خطة شارون في "الإصدارات" الإسرائيلية / أحمد أبو حسين

-

خطة شارون  في
إستطاع رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون أن يحوّل خطة فك الارتباط الى مركز النقاش السياسي الدائر في اسرائيل، وأصبحت "يهودية" الدولة بؤرة أساسية وذريعة لقبول الخطة مقابل الرأي الاسرائيلي النقيض لها وبؤرتها الاساسية عدم التنازل عن أرض اسرائيل الكبرى.

وقد قسّمت خطة شارون الإنفصالية من جانب واحد الشارع الإسرائيلي إلى قسمين، مؤيد ومعارض، وانعكست أراء الشارع حتى داخل مركز حزب الليكود الذي أصبح مهددا بالإنشقاق إلى ليكودين، ليكود شارون وليكود بنيامين نتنياهو الذي يقود الجناح الاكثر تطرفا في الليكود.

واجتهد كتاب الرأي في تعداد وتحليل أهداف وأبعاد "خطة الإنفصال"، فتحمس لها الكثيرون وحذر منها قلة قليلة، واختلفوا فيما بينهم على أسباب طرح الخطة منذ أن طرحها لأول مرة في مؤتمر هرتسليا في ديسمبر 2003، وعدّد بنودها لأول مرة أمام يوئيل ماركوس الصحفي في هآرتس في فبراير 2004، وقد اعتبرها البعض تنفيذا "لعالمه السياسي" وشكك البعض الآخر بها واعتبرها تغطية لفضائح الرشوى والفساد المتعلقة بالجزيرة اليونانية.

وبرغم انتصار شارون في الإنتخابات الداخلية رفض تقديم الإنتخابات التمهيدية، تبقى خطة الفصل مهيمنة على "البولموس" أو النقاش السياسي داخل الليكود والشارع الإسرائيلي، وسيتضح لنا أن هذا الجنرال العسكري الذي شغل حيزا لا بأس به في حياة الإسرائيليين وثقافتهم السياسية منذ مجزرة قبية الفلسطينية وملاحقة الفدائيين الفلسطينيين في غزة ودوره في حروب الإستنزاف وأكتوبر ولبنان، مرورا بحياته السياسية التي شهدت هزّات ونكسات ووصلت أسهمه إلى الحضيض الإسرائيلي، وبعناد ومثابرة وبقدرة أمريكية تحوّل البلدوزر باني "المستوطنة الحديثة" الى " رجل السلام"، سيتضح لنا أنه ليس مجرد رجل دولة أو جنرال عادي اشترك في الحروب وأنه تعلم من أخطاء الماضي لذلك تجده متابعا ولاعبا يتقن اللعبة أفضل بكثير من اللاعبين في الحلبة السياسية في المنطقة.

في كتاب إسرائيلي أخير بعنوان "الحرب السابعة " طبعة ثانية وجديدة محتلنة صدرت أوائل سبتمبر 2005 عن دار يديعوت أحرونوت للصحفيين الإسرائليين آفي يسسخاروف المراسل للشؤون العربية في الإذاعة الإسرائيلية وعاموس هارئيل المراسل العسكري في صحيفة "هآرتس"، يستعرض الكتاب "كيف انتصرنا ولماذا خسرنا الحرب مع الفلسطينيين "، وأهمية هذا الكتاب الذي صدر قبل حوالي العام أنه صدر في طبعة جديدة تحوي فصلا جديدا "حكاية موت عرفات"، ونذكر هنا أنه في أواسط سبتمبر 2005 راحت الفضائيات العربية تحاور المحللين السياسيين والفلسطينيين عن إحتمال موت عرفات بالتسمم وإصابته بالإيدز، بناء على معلومات إسرائيلية بمعنى أن "الفلسطينيين يعلّقون بعد أن يتكلم الإسرائيليون" .


ما يهمنا هو الآن وفي سياق هذا الكتاب إستعراض تسلسل الأحداث بشكل يثير للإعجاب بخطة الفصل الشارونية حتى أن "الجوروزاليم بوست" اعتبرته "بحثا صحفيا شاملاً"، يراجع الكتاب تسلسل الأحداث كما يلي :

