"صالح.. هنا أرض إسرائيل" يفضح التمييز العنصري

يكشف المسلسل الوثائقي عن تعامل غير إنساني مع المهاجرين الشرقيين، وكيفية إجبارهم على السكن في مدن التطوير النائية عنوة باستعمال أساليب الضغط والتجويع والتهديد الذي وصل حد سحب أولادهم منهم

من الأرشيف

يثير المسلسل الوثائقي "صالح.. هنا أرض إسرائيل" الذي يسلط الضوء على التمييز ضد اليهود الشرقيين، وينبش عن جذوره التاريخية التي رافقت عملية استيعاب هؤلاء وما زالت تشكل نقطة انطلاق متدنية تحكم حياة أجيال منهم، يثير نقاشا واسعا داخل المجتمع والنخب الإسرائيلية كونه يضع الإصبع على إحدى القضايا الحساسة في المجتمع الإسرائيلي.

المسلسل الوثائقي الذي يعرض على القناة 13 في التلفزيون الإسرائيلي، سبق أن عرض كفيلم وثائقي في أيار/مايو من العام الماضي، وهو من انتاج وإخراج دافيد درعي، روتي يوفال، ودورون غلعاد، ويستند إلى قصة عائلة دافيد درعي نفسها.

ويعتمد المسلسل الوثائقي بروتوكولات ووثائق ويتضمن مقابلات مع أشخاص يتحدثون فيها عن تاريخ هجرة يهود شمال أفريقيا إلى إسرائيل، وسياسة استيعابهم التي تؤكد وجود التمييز العنصري كسياسة منهجية ومخططة مسبقا، وهو ما ينسف الرواية التي كانت شائعة، والتي تعزو ذلك إلى أخطاء غير مقصودة سببها حالة انعدام النظام في حينه، وضرورة الاستيعاب السريع لمئات آلاف المهاجرين.

ويورد المسلسل عدة شهادات تؤكد التعامل العنصري الفظ مع المهاجرين الشرقيين، الذين دفعوا دفعا إلى مدن التطوير النائية والفقيرة، فهو ينقل على لسان رئيس قسم الاستيعاب في الوكالة اليهودية، غيورا يوسفيطال، وصفه لموجة هجرة الشرقيين بأنها "ذات وزن أخلاقي متدن ومستوى اجتماعي هابط وشحنة ثقافية فقيرة، من شأنها أن تؤدي إلى هبوط مستوى الدولة إلى درك شعوب المنطقة".

ويورد ما كتبه بروفيسور حاييم شيبا الذي أوفد إلى المغرب من قبل الوكالة اليهودية، عام 1953، "كيف يمكن بناء مستقبل من خرائب آدمية كأولئك، إذا ما عبأنا البيوت التي نبنيها والأراضي التي نضع أيدينا عليها بهم، سيكون ذلك شعبا غيرعامل بل سنكون أمام دائرة شؤون اجتماعية كبيرة".

ويكشف المسلسل الوثائقي عن تعامل غير إنساني مع المهاجرين الشرقيين، وكيفية إجبارهم على السكن في مدن التطوير النائية عنوة باستعمال أساليب الضغط والتجويع والتهديد الذي وصل حد سحب أولادهم منهم، وهو ينقل على لسان عضو الكنيست السابق، لوبا إلياب، الذي أشغل في حينه منصب رئيس فريق إقامة "مجمع لخيش الاستيطاني"، كيف أمر السائق باستعمال "قلاب" الشاحنة التي كانت تحمل مهاجرين شرقيين، بعد أن رفضوا النزول منها للسكن في المكان الذي أعد لاستيعابهم، لقد شغل السائق "زر" القلاب فقذفوا من الشاحنة التي واصلت سيرها وتركتهم طريحي الأرض، قال إلياب.

العديد من الكتاب والمثقفين الإسرائيليين تناولوا موضوع المسلسل في مقالاتهم، برز من بينهم مقال للكاتب كوبي نيف نشرته "هآرتس" أشار فيه إلى أن نجاح الاضطهاد العنصري لا يقاس بمقاييس سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية وغيرها من المقاييس المحسوسة فقط، بل وأساسا بنجاح المضطهد ( بكسر الهاء) بغرس سلم قيمه العنصري الذي يرى بالإنسان الأبيض الأشكنازي متفوقا من كل النواحي على نظيره الأسود، أي على اليهودي الشرقي "المنحط".

نيف رأى أن الاضطهاد الأشكنازي للشرقيين حقق نجاحا هائلا في هذا المستوى، فالشرقيون اليوم، أبناء واحفاد جيل المضطهدين ( بفتح الهاء)، قبلوا وذوتوا جيدا الرأي المسبق الذي زرعه فيهم السادة الأشكناز المضطهدون ( بكسر الهاء) والقائل إن الشرقيين ليسوا يهودا شرعيين، كما يقول، وهم أيضا أدنى بكل المستويات من إخوانهم الأشكناز المتنورين، وذلك لأنهم يشبهون العرب، وتقريبا نسخة طبق الأصل عنهم.

ويعتقد الكاتب أن هذا الوضع جعل الشرقيين يطوروا، بتشجيع من السادة الأشكناز، تقاليد موروثة للوهلة الأولى لكراهية العرب. فقد أزالوا عن أنفسهم أي أثر عربي، وكم هو عبثي، برأي الكاتب، أن ميري ريغف بالذات، التي تقف على رأس الذين يصرخون ضد ظلم واضطهاد الشرقيين وثقافتهم، هي من تقود التشريع الذي سيلغي وضعية اللغة العربية كلغة معترف بها في إسرائيل، تماما كما فعل السادة الأشكناز التي تخرج ضدهم، ولكنها عمليا تعمل في خدمتهم.

الأمر لا يتوقف عند التنكر لأصولهم وكراهية العرب، بل إن الشرقيين يتحولون إلى الجنود الأكثر إخلاصا للاضطهاد الكولونيالي الأشكنازي، بل هم، كما يقول الكاتب، يواصلون حتى يومنا هذا انتخاب "زعيم أشكنازي" بأنفسهم ولأنفسهم، وفقط "أشكنازي" وفقط شكنازي، ويتعاملوا مع هذا الزعيم الذي نصبوه على أنفسهم، من بيغن وحتى نتنياهو كملك يقبلون كفوف يديه وتراب رجليه.

التعليقات