بعد أن هبطت طائرة محمّلة بأوراق نقديّة مطبوعة في روسيا، شرقيّ طرابلس، هذا الأسبوع، سارع السّكّان لقبض رواتبهم المتأخّرة منذ فترة طويلة، لكن في طرابلس حيث لم توزّع أوراق نقديّة طبعت في بريطانيا بعد أن اصطفّ النّاس بلا جدوى لسحب الأموال.
وسبّبت عمليّات التّوزيع المنفصلة حالة من اللبس في ليبيا، إلى جانب تحذيرات بأنّ مساعي الحكومة المدعومة من الأمم المتّحدة لتوحيد البلاد وإنقاذ اقتصادها المتعثّر قد تواجه عقبات.
وينظر إلى حلّ أزمة السّيولة الشّديدة باعتبارها مفتاحًا لنجاح حكومة الوفاق الوطنيّ، التي تسعى جاهدة منذ شهرين، لبسط سلطتها في طرابلس وجعل وجودها ملموسًا على الأرض.
ويقول سكّان في الغرب إنّهم لم يشهدوا أيّ تحسّن في حياتهم اليوميّة، بينما يسعى مسؤولون في الشّرق لتخفيف المصاعب الماليّة بشكل مستقلّ، محاولين بلا جدوى، تصدير نفطهم وطلب أربعة مليارات دينار ليبيّ (ثلاثة مليارات من الدولارات) من إمدادات العملة الجديدة.
وكان من المفترض أن تحلّ حكومة الوفاق الوطنيّ محلّ حكومتين متنافستين تشكّلتا في طرابلس وفي الشّرق، عام 2014. لكن محاولاتها للسيطرة على المؤسّسة الوطنيّة للنفط ومصرف ليبيا المركزيّ باءت بالفشل.
وقال المسؤول في المصرف المركزيّ، علي الجهاني، وهو في مدينة البيضاء بشرق البلاد "طلبنا من المطابع أن تطبع لنا لكن لم يقبل أحد. لهذا السّبب توجّهنا إلى الرّوس. لم يعد بإمكاننا الانتظار لأنّ الوضع الاقتصاديّ يتدهور في الشّرق".
ركود شديد
يشهد اقتصاد ليبيا تدهورًا سريعًا. وكانت ليبيا من أغنى الدّول في أفريقيا، لكنّ الصّراع والفوضى السّياسية، بعد الانتفاضة التي أطاحت بمعمّر القذافي قبل خمسة أعوام، دمّرا صادرات النّفط، التي شكّلت المصدر الوحيد تقريبًا للدخل.
ويقول البنك الدّوليّ إنّ إيرادات بيع النّفط تراجعت بنحو 15% عن مستواها عام 2013، بينما أدّى تضخّم الأجور العامّة وفواتير الاستيراد إلى عجز في الموازنة والحساب الجاري بنحو 75% في 2015. وتراجع الاحتياطيّ الأجنبيّ من 108 مليارات دولار في 2013 إلى 57 مليار دولار بحلول نهاية العام الماضي.
وتبلغ قيمة الدّينار الليبيّ في السّوق السّوداء نحو ثلث سعره الرّسميّ.
وتدهور المستوى المعيشيّ وارتفعت الأسعار، إذ زاد سعر الخبز إلى خمسة أمثاله، من العام الماضي فقط. ووفقًا للأمم المتّحدة يحتاج نحو 1.3 مليون شخص من سكّان ليبيا، وعددهم 6.3 مليون شخص لمساعدات إنسانيّة.
وتبدو الأوضاع في طرابلس طبيعيّة بشكل نسبيّ، فالطّرق مكتظّة والمتاجر والمطاعم الجديدة تفتح أبوابها في بعض الأحياء.
لكن دفع الرّواتب تأخّر لشهور، وفرضت البنوك قيودًا شديدة على عمليّات السّحب، الأمر الذي أدّى إلى اصطفاف طوابير طويلة خلال الليل. وفي الشّهر الماضي، حدث تدافع أمام أحد البنوك وقتل الحرّاس عددًا من الأشخاص بالرّصاص.
ويقول خبراء اقتصاد إنّ هناك الكثير من المال المتداول، لكنّ الناس يحفظونه في المنازل لأنّهم لا يثقون في البنوك.
وزادت خيبة الأمل من حكومة الوفاق الوطنيّ التي لا يزال أعضاؤها يعملون من قاعدة بحريّة مشدّدة الحراسة، في ساحل طرابلس، لا سيّما مع اقتراب شهر رمضان.
وقال وليد أقليح، وهو جنديّ يقف أمام بنك في طرابلس "رئيس الوزراء كذب علينا. قال لنا إنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام، ثمّ تركنا. ما الذي يفعله عند البحر، بينما نقف نحن هنا في طوابير؟".
انعدام الثّقة
يقول مكتبا المصرف المركزيّ في طرابلس بالغرب، والبيضاء في الشّرق، إنهما يتصرّفان بحياد لتخفيف حدّة الأزمة، وإنّ الأوراق النّقديّة الجديدة ستوزّع في جميع أنحاء البلاد.
وذكر الجهاني أنّ مكتب البيضاء سلّم بالفعل جزءًا من 200 مليون دينار، وصلت يوم الثّلاثاء، إلى ثمانية بنوك تجاريّة في الشّرق، بالإضافة إلى مناطق الجنوب. ومن المتوقّع أن يوزّع حصصًا على غرب ليبيا الأسبوع المقبل، وهو يتعاون بشكل كامل مع إدارة الإصدار في البنك بطرابلس.
وقال المصرف المركزيّ في طرابلس، والذي أمر بطباعة مليار دينار في بريطانيا، إنّ دفعة قيمتها 112 مليون دينار وصلت يوم الأربعاء وستوزّع على "البنوك في كلّ المدن الليبيّة دون استثناء".
لكن الثّقة منعدمة بشدّة. وقال الجهاني إنّ المصرف المركزيّ في الشّرق أجبر على التّحرّك لأنّه على مدى الشّهور الـ 18 الماضية، كان الشّرق يحصل على أقلّ من نصف مستحقّاته من طرابلس.
وانحاز المصرف المركزيّ في طرابلس إلى حكومة الوفاق الوطنيّ التي أصدرت بيانًا الأسبوع الماضي، قالت فيه إنّ توزيع الأموال المطبوعة في روسيا، سيؤدّي إلى انقسام سياسيّ وانهيار العملة وتضخّم شديد، رغم أنّ رسالة داخليّة مسرّبة أظهرت فيما يبدو أنّ الحكومة على استعداد لقبول هذا التّحرّك.
ووجّه دبلوماسيّون غربيّون انتقادات أيضًا. وقالت السّفارة الأميركيّة إنّها تشعر بقلق حكومة الوفاق الوطنيّة من أنّ الأوراق النّقديّة المطبوعة في روسيا "قد تكون مزيّفة وقد تقوّض الثّقة" في عملة ليبيا، وفي قدرة المصرف المركزيّ على إدارة السّياسة النّقديّة.
وقال معتزّ العريبيّ وهو أحد سكّان بنغازي "آمل ألّا تقود مسألة الأموال هذه إلى انقسام البلاد"، وقال العربيبي إنّ الأجور لم تدفع منذ أربعة أشهر "لكن إذا استمرّ الوضع الذي نواجهه، فسينقسم هذا البلد وسندفع الثّمن".
التعليقات