"بالمقارنة.. ستكون الحرب الأخيرة على لبنان لعبة أطفال"..
كتب: هاشم حمدان

-

كتب: هاشم حمدان" width="640" height="376" onerror="this.onerror=null; this.src=document.getElementById('broken_img_alt').value">
يبدو أن هاجس الحرب القادمة لا يزال يشغل الجيش الإسرائيلي، وبشكل خاص "التهديد الصاروخي" الذي تشكله سورية بالأساس، وكذلك حزب الله. وتناول تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" القوة الصاروخية السورية، التي من شأنها أن تجعل، بالمقارنة مع الحرب المستقبلية، الحرب الأخيرة على لبنان لعبة أطفال، لدرجة جعلت جنرال احتياط في الجيش الإسرائيلي يصرح بأن ما يمكن أن تطلقه كتيبة سورية من النيران خلال ساعتين أكثر مما أطلقه حزب الله على إسرائيل خلال أيام الحرب الأخيرة.

ويتركز التقرير حول التهديد الصاروخي على الجبهة الداخلية، مما يضع هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في معضلة تجعله يفاضل بين ضرب القوات البرية للطرف الثاني، الذي يفترض أنه سورية، أم ضرب القدرات الصاروخية لإزالة التهديد عن الجبهة الداخلية، وبالتالي تقليص الضغط النفسي على الجنود في الجبهة.

فقد كتب عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس" أن التوقعات التي عرضها جنرال احتياط يعكوف عميدرور، في نهاية الشهر الماضي، في مؤتمر تأسيسي للجمعية للدفاع من الصواريخ، تبدو مقلقة. وعميدرور، الذي أشغل في السابق منصب رئيس شعبة الدراسات في الاستخبارات العسكرية، لا يميل في الأيام العادية إلى التفاؤل الزائد، ولكن السيناريو الذي رسمه هذه المرة يبدو كسيناريو رعب. وبحسب أقواله فإنه في حال تورط إسرائيل في المستقبل بحرب مع جيش تقليدي لدولة مجاورة (من المرجح أن الحديث هو عن سورية)، فإنه وبالمقارنة مع تهديد الصواريخ التي ستتعرض لها إسرائيل عندئذ، فإن حرب لبنان الأخيرة ستبدو كأنها لعبة أطفال.

وما استعرضه عميدرور علانية يطابق كثيرا السيناريوهات التي يستعد لها الجيش الإسرائيلي على أرض الواقع، بعيدا عن أعين الإعلام والجمهور. ولن يكون التهديد فقط على المراكز السكانية في الجبهة الداخلية، فهذه المرة لن يتوقف عند خط العفولة - الخضيرة، مثلما حصل في الحرب في العام 2006، وإنما سيغطي غالبية البلاد. وبشكل مواز، فمن المتوقع أن تطلق سورية، بالإضافة إلى حزب الله، المدفعية والصواريخ باتجاه أهداف من نوعين آخرين؛ على القوات على الجبهة، وعلى أهداف عسكرية في الجبهة الداخلية، بدءا من مقرات القيادة والقواعد العسكرية في قيادة الشمال و"الكرياه" في تل أبيب، وحتى مواقع حشد وحدات الاحتياط المتجندة. وسوف تضطر الصواريخ ذات المدى المتوسط، والتي يتسلح بها الجيش السوري على نطاق واسع، الجيش إلى الاستعداد والانتشار بشكل آخر في المراحل التي تسبق وصول التعزيزات إلى الجبهة.

وقال عميدرور: "لم يحصل أبدأ وأن خضنا حربا كانت قواعد الجيش فيها مهددة. نحن لا نمتلك هذه التجربة. ووقفنا للمرة الأولى على "طرف" ذلك عندما قصفت وحدة الرصد الجوي بالصواريخ في جبل الجرمق/ ميرون في أيار/مايو 2006، أي قبل نشوب الحرب الأخيرة على لبنان". وأضاف أن كتيبة صواريخ سورية تستطيع أن تطلق خلال ساعتين أكثر مما أطلقه حزب الله طوال الحرب، على حد قوله.

