مركّز سابق في الشاباك:"جنود الإحتلال هدف مشروع لعمليات المقاومة"..

-

مركّز سابق في الشاباك:
نشرت صحيفة "هآرتس" مقابلة مطولة مع أحد المركّزين في جهاز الأمن العام (الشاباك) والذي عمل في الجهاز مدة عشرين عاماً، يتحدث فيها عن تجربته في إيران ولبنان وفي مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، وعمله في تجنيد العملاء في المخيمات الفلسطينية في لبنان والقرى الواقعة جنوب مدينة صور، وفي قطاع غزة، بالإستفادة من الضائقة التي يعاني من السكان الواقعين تحت الإحتلال. كما يتحدث عن توصله إلى نتيجة أن "الواقع يتفوق على الخيال" فيما يتصل بعمليات المقاومة. ويقتبس قول إيهود براك قبل عدة سنوات "لو كنت فلسطينياً لانضممت إلى أحد فصائل المقاومة"، ليقول" لو كنت فلسطينياً لجعلت حياتنا (الإسرائيليين) مريرة.. تنفيذ العمليات مشروع، وأيضاً جنود الإحتلال هدف مشروع لعمليات المقاومة".

كما يعترف في سياق الحديث أنه لا يمكن القضاء على المقاومة، وأن مجرد اعتقال أحد عناصرها يعني نشوء أربعة مقاومين محتملين بدلاً منه. كما يوجه انتقادات شديدة إلى المستويات السياسية كمن لم تقم بدورها كما يجب، كما يشير إلى عدم محاسبة المستوى السياسي الأمر الذي أتاح نشوء جيل من السياسيين على قناعة بأنه يمكنه القيام بأي شيء بدون محاسبة.

وننوه بأنه يجدر ألا يغيب عن الأذهان أن الحديث عن رجل شاباك خدم في الجهاز مدة عشرين عاماً، ويمتنع عن توجيه النقد إلى جهاز الأمن العام (الشاباك)، بل يبدو متجنداً للدفاع عنه..


..............

خدم نيسيم ليفي في جهاز الأمن العام (الشاباك) مدة عشرين عاماً. وفي إطار منصبه كمركز ميداني في لبنان في العام 1984، وفي مخيمات اللاجئين في قطاع غزة قبل وبعد اتفاق أوسلو، كان على اتصال متواصل مع الطرف الثاني من خلال المطاردات التي لا تنتهي وراء "حفنة" أخرى من المعلومات.

وهو غير نادم على أي شيء قام به أثناء عمله في الشاباك، إلا أنه يكن الكثير من التعاطف والتفهم لأولئك الذين لاحقهم، أكثر مما يكنه للقيادة الإسرائيلية التي أرسلته في أعقابهم. وهو لا يتحدث عن جهاز أمن ظلامي يعذب الناس، وإنما، بنظره، فمجرد وجود قوات إسرائيلية في الأراضي المحتلة يمنح الطرف الثاني شرعية تنفيذ عمليات.

يقول ليفي:" ذات مرة أبلغت، في لبنان، بأنهم ألقوا القبض على فتى، 12 عاماً، وبحوزته عبوة ناسفة. لم أصدق، واعتقدت أن الجنود باتوا يرون ظل الجبال جبالاً. وصلت إلى المكان واتضح أن الفتى كان يسير في طريقه ويحمل عبوة ناسفة. سافرت معه إلى قريته، ودخلنا بيته، وسألت والده إذا كان هذا ابنه، فأجاب بالإيجاب. فأخبرته بأننا ألقينا القبض عليه وهو يحمل عبوة ناسفة، فنظر إلي الأب وحرك يده بطريقة تشير إلى أنه لا يملك أن يفعل شيئاً".

"سألت الفتى عمن أعطاه العبوة، فأجاب بأنه عثر عليها. وسألت الأب إذا كان هو من أعطاه العبوة، فنفى. ما العمل؟ لن أعتقل فتى لا يزيد عمره عن 12 عاماً، فأبقيته في بيت والده، وقلت له إنه في حال تم ضبطه مرة أخرى سيتم اعتقاله واعتقال أبيه".

" وبعد أسبوع، حصلت القصة ذاتها مع نفس الفتى، فأخذته إلى والده ثانية، وقال لي بأنه لا يملك السيطرة عليه، فهو يذهب إلى المدرسة، ويعطونه العبوة لإلقائها. وتابع الأب "هكذا نربي الأولاد". صدقت ما يقوله بأنه لم يقم بإعطاء العبوة لولده، وقلت له:" أنت تعرض حياة الفتى للخطر، سوف يموت"، فأجاب:" إذا كان سيموت.. فليمت.."..