1- في 2 فبراير 2004 شارون يعلن رسميا خطة الفصل بعد خطاب هرتسليا في ديسمبر2003
2- في 22 مارس 2004 إسرائيل تغتال الشيخ أحمد ياسين .
3- في 17 ابريل 2004 إسرائيل تغتال القيادي في حركة حماس عبد العزيز الرنتيسي .
4- في 12 مايو 2004 تبدأ عملية عسكرية "قوس قزح" في رفح واستشهاد 129 فلسطينيا
5- في 6 يونيو 2004 الحكومة الإسرائيلية توافق على خطة الفصل المعدلة ودفع تعويضات
للمستوطنين .
6- في 30 سبتمبر 2004، عملية عسكرية إسرائيلية سميّت " أيام الرد" تسفر عن قتل
أكثر من مائة فلسطيني .
7- في 11 نوفمبر 2004 رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في باريس .
8- في 9 يناير 2005 إنتخاب "أبو مازن" رئيسا للسلطة الفلسطينية .
9- في 8 فبراير 2005 عقدت قمة شرم الشيخ واتفق "الأطراف" على "التهدئة"

وبعد ستة أشهر وبالتحديد في 15 اغسطس 2005 بدأت عملية إخلاء المستوطنات في غزة وشمال الضفة.

ووفق الفصل الجديد من الكتاب الإسرائيلي المحتلن ووفق خطة شارون كان لا بد أن يختفي ياسر عرفات من الحلبة السياسية لتنفيذ خطة الفصل. ويكشف كتاب اسرائيلي آخر "بومرنغ" أو الكيد المرتد لعوفر شيلح ورفيف دروكر أن رحيل "الدومنو" الفلسطيني سهّل المهمة في الداخل الإسرائيلي فقد نزل بنيامين نتنياهو عن الشجرة التي اعتلاها بضرورة التخلص من ياسر عرفات فورا، ولم يبق له حجة أمام شارون، إلى أن احتدم النقاش حول خطة الفصل اختار أن يكون معارضا لها لمطامحه الشخصية والإنتهازية بالعودة إلى رئاسة الليكود ومن ثم الحكومة.

ويكشف "بومرينغ" عن مدى تدخل الشاباك والجيش في عمليات التصفية والإغتيال بقيادة موشيه يعلون قائد الأركان الإسرائيلي دون الأخذ بالحسبان إنعكاسات هذه العمليات ونتائجها من ردود فعل فلسطينية ومن ثم استمرار حمام الدم.

وينتقد الكتاب عملية إتخاذ القرار في القيادة العسكرية الإسرائيلية لتنفيذ إغتيال قيادات فلسطينية دون الرجوع للقيادة السياسية. وقد جاء في الكتاب أن الجيش نفّذ إغتيالات لقيادات من حماس والجهاد الإسلامي دون أخذ موافقة الحكومة الإسرائيلية، وكانت الحكومة الإسرائيلية قد رحبّت بالعمليات ولم يشر أحد من أعضائها لخلل ما في عملية إتخاذ القرار، وقد أراد "بوميرنغ" أن يقول للقراء أن هناك تياراً في قيادة الجيش تصرف وفق مزاجه ومعتقداته دون إعتبار أن هناك سلطة تنفيذية مسؤولة عن الجيش.

ويكتب بنيامين نتنياهو في مقالته المنشورة في كتاب "تقسيم البلاد" للصحفي الإسرائيلي آري شفيط الصادر عن دار "كيتر" قبل ثلاثة شهور " في الإنسحاب أحادي الجانب دون مقابل يوجد خطر وجودي، وإذا تم تنفيذ عملية الفصل "أ" وتبعها فصل "ب" وفصل "ج" سنقف أمام تهديد "بالقتل" لذلك "الثمن أو المقابل الذي يجب نأخذه هو أساس حيوي".

وكان آري شفيط "صاحب" الكتاب المذكور والذي يعرّف نفسه على أنه ابن اليسار الإسرائيلي سابقا وأحد المتحمسين لخطة الفصل الشارونية، قد شجع شارون في مقالة في هآرتس يوم 29-9-2005 بعنوان"ليكودستان تبقى ليكودستان" أن يقيم حزبا جديدا برغم "الإنتصار المفاجئ" داخل حزبه محذرا أن لا ضمان لإستمرار خطته المستقبلية مع مركز يعارض مبدأ "تقسيم البلاد" وفق ما يريد شارون، لذلك لا بد من الإنشقاق وإقامة حزب مركز تعقد عليه الآمال لأنه لا يعقل أن يستمر في الخطة "تحت رحمة أعضاء مركز الليكود ".