لقد غيرت الحرب الأخيرة على لبنان إلى حد كبير الطريقة التي تنظر فيها إسرائيل إلى التهديدات المحدقة بالجبهة الداخلية. ومن الممكن الافتراض أن وزير الأمن لن يدعي، ولا رؤساء هيئة الأركان، أن الجبهة الداخلية ليست ذات صلة، مثلما فعل رئيس هيئة أركان الحرب دان حالوتس، في الأيام الأولى للمعركة. فالجيش يتحدث الآن عن مبدأ رابع، ينضاف إلى المركبات الثلاثة الكلاسيكية لنظرية الأمن الإسرائيلية. فلم يعد يكفي "الردع والردع والردع" فقط، وإنما ينضاف إليها "الدفاع".

ويضيف هرئيل أن وزير الأمن الحالي، إيهود باراك، يشتق نظريته السياسية للسنوات القادمة من التهديد القائم. وبحسب وزير الأمن فهناك ضرورة عاجلة لتطوير منظومات دفاعية مستكملة من الصواريخ على مختلف أنواعها. وقد تم تخصيص مبلغ أولي لذلك بعد الحرب، خلال فترة تولي عمير بيرتس منصب وزير الأمن. ولكن باراك يدعي أنه فقط بعد أن يكون بحوزة إسرائيل الرد الدفاعي على "القسام" و"الكاتيوشا"، علاوة على صاروخ "حيتس" للدفاع عن إسرائيل من "السكاد" السوري و"الشهاب" الإيراني، عندها يمكن الحديث عن انسحابات أخرى من مناطق في الضفة الغربية. وعلى أرض الواقع فإن موقف باراك يعني تأجيل "العملية السياسية" لمدة 3-5 سنوات، في حال الموافقة على التوقعات المتفائلة جدا لأجهزة الأمن بشأن موعد نضوج مشروع الدفاع من الصواريخ قصيرة المدى.

وإلى حين بلورة الرد الدفاعي، لا يزال يطرح السؤال في إسرائيل: "هل إسرائيل قادرة على ردع الدول المجاورة من جهة الهجمات الصاروخية عليها؟. وعلى هذا السؤال يجيب بأن الجواب المقبول بنظر الشارع الإسرائيلي هو سلبي، بعد لبنان. وذلك لأن سورية وحزب الله والمنظمات الفلسطينية تصرف ميزانيات أكثر على إنتاج وامتلاك الأسلحة الراجمة في السنوات الأخيرة، الأمر الذي بدأ يشكل تهديدا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، سورية وحزب الله من الشمال، وقطاع غزة في الجنوب الغربي، في حين أن الكابح الوحيد من إطلاق الصواريخ من الشرق (من الضفة الغربية) يكمن في العمليات المكثفة التي يقوم بها الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) ضد خلايا المقاومة فيها.

ويقول هرئيل أنه بين بناء "التهديد" وبين استخدامه على أرض الواقع هناك فجوة كبيرة، عندما يكون "العدو" دولة، على الأقل. وبعد الحرب، كان يجب على دمشق أن تسجل أمامها أمرين/ درسين يفترض أنهما يلجمان حماسها لفحص قدرة إسرائيل على امتصاص الضربات.

الدرس الأول يتصل بالبنى الإستراتيجية: فإسرائيل ورغم الضغط الذي مارسه حالوتس على المستوى السياسي، قللت من مهاجمة البنى التحتية المدنية في لبنان أثناء الحرب، ومن هنا كانت الصعوبة في هزيمة حزب الله. وفي المقابل فإن سورية، كدولة منظمة، لديها الكثير من الأهداف الإستراتيجية (المياه والكهرباء، وحتى الحواسيب)، والتي ستبذل كل ما بوسعها للمحافظة عليها أثناء الحرب.

أما الدرس الثاني فهو مرتبط بما يسمى "ليل صواريخ الفجر"، والإشارة هنا إلى الهجوم الجوي على الصواريخ متوسطة المدى التي كانت موجودة بحزب الله، في فجر الثالث عشر من تموز/ يوليو من العام الماضي.