وصل ليفي إلى نتيجة أن "الواقع يفوق أي خيال". ويصف في كتابه، الذي صدر مؤخراً، التجارب التي خاضها في إطار عمله كمركز لجهاز الأمن العام في لبنان أثناء ملاحقته لعناصر المقاومة التي تنفذ العمليات ضد الجيش. لم تنته المطاردات بالنجاح في كل الأحيان. وعلى طول قصته يخيم السؤال" ماذا نفعل هنا في لبنان" ويعلق على قصته بالقول:" من كان يعتقد أن القصة خيالية، فلديه خيال متطور، أما من يعتقد أن هذا ما حصل على أرض الواقع، فهو بالتأكيد كان هناك"..

ويقول ليفي في المقابلة مع صحيفة "هآرتس" إنه على قناعة بأن حرب لبنان الثانية هي نتيجة مباشرة للأخطاء التي ارتكبت في الحرب الأولى، ويتخيل ماذا سيحصل لو وقعت عملية كبيرة فور دخول الجيش الإسرائيلي إلى لبنان في العام 1982 وأدت إلى انسحاب الجيش بشكل سريع، وعدم البقاء هناك عشرين عاماً. وقال:" تخيلوا لو تم تفجير حافلة يسافر فيها 50 جندياً، فمن الجائز عندها أن تهرب إسرائيل فوراً من لبنان، وبذلك يمنع مقتل 50 جندياً موت أكثر من 700 جندي خلال 18 عاماً"..

"في نهاية الأمر خرجنا من لبنان بعد كارثة المروحيات (التي قتل فيها 73 جندياً)..ربما كان من الأفضل أن تقع كارثة المروحيات في العام 1983 أو العام 1984، وعندها سيقوم ليس فقط أربع أمهات وإنما 20 أماً يمارسن الضغط على الحكومة للخروج من لبنان".

ويعتقد أن الإسرائيليين حولوا لبنان إلى حلم/هذيان، فيقول:" لم نحقق في أي شيء، ولم نحاول فحص أي شيء، ومن قاد هذه الحرب الغبية أصبح فيما بعد رئيساً للحكومة، ولم يقل أحد شيئاً. أما بيغين فقد ترك كل شيء في منتصف الحرب واختفى. لم يكن من الجائز أن يقول بأنه قد ضلل.. كان يجب أن يحاسب.. لقد قال بأنه سيعم الهدوء لمدة 40 عاماً.. كان يجب أن نقبض على عنقه ونضعه في مركز المدينة ليحاسب عما فعل.. ونظراً لكوننا لم نفعل ذلك، فإن جيل السياسيين المستقبلي قد نشأ على أنه "من المسموح القيام بأي شيء بدون أن يحصل لهم أي مكروه"..

خدم ليفي كضابط في كتيبة "غولاني" في العام 1978، وبعد تسريحه من الجيش انضم إلى الشاباك. وكانت أول وظيفة له هي حراسة السفارة الإسرائيلية في طهران. وفي حينه تأثر كثيراً بالمتظاهرين الذين لم يترددوا في المواجهة مع جنود الشاه المسلحين.

وخلال عمله اندلعت الثورة في إيران، وفي عدد من المرات وجد نفسه ينظر من الجانب إلى عشرات الآلاف من الناس يتعرضون لإطلاق النيران وهم يتظاهرون ضد نظام الشاه، ولا يخفي أنه بشكل طبيعي تماثل مع المتظاهرين. وفي أكثر من مرة كان يضطر إلى السير مع المتظاهرين وهو يصرخ "الله أكبر"..

ويجري مقارنة بين المتظاهرين هناك وبين ما يحصل في إسرائيل، فيقول" رأيت جاهزية الناس هناك، وهذا لا يحصل هنا. لا يقاتل الناس هنا على أمور أبسط من ذلك، وحتى بطرق ديمقراطية لا نقوم بتبديل السلطة".

بعد أن غادر طهران تم تدريبه ليصبح مركزاً ميدانياً لعمل الشاباك. وفي العام 1984 وبعد تفجير مقر القيادة الإسرائيلية في مدينة صور، أرسل إلى لبنان. وتلخص دوره في تجنيد وتفعيل عملاء في داخل المخيمات الفلسطينية والقرى الواقعة جنوب صور. وبقي في لبنان مدة سنة ونصف.

