31/10/2010 - 11:02

باول لـ " الحياة" : "الولايات المتحدة جاءت لتعمير العراق لا لهدمه"!

باول لـ

 


الاعداد الكبيرة من المدنيين العراقيين القتلى كان صدمة للعام ولا سيما للعرب الذين وجدوا تشابهاً كبيراً مع ممارسات الاسرائيليين في فلسطين. في الوقت نفسه هناك استخدام للقنابل العنقودية. هل انتم مهتمون بانعكاس ذلك على صورة الحرب واهدافها؟


- نحن نبدي حرصاً كبيراً عند التخطيط لضرباتنا، ونسعى الى توخي الدقة الى اقصى ما يمكن عند تحديد الاهداف. الاسلحة التي نستخدمها بالغة الدقة. وعلى رغم القنابل والصواريخ التي اطلقت على مكان مثل بغداد، على سبيل المثال، وإذ يبدو ان كل شيء يُحرق، فإننا نجد في صباح اليوم التالي ان الناس يزاولون حياتهم بشكل عادي. اذاً فنحن نوجهنا ضربات جراحية الى مبانٍ تم انتقاؤها، لأنها تدعم الجهد العسكري للجيش العراقي او لأنها جزء من نظام القيادة والسيطرة.


حددت على خرائطنا مواقع المستشفيات كي يجري تجنبها، ومواقع الاماكن المقدسة والمواقع ذات القيمة التراثية. نتجنب المناطق السكنية، ونبذل كل ما بوسعنا لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين الى ادنى حد. التعليمات لدى جنودنا اثناء تأدية مهماتهم هي ان يتعاملوا بمنتهى الحرص والمراعاة للناس، كي يقللوا الى ادنى حد اي احتمال لوقوع اضرار، للمنشآت التي تعود ملكيتها للناس او يحتمل ان يوجد فيها ناس.


ومع ذلك، هناك ظروف تقع فيها حوادث، أو لا نكون متأكدين من هوية الاشخاص الموجودين في مكان معين. او كما رأينا قبل بضعة ايام، عندما اقتربت سيارة من جنود بطريقة بدت أنها تنطوي على تهديد فردّوا، مما ادى الى سقوط ضحايا ابرياء. لكن قبل ذلك ببضعة ايام لم يردّوا وأدت عملية تفجير انتحارية الى قتل خمسة جنود.


لذا اعتقد اننا اظهرنا أكبر قدر ممكن من الحذر، لأننا نحرص على هذه الصورة. وعلى رغم سقوط عدد من الضحايا الابرياء، ولا اعرف كم هو عددهم، ونحن نفعل كل ما بوسعنا لتقليل ذلك الى الحد الادنى، فإن هذا ليس ما تسعى اليه القوات المسلحة الاميركية. نحن نسعى الى ان نحارب عدواً وليس شعباً. جئنا كي نساعد الشعب العراقي، لا لنؤذي الشعب العراقي.


هل تستخدمون قنابل عنقودية ضد المدنيين؟


- لا اعرف نوع الذخائر التي اُستخدمت. وربما اُستخدمت بالفعل قنابل عنقودية. لكننا نحاول ان نستخدمها في اماكن يكون فيها خطر اقتراب مدنيين ابرياء من قنابل لم تنفجر اقل. لست مطلعاً على وقوع اي حادث معين خلال هذا النزاع ادى الى اصابة اشخاص ابرياء لأنهم التقطوا هذه القنابل.



الآن، مع اقترابكم من بغداد، يتذكر العرب ايضاً الحصار الاسرائيلي لعاصمة عربية اخرى هي بيروت. الحصار هو للمدنيين قبل ان يكون للعسكريين، والحصار يعني قطع الكهرباء والماء ونقص المواد الغذائية... هل توجد لديك الآن اي فكرة كم ستطول هذه الحرب؟


- لا يمكن ان اتنبأ بذلك. يتعيّن ان اترك ذلك للقادة العسكريين ليتوصلوا الى تقدير او رأي. لكن حتى اذا كانوا فعلوا ذلك، فإننا لا نريد ان نرى حصاراً لبغداد. نأمل ان يعلم النظام العراقي انه حالما يبدأ الحصار فان الوقت يكون قد حان كي يستسلم، وان يخلي الطريق ويفسح المجال لأن يأتي اشخاص جدد يمكن ان يساعدوا على اعادة بناء العراق، ويمكن ان يعتنوا بالشعب ويستخدموا عائدات واموال البلاد لبناء مدارس ومستشفيات بدلاً من الجيوش واسلحة الدمار الشامل.


