إرباك يتوعّد الاقتصادات العالميّة مع عودة ترامب

الأسواق الماليّة العالميّة تعتمد بشكل كبير على السيولة بالدولار، لذا فإنّ ارتفاع قيمة الدولار يؤدّي إلى تغيّرات كبيرة في حركة رؤوس الأموال والأسواق...

إرباك يتوعّد الاقتصادات العالميّة مع عودة ترامب

(Getty)

عند قمّة 13 شهرًا، ارتفع الدولار في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الجاري على وقع مخاوف عالميّة من سياسات الرئيس الأميركيّ المرتقب دونالد ترامب، تجاه اقتصادات رئيسة حول العالم.

والإثنين، كتب ترامب منشورًا على منصّته "تروّث سوشيال" تعهّد فيه بفرض تعريفات جمركيّة على كلّ من المكسيك وكندا والصين في أوّل يوم له بالبيت الأبيض المقرّر في 20 يناير/كانون ثاني المقبل.

وأمام هذا النوع من التوتّرات التجاريّة، يلجأ المتعاملون إلى الدولار كملاذ آمن؛ ومع زيادة الطلب عليه ترتفع قيمته أمام بقيّة العملات، خاصّة عملات الأسواق الناشئة.

ورغم التوتّرات المحتملة على الصعيد التجاريّ بين واشنطن وبعض شركائها، إلّا أنّ تبعات صعود الدولار تطال غالبيّة الاقتصادات العالميّة، بما في ذلك الدول النامية.

ويظهر تقرير لمعهد التمويل الدوليّ صدر في سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ إجماليّ الدين العالميّ (أفراد وشركات وحكومات)، تجاوز 310 تريليونات دولار بحلول النصف الأوّل من العام الجاري.

ورغم بلوغ الدين مستويات تاريخيّة غير مسبوقة، إلّا أنّ الدولار القويّ والّذي بلغ 107.7 نقطة مطلع الأسبوع الجاري يزيد من كلفة الديون بمقدار 100 مليار دولار سنويًّا على كلّ نقطة واحدة، فوق 100 نقطة.

ويعتبر الدولار الأميركيّ عملة الاحتياطات العالميّة، إذ يشكّل نحو 58 بالمئة من احتياطات صندوق النقد الدوليّ، بحسب بيانات صادرة عن الصندوق مؤخّرًا.

كما يشكّل الدولار عملة 80 بالمئة من التجارة العابرة للحدود، وهو كذلك عملة مدفوعات في غالبيّة دول العالم، إلى جانب العملات الوطنيّة الصادرات عن البنوك المركزيّة لتلك الدول.

وبالتّالي، فإنّه ورغم تمتّع العملة الأميركيّة بمكانة استثنائيّة في التجارة الدوليّة والأسواق الماليّة، إلّا أنّ قوّتها (ارتفاع قيمتها مقابل العملات الأخرى) يمكن أن تؤدّي إلى عواقب اقتصاديّة واسعة النطاق، خصوصًا في ظلّ التفاوت الكبير بين الاقتصادات العالميّة.

عبء الديون

تقرير الاستقرار الماليّ الصادر عن صندوق النقد الدوليّ مؤخّرًا، أظهر أنّ أحد أبرز التحدّيات الّتي يفرضها الدولار القويّ يتمثّل في زيادة عبء الديون الخارجيّة للدول النامية.

فكثير من الدول تقترض بالدولار الأميركيّ، ولذلك فإنّ ارتفاع قيمة الدولار يزيد تكلفة سداد تلك الديون، لأنّه سيدفع الحكومات لدفع نقود محلّيّة أكثر لقاء شراء الدولار وسداد الأقساط المستحقّة وفوائد تلك الديون.

وعندما ترتفع قيمة الدولار وتضطرّ الدول إلى دفع المزيد من عملاتها المحلّيّة لسداد الديون، يؤدّي ذلك في مرحلة ما إلى استنزاف احتياطيّاتها من العملات المحلّيّة والأجنبيّة.

كذلك، فإنّ الدولار القويّ يرفع أعباء خدمة الديون، ممّا يجبر الحكومات على تقليص الإنفاق العامّ أو اللجوء إلى سياسات تقشّفيّة تؤثّر سلبًا على النموّ الاقتصاديّ.

وفي ظلّ الدولار القويّ، تصبح الدول النامية أكثر عرضة للتخلّف عن سداد ديونها، كما حدث في بعض الأزمات السابقة مثل الأزمة الماليّة في الأرجنتين، وارتفاع خدمة الدين في مصر.

التجارة الدوليّة

وفي تقرير لمنظّمة التجارة العالميّة في مايو/أيّار الماضي، أورد أنّ الدولار القويّ يعتبر أحد أبرز المعوّقات في انسيابية الطلب على التجارة العالميّة.

فارتفاع قيمة الدولار يؤدّي إلى جعل السلع والخدمات الأميركيّة أكثر تكلفة بالنسبة للدول الأخرى، ممّا يقلّل من تنافسيّة الصادرات الأميركيّة.

أي أنّ ارتفاع كلفة السلع المقوّمة بالدولار يقلّل من الطلب عليها في الأسواق العالميّة، ممّا يؤدّي إلى انخفاض التجارة الدوليّة.

أمّا بالنسبة للدول الّتي تعتمد على الواردات المقوّمة بالدولار، فإنّها تواجه ارتفاعًا في التكاليف، ممّا يؤدّي إلى تفاقم العجز التجاريّ وتزايد الضغوط التضخّميّة.

ارتفاع التضخّم

الدولار القويّ كذلك، يزيد من تكاليف الواردات على الدول الّتي تعتمد على الموادّ الأساسيّة كالطاقة والغذاء.

وفي الدول ذات العملات الأضعف يؤدّي هذا إلى تضخّم مستورد، ممّا يرفع تكاليف المعيشة ويؤثّر على المستهلكين والشركات على حدّ سواء.

وبما أنّ النفط مسعر بالدولار، فإنّ قوّة الدولار تزيد من كلفة النفط على الدول المستوردة، ممّا يرفع أسعار الوقود والطاقة بشكل عامّ.

اضطرابات الأسواق الماليّة

الأسواق الماليّة العالميّة تعتمد بشكل كبير على السيولة بالدولار، لذا فإنّ ارتفاع قيمة الدولار يؤدّي إلى تغيّرات كبيرة في حركة رؤوس الأموال والأسواق.

لأنّ ارتفاع الدولار يدفع المستثمرين إلى تحويل أموالهم نحو الأصول المقوّمة بالدولار بحثًا عن عوائد أعلى، ممّا يؤدّي إلى خروج رؤوس الأموال من الاقتصادات النامية وضعف عملاتها.

كما أنّ الدولار القويّ يسبّب تقلّبات حادّة في أسواق الصرف، ممّا يزيد من حالة عدم اليقين ويثبّط الاستثمار؛ وأيضًا البنوك المركزيّة تواجه صعوبة في توفير السيولة الكافية بالعملة الأميركيّة، ممّا قد يؤدّي إلى ضغوط في أسواق التمويل.

التعليقات