كان ليفي المسؤول عن تجنيد وتفعيل العملاء في لبنان وقطاع غزة. وبحسبه فقد كان يتوجب عليه أن يعرف السكان في المنطقة التي يعمل فيها بشكل أفضل، للبحث "عن أناس على استعداد للتعاون مع العدو". ويقول إنه كان يجب عليه معرفة الجميع، مظهرهم ولباسهم وألقابهم وعدد أبنائهم وأصل كل واحد منهم..

ويؤكد على أن المال والعلاقة الشخصية كانا من أهم الوسائل التي استخدمها في تجنيد العملاء، وفي الوقت نفسه يشير إلى أنه " لا يمكن تجنيد أي شخص.. والإدعاء بأن لكل شخص يوجد ثمن هو غير صحيح".

وبحسبه فقد كان يستغل ضائقة الناس ليقدم لهم المساعدة، وهو على قناعة بأنه سيقطف ثمارها، التي كانت الهدف من المساعدة. كما يشير إلى أن استغلال الجنس في تفعيل العملاء بات خطاً أحمر، لا لسبب لكونه قصير المدى، فيقول:" لم نقم بتصوير امرأة تخون زوجها، وتقف على مفترق بأنه في حال تفعيلها سنحصل منها على معلومات، هذا خط أحمر، لكون هذه الدوافع قصيرة المدى، في حين يجب أن تكون الدوافع للمدى البعيد".

ويروي تجنيده لأحد العملاء مستغلاً حاجته لعملية جراحية عاجلة، فيقول:" وافقت على تسهيل ذلك فوراً، في حين بادر أحدهم إلى إبلاغه بأن ضابط المخابرات هو الذي ساعده.. وبالنتيجة فقد شعر بأنه مدين له". وبرأيه فهو لم يشترط دوماً تعاون المرضى مقابل تقديم العلاج، لكونه يرى أنه من الأفضل عدم تجنيد عملاء بشكل قسري، لكون البديل يأتي بنتائج أفضل..

ولدى سؤاله عن مدى قدرة "المصدر- العميل" على تحريك مشغله والاحتيال عليه، أجاب بأن الأمر يتعلق بالمشغل، الذي يتوجب عليه ملاحظة التفاصيل الصغيرة، وجمع المعلومات عن "المصدر" من "مصادر" أخرى، واكتشاف أي حالة تدهور قد تحصل. وإلا ستكون النتيجة وبالاً عليه.

ويضيف:" إن مركّز الشاباك الذي لم يخنه "مصدره" ذات مرة، لن يعرف كيف يشغله. وهناك الكثير من المركزين في المقابر بسبب "خيانة مصادرهم". والبداية عادة تكون عندما يقول المصدر "لم آت إلى اللقاء لكوني مريض" ويتضح لاحقاً أنه منشغل بأعماله، وحتى تسير الأمور على ما يرام يجب وضع حد لذلك منذ البداية"..
ويروي عملية اعتقال أحد المطلوبين، فيقول:" دخلت أحد البيوت للبحث عن أحد المطلوبين، وكنت واثقاً أنه في داخل البيت، لأن البيت كان محاصراً. لم أعرف بالضبط أين هو، ولم أشأ البدء بفتح الخزانة أو التفتيش تحت السرير.. توجهت إلى الأم، لاعتقادي بأنها الحلقة الضعيفة، وسألتها عن أولادها، وعددت بدورها أسماءهم واحداً واحداً ما عدا الشخص المطلوب، وعندها أدركت أنها تعرف أننا نبحث عنه. فسألتها "أين محمد؟"، فتظاهرت بأنها نسيته، وقالت إنها لا تعرف ولم تره منذ زمن. وهنا بدأت ألاحق نظراتها لمعرفة إلى أين تتجه، ولاحظت أن نظرها كان مشدوداً إلى الخزانة. فقلت لها: سأطلق النار على الخزانة، ما رأيك؟". وعندها بادرت إلى القول:" محمد.. أخرج".