وبحسبه فـ"إذا كان سلاح الجو والاستخبارات الإسرائيلية قادرين على جمع معلومات فعالة عن منظومة سرية للحزب الله، وتدميرها بضربة واحدة، فلماذا لن يستطيعوا العمل بنجاعة مماثلة أيضا ضد صواريخ تعود لهيئة منظمة أكثر وأكبر، مثل الجيش السوري؟"..

ورغم أنه يقر بأن هذه الادعاءات تبدو كمحاولة إسرائيلية للتهدئة الذاتية، إلا أنه يعتقد أنها كذلك حتى السادس من أيلول/سبتمبر من العام الحالي. حيث اعتبر القرار السوري بعدم الرد على هجوم سلاح الجو الإسرائيلي في شمال سورية إدراكا من السوريين لمدى قوة الجيش الإسرائيلي بالمقارنة مع الجيش السوري، على اعتقاد أن "الأول نفذ عملية معقدة اشتملت دمجا ناجعا للاستخبارات والعمليات، علاوة على التهرب من المضادات الأرضية السورية"، ما يعني إبعاد شبح الحرب قليلا، وليس نهائيا، على حد قوله.

وفي السياق ذاته، نقل عن ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي أنه يجب على إسرائيل أن توضح للسوريين، سلفا، أنه في حال وقوع حرب مستقبلية، فإن هناك خطوطا حمراء لن يسمح بتجاوزها أبدا. وقال الضابط المذكور: "لم تحطم حرب لبنان الطابو بشأن الهجوم على الجبهة الداخلية.. يجب أن تفهم دولة مثل سورية أنها ممنوعة من إطلاق النار على الإسرائيليين، وليس مهما ماذا ستكون بالضبط إنجازات سلاح الجو بعد يومين أو ثلاثة من الحرب. لدينا الأدوات لإخراج المدنيين من دائرة الحرب من البداية. ومن الممكن أن نحدد ذلك الآن بواسطة الردع، وأن نوضح للسوريين بأن ذلك ليس مقبولا بأي شكل، وأن أي صاروخ يسقط على تل أبيب سيليه رد لم يسبق لم مثيل من جهتنا. ولسورية يوجد الكثير لتخسره".

كما جاء أنه في االتدريبات التي أجراها الجيش في هذا العام، والتي بلغت أوجها في الشهر الماضي، تم تكريس وقت كبير لمسألة معالجة تهديد الصواريخ. لا يوجد لإسرائيل القدرة الكافية على تحديد أمكنة صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى وتدميرها قبل إطلاقها. والوضع يكون أفضل بكثير عندما يكون الحديث عن صواريخ بعيدة المدى، التي تترك "آثارا استخبارية ملموسة ومهمة" تتيح في حالات كثيرة تحديد موقعها وتدميرها قبل إطلاق الصاروخ الأول، أو فور إطلاقه.

وفي هذا السياق يشير إلى أنه يوجد خلاف حول مدى النجاح في الحرب مقابل صورايخ حزب الله متوسطة المدى. حيث يقول باحث الصواريخ عوزي روبين، في وثيقة نشرت في نيسان/ أبريل الماضي، إن سلاح الجو قد بالغ في تقدير نجاحه في هذا المجال. وتوصل روبين، الذي أشرف على تحليل عدد المرات التي أطلق فيها صواريخ متوسطة المدى خلال الحرب، أنه لم يحصل تغيير ملموس. فهو يشك بأن قسما من القاذفات التي تضررت من قصف سلاح الجو الإسرائيلي هي وهمية، وأن حزب الله تمكن من استبدال القاذفات التي تضررت خلال الحرب. وقد فوجئ أحد كبار الضباط في سلاح الطيران بهذه الدراسة، وقال إنه لا يزال يتمسك بنتائج سلاح الطيران، إلا أنه أضاف "يتوجب الإطلاع على ادعاءات روبين".
وقبل شهرين عرض رئيس هيئة أركان الجيش، غابي أشكنازي، ونائبه في حينه، موشي كابلينسكي، أسس الخطة الجديدة للجيش والتي تمتد على سنوات، مع التأكيد البارز على أهمية التوصل إلى البت بسرعة في تطوير القوات البرية بشكل ملموس، والتي فشلت فشلا ذريعا في الحرب الأخيرة على لبنان. وليست الإشارة هنا إلى توسيع التدريبات، وإنما إلى التزود بكمية كبيرة من العتاد تشمل المدرعات، الأفضل تدريعا، والدبابات، وحتى قيادة فرقة جديدة.

