باستلام معدّات عسكريّة أميركيّة قديمة على شكل هبات أو قروض.

تقدّر المساعدات الأميركيّة منذ العام الماليّ 1987 إلى عام 1999 بـ 1.2 مليار دولار كمساعدات اقتصاديّة سنويًّا، بالإضافة إلى 1.8 مليار كمساعدات عسكريّة، وانخفضت بعدها المساعدات حتّى وصلت إلى 240 مليونًا كمساعدات اقتصاديّة و 2.28 مليار كمساعدات عسكريّة في عام 2006.

عضو مجلس الشيوخ الأميركيّ ألان كرانستون (Getty)

في ما يخصّ الدعم المقدّم لإعادة توطين المهاجرين في الأراضي المحتلّة، قدّمت الولايات المتّحدة ما مجموعه 1.7 مليار دولار منذ عام 1971. ومع أنّ الدعم في البداية كان لإعادة توطين أولئك الّذين قدموا من الاتّحاد السوفييتيّ وبولندا، الّتي كانت تحت هيمنة الاتّحاد السوفييتيّ في ذلك الوقت، إلّا أنّ المشروع توسّع ليشمل المهاجرين الإثيوبيّين في مرحلة لاحقة.

استمرّ منحنى الدعم الأميركيّ اللامحدود في الصعود، حتّى قرّرت إدارة جورج بوش الابن في عام 2007 رفع المساعدات إلى 5 مليارات على مدى السنوات العشر القادمة، ويبدأ الدعم سنويًّا عند مبلغ 2.55 مليار سنويًّا ليصل إلى 3.15 مليار في عام 2018، ويخصّص جزء من تلك المساعدات لتطوير نظام الدفاع الصاروخيّ الإسرائيليّ. إلّا أنّ الخطّة لم تكتمل.

في عام 2016، وقبل نهاية التفاهمات مع إدارة جورج بوش الابن، وقّعت إدارة أوباما مذكّرة تفاهم جديدة مع الحكومة الإسرائيليّة ليرتفع حجم المساعدات إلى رقم قياسيّ يصل إلى 33 مليار دولار، بالإضافة إلى 5 مليارات إضافيّة لتطوير نظام الصواريخ الإسرائيليّ. مذكّرة التفاهم الجديدة الّتي استبدلت مذكّرة جورج بوش، احتوت على تغييرات منها قدرة الحكومة على شراء وقود من الولايات المتّحدة وتحويل 26.3% من تلك القروض إلى الشيكل لاستعمالها في إسرائيل فقط حتّى عام 2024، بالإضافة إلى 500 مليون لتطوير نظام القبّة الحديديّة المشترك بين الدولتين، بالإضافة إلى تطوير نظام "السهم 2" و"السهم 3" و"مقلاع داوود". وتشير التقارير إلى أنّ أحد البنود في الاتّفاقيّة الّتي تنتهي في عام 2028 تنصّ على تعهّد إسرائيل بتعويض الولايات المتّحدة في حال تلقّي إسرائيل دعمًا عسكريًّا إضافيًّا لتطوير الصواريخ قبل نهاية عام 2018، وتشير تقارير أخرى إلى تعهّد إسرائيل بأن لا تطلب أيّ دعم أعلى من المبالغ المتّفق عليها سنويًّا في الاتّفاقيّة الجديدة إلّا في حالات الطوارئ مثل الحروب الإقليميّة.

في عهد ترامب لم يتوقّف حجم المساعدات عن الارتفاع، فقبل زيارة ترامب الأولى إلى السعوديّة ودول أوروبّيّة أخرى، أعلنت الإدارة الأميركيّة عن إضافة 75 مليون دولار أخرى إلى مذكّرة تفاهم 2016 بغرض تطوير نظام الصواريخ.

