جمدت أكثر من عشرة فصائل سورية معارضة مشاركتها في أي محادثات حول مفاوضات السلام المرتقبة في أستانا، متهمة قوات النظام بخرق الهدنة الهشة التي دخلت، الثلاثاء، يومها الخامس مع استمرار المعارك قرب دمشق.
ويهدد هذا القرار الهدنة ومفاوضات السلام المنوي عقدها نهاية الشهر الحالي في أستانا، بموجب اتفاق توصلت إليه موسكو، حليفة دمشق، وأنقرة الداعمة للمعارضة. وهو أول اتفاق يتم برعاية تركية مباشرة، بعدما كانت الولايات المتحدة شريكة روسيا في اتفاقات سابقة لوقف إطلاق النار، لم تصمد.
ومع بدء الهدنة، الجمعة، شهدت معظم الجبهات الرئيسية في سورية هدوءا مع خروقات محدودة، باستثناء منطقة وادي بردى، خزان مياه دمشق، حيث تدور اشتباكات عنيفة بين قوات النظام والفصائل، يتخللها قصف جوي ومدفعي.
واتهمت أكثر من عشرة فصائل معارضة، في بيان مشترك، ليل الإثنين، "النظام وحلفاءه بأنهم استمروا بإطلاق النار، وقاموا بخروقات كثيرة وكبيرة خصوصا في منطقة وادي بردى والغوطة الشرقية".
وقالت "نظرا لتفاقم الوضع واستمرار هذه الخروقات (...) تجمد أية محادثات لها علاقة بمفاوضات أستانا أو أي مشاورات مترتبة على اتفاق وقف إطلاق النار، حتى تنفيذه بالكامل".
وحذرت الفصائل، وأبرزها جيش الإسلام وفيلق الشام، وهما فصيلان نافذان في ريف دمشق، وفرقة السلطان مراد القريبة من تركيا، من أن الاتفاق يعتبر "بحكم المنتهي" ما لم تتم "إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي".
ودارت اشتباكات عنيفة، الثلاثاء، في منطقة وادي بردى، بين قوات النظام ومقاتلين من حزب الله اللبناني من جهة، والفصائل المقاتلة من جهة أخرى، وسط استقدام قوات النظام لتعزيزات عسكرية إلى المنطقة، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
محرومون من المياه
وترافقت الاشتباكات وفق المرصد، مع غارات كثيفة وقصف بالبراميل المتفجرة على المنطقة، وذلك بعد يوم من وصول قوات النظام وحلفائها إلى أطراف عين الفيجة، النبع الرئيسي في وادي بردى، والذي توقف ضخ المياه منه إلى دمشق منذ أسبوعين.
واتهم النظام، الذي بدأ هجوما قبل أسبوعين في المنطقة، الفصائل بتلويث المياه بالمازوت ثم قطعها بالكامل عن دمشق.
لكن المرصد أوضح إن انقطاع المياه سببه تعرض إحدى مضخات المياه في عين الفيجة لانفجار بفعل المعارك بين الطرفين اللذين يتبادلان الاتهامات بالمسؤولية عنه.
وجددت الأمم المتحدة، الثلاثاء، تحذيرها من أن "أربعة ملايين شخص في مدينة دمشق ما زالوا محرومين من المياه منذ 22 كانون الأول/ ديسمبر، جراء المعارك في منطقة وادي بردى".
ويهدف هجوم قوات النظام المستمر منذ 20 كانون الأول/ ديسمبر، وفق المرصد، إلى السيطرة على منطقة وادي بردى التي تحاصرها منذ منتصف 2015، أو الضغط على الفصائل للتوصل إلى اتفاق مصالحة على غرار اتفاقات مشابهة جرت في محيط دمشق خلال الأشهر الماضية.
وبخلاف النظام، تنفي الفصائل بشكل قاطع وجود مقاتلين من فتح الشام "جبهة النصرة سابقًا" في وادي بردى.
وبحسب المرصد السوري، هناك مئات من مقاتلي الجبهة، بين الآلاف من مقاتلي الفصائل، في المنطقة.
ولم يصدر أي موقف سوري رسمي حول العملية العسكرية في وادي بردى، تزامنا مع إعلان الجيش الروسي، الثلاثاء، في بيان، رصده 27 خرقا لوقف إطلاق النار خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة.
مرحلة "حرجة"
يستثني اتفاق وقف إطلاق النار التنظيمات المصنفة "إرهابية"، وبشكل رئيسي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". كما يستثني، بحسب موسكو ودمشق، جبهة فتح الشام، الأمر الذي تنفيه الفصائل المعارضة.
ويزيد هذا التباين من صعوبة تثبيت الهدنة بسبب وجود هذه الجبهة ضمن تحالفات مع فصائل أخرى مقاتلة في مناطق عدة أبرزها محافظة إدلب (شمال غرب)، أبرز معقل متبق للفصائل بعد خسارتها مدينة حلب الشهر الماضي.
وبعد هدوء شهدته جبهات إدلب في الأيام الأربعة الأولى من الهدنة، أفاد المرصد، الثلاثاء، عن غارات نفتها طائرات لم يعرف إذا كانت تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن أم روسية، استهدفت مقرًا لجبهة فتح الشام قرب بلدة سرمدا في ريف إدلب.
وقال مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، لفرانس برس، إن الغارات استهدفت المقر فيما كان قياديون من الجبهة يجتمعون داخله، من دون توافر أي حصيلة للقتلى حتى اللحظة.
وذكر مراسل لفرانس برس أن غارات عدة استهدفت أيضا مواقع عدة في البلدة، بينها حاجز لجبهة فتح الشام، وقال إنه شاهد سيارات إسعاف عدة تهرع إلى المواقع التي استهدفتها الغارات.
وأسفرت ضربات جوية لقوات النظام، الثلاثاء، عن مقتل امرأة حامل في مدينة خان شيخون، جنوب إدلب.
وقال عبد الرحمن إن الهدنة دخلت "مرحلة حرجة" محذرا من أنها تواجه "خطر الإنهيار" ما لم يتدخل راعيا الاتفاق روسيا وتركيا لإنقاذها.
وتمكنت روسيا، السبت، من الحصول على دعم مجلس الأمن للخطة الروسية التركية لوقف إطلاق النار، والدخول في مفاوضات لحل النزاع المستمر منذ نحو ست سنوات، من دون أن يصادق على تفاصيل الخطة.
وحرصت كل من تركيا وروسيا على التأكيد أن محادثات أستانا لا تشكل بديلا من مفاوضات جنيف التي ترغب الأمم المتحدة في استئنافها في الثامن من شباط/ فبراير.
اقرأ/ي أيضًا | سورية: مقتل 25 من عناصر جبهة فتح الشام
وتشهد سورية منذ آذار/ مارس 2011، نزاعا داميا تسبب بمقتل أكثر من 310 ألاف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
التعليقات