ويبدو أنه في السطر الأخير فإن ذلك يعني إعادة بناء القدرات البرية مجددا. ويبدو، على الأقل، أن الجيش يرى السبب الرئيسي لفشله في هزيمة حزب الله في عدم تفعيل القوات البرية لعمليات هجومية في البداية، في المراحل الأولى للحرب.

ويضيف "كان أشكنازي قد قال عدة مرات إنه في حال اندلاع الحرب، فإن أحد الأهداف البارزة هي ألا يتساءل أحد في نهاية الحرب عن المنتصر، لأنه سيكون من الواضح أن الجيش الإسرائيلي قد انتصر. وعلم أن أقوال أشكنازي هذه قد أثارت القلق في وسط عدة جنرالات وخريجي هيئة أركان موشي يعالون ودان حالوتس. فمن أجل تحقيق الحسم على الأرض، فإن ذلك يتطلب إنزال ضربات ملموسة لدى القوات الموازية لدى "العدو"؛ الدبابات والقوات المضادة للدروع، والمدفعية، والقيادات، وهي أهداف يتم تحقيق بعضها عن طريق الهجمات الجوية. ورغم أن سلاح الجو يعتبر من بين القوات الأفضل في العالم، إلا أن موارده محدودة.
والمعضلة في هذه الخلاصة هي أنه في حال اندلاع الحرب، ستضطر قيادة هيئة الأركان في الأيام الأولى إلى البت بأية مهمة هي العاجلة أكثر؛ ضرب القوات البرية لسلاح "العدو" من أجل حسم المعركة، أم شل المنظومة الصاروخية لديه من أجل إزالة التهديد الماثل على الجبهة الداخلية. من الممكن تنفيذ الأمرين سوية، ولكن إلى حد معين، فالتركيز على المعركة البرية من الممكن أن تبقي لدى العدو قدرات على مواصلة ضرب الجبهة الداخلية، وهذا تهديد يصبح مقلقا عندما نتذكر أن سورية هي قوة عظمى حقيقية في مجال الأسلحة الكيماوية".

ويتابع أن هناك صعوبة أخرى تكمن في أن المعلومات الإستخبارية حول الصواريخ هي جيدة مهما كانت، ولكنها مؤقتة. فـ"العدو" يستطيع دائما تحريكها في المراحل الأولى للحرب، وخلق صعوبة في تحديد مواقعها الجديدة بشكل مؤكد. ربما يكون الجيش على استعداد لأن يقسم بأن معالجة الجبهة الداخلية ستكون مختلفة في جوهرها في المرة القادمة، ولكن الحرب الأخيرة أبقت مكانا كبيرا للقلق بشأن كل ما يتصل بالقدرة على امتصاص الضربات من الجمهور، وبالأساس بقدرة السلطات على تقديم المساعدة للجمهور.

وعدد عميدرور في تلك المحاضرة المصاعب المتوقعة: "سيكون هناك ضغط كبير على الجيش لإنهاء هذا التهديد، تهديد الصواريخ، ولكن الضغط في الجبهة الداخلية سيجعل الحرب صعبة على الجبهة من الناحية النفسية. فالجنود سوف يتساءلون عن عائلاتهم. سلاح الجو سيقصف الصواريخ بعيدة المدى، ولكنه سيجد صعوبة في قصف الصواريخ قصيرة المدى. وسيكون على الجيش أن يخصص قوات برية لمعالجة مناطق الإطلاق، حتى لو لم يكن من الصواب القيام بذلك من زاوية الاعتبارات العسكرية الصرفة".

التعليقات