وفي عام 2018، احتوت الميزانيّة الأميركيّة البالغة 1.3 تريليون دولار على مبلغ 3.1 مليار من المساعدات العسكريّة إلى إسرائيل، بالإضافة إلى 705.8 مليون لتطوير نظام الصواريخ و 47.5 مليون للبحث وتطوير القدرات الإسرائيليّة "لمكافحة الأنفاق"، الّتي تعمل على تحديد أماكن الأنفاق وتحييدها والقضاء عليها. تعدّ تلك المبالغ ومجموعها 3.9 مليار دولار، رقمًا قياسيًّا جديدًا في ما يخصّ الدعم العسكريّ الأميركيّ لإسرائيل. وبدأ العمل رسميًّا بموجب مذكّرة التفاهم الّتي تمّ الاتّفاق عليها مع الرئيس أوباما خلال عهد الرئيس دونالد ترامب.

في عام 2021، وافقت الحكومة الإسرائيليّة على تخصيص مبلغ 2.74 مليار دولار لشراء مقاتلات ف-15 وإف-35، بالإضافة إلى طائرات هليكوبتر لنقل الجنود والعتاد وطائرات إعادة تزويد وقود وطائرات هليكوبتر هجوميّة/ وطائرات هجوم متقدّمة ومعدّات مختلفة تمّ وصفها من الجيش بـ "شديدة الأهمّيّة"، وفي أيّار/مايو من السنة نفسها، تمّت الموافقة على شراء أدوات لتحويل القنابل الـ "غبيّة" إلى صواريخ عالية الدقّة قامت شركة بوينج بتزويدها.

استمرّ التطوير خلال 2021، مرورًا بشراء معدّات وآليّات جديدة وتطوير الموجودة وانتهاء بتخصيص 30 مليونًا لتطوير الأمن السيبرانيّ في حينها، وتعهّد الرئيس بايدن بتخصيص مليار دولار لإعادة تسليح القبّة الحديديّة. وفي شهر كانون الأوّل/ ديسمبر في عام 2022 وقعت الحكومتان الأميركيّة والإسرائيليّة اتّفاقيّة بقيمة 2 مليار لشراء 12 طائرة هليكوبتر من لوكهيد مارتن سيكورسكي لاستبدال الطائرات القديمة.

أكثر من 140 ألف شهيد حتّى الآن

تعدّ إسرائيل المستفيد الأوّل من تصدير الأسلحة الأميركيّة، تليها بعد ذلك أوكرانيا، خصوصًا بعد ارتفاع حدّة الصراع في الأزمة الروسيّة-الأوكرانيّة منذ عام 2022، وتعدّ إسرائيل الحليف الأميركيّ الأوّل في الشرق الأوسط والعالم. وفي الوقت الّذي تدعم فيه الولايات المتّحدة العديد من الدول حول العالم، تتصدّر إسرائيل تلك اللائحة. ويتمحور برنامج الدعم الخارجيّ الأميركيّ للدول، سواء كانت بالدعم الماليّ المباشر أو السلع أو العتاد العسكريّ ضمن استراتيجيّة أميركيّة للحفاظ على "الأمن الأميركيّ" والمصالح الأميركيّة في الشرق الأوسط والعالم.

آثار الدمار جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على غزّة (Getty)

الصادرات الأميركيّة للأسلحة لإسرائيل كانت مساوية تقريبًا لتلك الّتي تستوردها الدول العربيّة، ولكنّ الحال تغيّر بعد نكسة حزيران أو نكسة 67، حيث رأت الإدارة الأميركيّة أنّ من مصلحتها أن تحافظ إسرائيل على "التفوّق العسكريّ" في الشرق الأوسط. هذا القرار مهّد إلى صفقات بـمليارات الدولارات في الـ 40 سنة الأخيرة، وتستمرّ آلة القتل الإسرائيليّة بدون توقّف، وقد أدّت إلى مقتل أكثر من 100 ألف فلسطينيّ قبل السابع من أكتوبر، وهو ما رفع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 140 ألف شهيد وشهيدة.

التعليقات