وفي مقالة أخرى ذكر يسرائيل هارئيل في "هآرتس" في اليوم نفسه أسباب نجاح شارون في الإنتخابات الداخلية على منافسه بنيامين نتنياهو " الضغوط الجدية على أعضاء مركز الليكود بفقدان الوظيفة، واعتزال شارون سيكون سبب خسارة الليكود الحكم في إسرائيل، أن لا تكون حجة لشارون أن ينظم صفوف مؤيديه لتشكيل حزب جديد، وفضيحة الميكريفون وعدم سماع كلمته أمام مؤتمر الليكود ". لذلك تبقى مسألة الزمن حاسمة في مستقبل شارون السياسي، كيف سيسلك مع أعضاء حكومته، أم أنه ذاهب إلى الإنشقاق الحزبي والتخطيط المؤامراتي . والبحث عن صيغة مشتركة مع أبناء حركة العمل التاريخية خاصة أنه ترعرع فيها.

ولتأكيد هذا الكلام لا بد من العودة مرة أخرى الى كتاب آري شفيط " اليساري " الذي يفسّر حماسه لشارون ولا ننسى أن اليسار الإسرائيلي تحمس لخطته، يقول شفيط :

" النزاع العربي الإسرائيلي هو نزاع بين شعب واقع تحت الاحتلال وشعب مهدد بالخطر وبناء على هذين الأساسين يتحول النزاع إلى خاص، الإحتلال والتهديد، لا يوجد شعب في العالم موجود تحت الاحتلال المستمر مثل الشعب الفلسطيني ولا يوجد شعب في الدنيا موجود تحت وطأة التهديد الوجودي مثل الشعب اليهودي الاسرائيلي، لذلك لا حل للنزاع الصعب بين الإسرائيليين والفلسطينيين بدون علاج مواز للإحتلال والتهديد بالخطر. ليس الإحتلال هو الذي وجد التهديد بالخطر بل التهديد بالخطر هو الذي أوجد الإحتلال ".

هذا هو ملخص كتاب الصحفي الإسرائيلي آري شفيط " تقسيم البلاد" الذي صدر مؤخرا كما ذكرت أعلاه ونشرت صحيفة هآرتس فصله الأخير في حزيران الماضي وقامت بترجمته عدة صحف عربية لتوضيح رؤية شارون وشهدت في أعقاب التلخيص المنشور نقاشا إسرائيليا داخليا حادا حول نوايا شارون الحقيقية، حتى أن بعض الصحفيين المعدودين على اليسار الإسرائيلي أمثال عكيفا الدار إستهجنوا مما كتبه شفيط خاصة وأنه انتقل من مواقع اليسار الإسرائيلي إلى أشد المتحمسين لخطة شارون الإنفصالية. ونذكر في الصدد وكي لا تختفي بوصلة القارئ أن اليسار الإسرائيلي برمته أيّد "خطة فك الإرتباط" أو "خطة الفصل"، وكان عكيفا الدار ودانيل بار طال وهو بروفسور في علم النفس السياسي في جامعة تل ابيب قد كتبا ردا مشتركا في هآرتس 1.7.2005 بعنوان "عودة إلى المشروع القومي الفاشل" قالا فيه " أن البعد بين الإدعاء أن إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا وبين الواقع هو كبعد السماء عن الأرض، وإذا كان الإحتلال على حد قول شفيط نتاج التهديد الوجودي لدولة إسرائيل لماذا لا نعتبره نتاج النية بتوسيع حدود الدولة وتطبيق فكرة أرض إسرائيل الكبرى ".


في كتابه الأخير " تقسيم البلاد " .. إسرائيليون يفكرون في الإنفصال الصادر دار النشر الإسرائيلية "كيتر" كتب الصحفي الإسرائيلي آري شفيط في مقدمة كتابه " طوال السنين التي مرت، عشت داخل صورة عالم حادة، إعتقدت أن المستوطنين هم الأعداء، الفلسطينيون هم الضحية، الإحتلال مصدر الشر، يمكن تحقيق السلام بسبب أن الكل تشوش بعد أن إخترقنا حدود الرابع من حزيران، الكل سيرجع إلى ما كان عليه في حالة سلام عندما نعود إلى حدود الرابع من حزيران، إذا الكل متعلق بنا، وفقط بنا. يشعياهو ليفوفيتش كان بالنسبة لي هو النبي، لوبا الياف، إسحاق بن أهرون ويوسي سريد هم كهنة الحقيقة، وإذا طردنا الروح الشريرة القومجية من بين ظهرانينا ونتقيأ من داخلنا أريك شارون وغوش ايمونيم ونخرج في النهاية من الضفة الغربية وقطاع غزة، وإذا عدنا إلى الخط الأخضر، سيتحقق السلام ".