ويكرر ليفي مراراً في المقابلة مصطلح "كرة ثلج من الكراهية"، ويقول:" عندما تدخل قرية معينة لاعتقال من نفذ عملية ضد الجنود، على سبيل المثال، وتخرج من القرية، فإنك بذلك قد خلقت أربعة مقاومين محتملين.. يجب أن نفهم ذلك.. هذه هي كرة الثلج التي أتحدث عنها، مجرد دخول القرية يؤدي إلى خلق أضرار.. واليوم، وعندما يقول رئيس هيئة أركان الجيش، عندما يلقي بقنبلة تزن طناً وتقتل أربعة أطفال، أنه يشعر باهتزاز في جناح الطائرة.. فبماذا يجب أن يفكر الفلسطيني هناك؟؟

ورداً على السؤال إذا كان لديه أي تعاطف مع الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين، بوصفه يعرفهم عن كثب، أجاب:" قال إيهود براك ذات مرة إنه لو كان فلسطينياً لانضم إلى إحدى منظمات المقاومة الفلسطينية.. ولو كنت هناك لجعلت حياتنا (الإسرائيليين) مريرة.. أنا أعارض المس بالنساء والأطفال، ولكني كنت سأحارب المحتل الأجنبي.. فعندما تحاصر إنساناً على الجدار ولا تبقي له أي خيار، فماذا تتوقع أن يفعل؟.

ويتابع:" إذا أحب شاب من بئر السبع شابة من حيفا، فسوف يهاتفها ويتفق معها على موعد ويلتقي بها. أما إذا أحب شاب من بيت لحم شابة من نابلس، فهو مضطر من أجل الوصول إليها إلى تجاوز عدد كبير من الحواجز بالإضافة إلى أكثر من ألف تصريح.. وعندها يصل إلى النتيجة بأنه لا يوجد لديه ما يعيش لأجله، وفوراً يجد ما يموت من أجله"..

ولدى سؤاله عما إذا كان الجنود هدفاً مشروعاً لعمليات المقاومة، أجاب:" بالتأكيد. في هذه المعركة هم هدف مشروع.. نحن لم نخترع معنى الفداء.. ولو كنا في مكانهم لكان لدينا الكثير من الإنتحاريين..".

ويتابع ليفي أنه في أوج الإنتفاضة الأولى، طلب وزير الأمن، في حينه يتسحاك رابين، الإجتماع مع مركزي الشاباك. ولم يطلب منهم تصريحات، بل طلب أن يقولوا له حقيقة ما يجري على الأرض. وتحدث المركزون عن إفساد الجنود في المواجهات مع الفتيان الفلسطينيين، وعن عدم إمكانية حسم المواجهات بواسطة الدبابات حتى لو دهستهم جميعاً، وقالوا إن هذه المعركة صعبة، وأنه لا يوجد أي خيار آخر سوى الخيار السياسي.

ويضيف:" هدفي، كأحد عناصر جهاز الأمن العام، هو خفض التهديدات الإرهابية إلى درجة قريبة من الصفر، وذلك لكي تقوم الحكومة بحل مشاكلها، بدون أن يكون المسدس موجهاً إلى الرأس.. وتمكنا من خفض التهديدات إلى الحد الأدنى، وعندها قالت الحكومة " لا حاجة لاتخاذ قرارات الآن طالما لا تقع عمليات".. في هذه المعادلة نفذنا المطلوب منا، ولكن حكومتنا لم تقم بواجبها"..

ولدى سؤاله عما إذا كان كثيرون من عناصر الشاباك يفكرون بمثل هذه الطريقة، أجاب هناك على الأقل مجموعة ضمن عناصر على اتصال معهم، يفكرون مثله.

ورغم الإنتقادات الحادة التي يوجهها للقيادة السياسية الإسرائيلية، إلا أنه لا يسجل أية انتقادات على عمل جهاز الشاباك، ويجيب بالنفي لدى سؤاله عن حصول أي اعتداء على عربي. ولدى سؤاله عن عدم وجود انتقادات لجهاز الشاباك، يقول بحكم عمله كمركز ميداني لم يشارك في التحقيق.

ورغم العدد اللانهائي من التقارير عن حالات تعذيب تعرض لها المعتقلون، وحالات الاستشهاد أثناء التحقيق، والقوانين الإسرائيلية التي سنت من أجل شرعنة التعذيب، إلا أنه يصر على الدفاع عن المحققين بزعم أن المعتقلين يكذبون عندما يتحدثون عن التعذيب في التحقيق وذلك لتبرير اعترافاتهم أمام رفاقهم..

كما يشير إلى أنه لم يكن هناك في عمله ما يدفعه للندم على ما قام به، إلا أنه يتألم من قلة النجاحات، وعدم قدرته على تحليل قضايا معينة اتضح لاحقاً أنها تجري في المنطقة التي يعمل فيها..

التعليقات