يواصل شفيط " هذه كانت الأمنية، بعد جيل في البلاد وبعد جيل الدولة جاء جيل الإحتلال كنت من هذا الجيل الأخير، جيل لم ير في عينيه غير الإحتلال، جيل لم يفكر في الواقع السياسي دون أن يرتبط بالاحتلال، إعتقد هذا الجيل بسذاجة أن النزاع هو الاحتلال، جيل الذي حوّل الوقوف ضد الإحتلال لمركز حق تقرير مصيره، جيل كان مخلصا للأمنية الطاهرة وأحادية الجانب الحياة ضد الإحتلال ".

عشت هذه الفترة، من العرائض ضد غولدا مئير حتى المظاهرة الكبرى ضد شارون، من الهامش المتمثل ب "سياح - اليسار الإسرائيلي الجديد" إلى قلب حركة السلام الآن .. في البداية "موكيد" وبعدها "راتس" وبعدها "ميرتس"، في البداية كانت أسبوعية "هعولام هزية" وبعدها "كوتيرت راشيت" وطوال هذه الفترة كنت من مجموعة الإسرائيليين الذين عاشوا ينتظرون الإنسحاب ومنذ ذلك الوقت الذي أتذكر نفسي، كنا ننتظر الإنسحاب، وكلما أتذكر نفسي أتذكر أننا ننتظر الإنسحاب، نتمناه ونؤمن به ونعتبرة تطلع الجميع ".



يقول آري شفيط : هذا ما كنت أؤمن به إلى أن اندلعت الإنتفاضة الفلسطينية في ديسمبر كانون أول 1987، إكتشفت عندها أن التمسك بالإنسحاب، أي انسحاب لا تقل خطورة عن التمسك بأرض إسرائيل الكاملة، يتابع قائلا : قمت بنشر مقالة في 24 فبراير 1988 عن أطروحتين إسرائيليتين قد فشلتا وأعلنتا الإفلاس بسبب الإنتفاضة، أطروحة الصقور التي تقول يمكن أن تحكم شعب غريب أو أجنبي (وفق الترجمة العبرية ) إلى الأبد، والأطروحة الحمائمية التي تعتقد أن الإحتلال هو بؤرة النزاع العربي الإسرائيلي، الصقور لا يريدون الإقتناع أن هناك ابعاداً أخلاقية وعسكرية وسياسية للإحتلال، والحمائم يرفضون الإعتراف أن الخط الأخضر لا يلزم قسما كبيرا من الحركة الوطنية الفلسطينية، لذلك فالإدعاء القائل من قبل اليمين الإسرائيلي "اليوم نابلس وغدا يافا" هو إدعاء جدي جدا، حتى لو سمعناه من الديماغوغيين. وهذا لا يعني أنه يجب أن نبقى في المناطق ولكن علينا الإهتمام أن الإنسحاب من المناطق لا يولد تأثيرا سلبيا، ومن يؤمن أن الإنسحاب الى حدود 1967 هو أمر حياة بالنسبة لنا، عليه أن يقترح طرقا تضمن أن هذا الإنسحاب هو الأخير. وفي هذه الظروف يجب أن تكون "عملية مزدوجة" تنقذ إسرائيل من الحالة التي سببتها لنفسها، عودة الى حدود 1967 مع "تغييرات بسيطة"، على الصقور أن يفهموا أنه لا حياة لنا إلا بحدود إسرائيل الصغيرة وعلى الحمائم أن يفهموا أيضا أنه في المستقبل المنظر لا حياة لنا إلا من وراء الحائط الحديدي ".

"وبعد مرور سبع عشرة سنة من المقالة، هذا هو موقف الأكثرية الإسرائيلية اليوم بعد أوسلو وكامب ديفيد وأربع سنوات من حرب الإرهاب، الإنسحاب حيوي ولكن الإنسحاب خطير وهو شبيه بعملية قلب مفتوح . وإذا لم تنفذ إسرائيل عملية تقسيم البلاد مستقبلها في خطر وإذا لم تنفذ إسرائيل عملية التقسيم وفق الشروط سينزف دمها في غرف العمليات ".

من هنا جاء الإنفصال، من هنا جاء جدار الفصل، " إنسحاب قبل السلام " كما يفسره آري شفيط، وهل الإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة وشمال الضفة هو عملية صحيحة، وهل تقترح خطة شارون لاسرائيل انسحابا صحيحا ..

يبقى السؤال، هل سيحدث الإنشقاق داخل الليكود؟ هل يؤسس شارون حزبا جديدا؟ هل يفكر قادة حزب العمل بإنقاذ شارون من ورطته، من ينقذ خطوات شارون القادمة ؟


التعليقات