انت تبدي قلقك بشأن قطع الكهرباء وقطع الغذاء، واشياء مماثلة. لكن من المهم ان يُلاحظ انه خلال الاسبوعين منذ ان بدأ هذا النزاع، او عملية "الحرية للعراق"، على رغم كل القصف الذي جرى في بغداد وشاهدتموه على شاشات التلفزيون، فإن مصابيح الشوارع استمرت مضاءة، والكهرباء مستمرة، ولا تزال الجسور موجودة.


الوضع مع حصار بغداد سيكون مختلفاً...


- لكن لا يوجد بعد اي حصار. ونأمل ألاّ يكون هناك أي حصار. لا اعرف كيف سيمارسون الحصار. لا اعتقد انهم سيطبقونه بشكل يعني السعي الى اغلاق مدينة يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين شخص. لذا دعونا لا نقفز مقدماً الى شيء ما قد يحدث، ونأمل جميعاً ألاّ يحدث. لا اعتقد ان هذه هي الطريقة التي سيتصرف بها الجيش الاميركي، لكن لا اريد ان اناقش كيف سيتعاملون مع الأمر لأنني لست مطلعاً على الخطة.


لكن حصاراً سيحدث على بغداد


- من يقول ذلك؟


هذا ما فعلتموه مع مدن اخرى مثل الناصرية والبصرة والنجف وغيرها، انها محاصرة حالياً تمهيداً لاقتحامها. وبغداد ستحاصرونها لتدخلوها بالقوة وقد يستغرق الأمر فترة طويلة. ألا يقلقكم حجم الضحايا خصوصاً من المدنيين؟


- ينبغي للناس هنا أن يغضبوا على اولئك الاشخاص داخل هذه المدن الذين يواصلون المقاومة ويستمرون في التسبب بإطلاق النار، ويستخدمون مواطنين ابرياء في هذه المدن كدروع بشرية. يجب ان يوجه الغضب الى هؤلاء الافراد.


لقد اظهرنا حرصاً كبيراً حول البصرة. كان يمكن للقوات البريطانية الموجودة حالياً في البصرة ان تقول: "حسناً، هاتوا الطائرات القاصفة، هاتوا المدفعية، ودعونا نهدمها ونتخلص من الجميع". لكنهم لم يفعلوا ذلك. لقد طوقوا (البصرة) ويحولون دون ايصال تعزيزات، ويقومون تدريجاً بانتزاع السيطرة على حي او شارع في كل مرة، مقللين بذلك من الخسائر في الارواح، ومقللين من الدمار. وقد شاهدت على شاشة التلفزيون اشخاصاً وهم يخرجون من البصرة ليعبروا النهر، ليشتروا الطماطم أو ليجلبوا الطماطم اليها. هناك اذاً حركة نقل في البصرة. الناس يذهبون الى اسواق هناك. قرأت امس تقريراً في احدى الصحف، استناداً الى شخص غادر المدينة، يشير الى ان الحياة طبيعية داخلها.


كان يمكن ان نعالج ذلك بتفجير المدينة. لكننا لا نفعل. ليس هذا ما نسعى اليه. نريد ان نعيد بناء البلد، وأسوأ طريقة للقيام بذلك هي ان نذهب وندمر منازل كل الناس. ستكون هذه هي الطريقة السهلة، لكنها ليست الطريقة التي نخوض بها هذه الحرب. اننا نخوضها بحرص كبير وبمهارة كبيرة، وبأقصى احترام لأرواح الناس وممتلكاتهم.



ما هي الظروف التي يمكن ان تبدأ فيها مساع ديبلوماسية قبل النهاية الفعلية للحرب؟


- هذا يفترض وجود وقف للنار الآن ونحن لن نتوقف لنطلب من صدام حسين ان يحسّن سلوكه. اذا استسلم وانتهى النظام أو انهار فسيكون هذا شيئاً جيداً. لكن لن يكون هناك جهد ديبلوماسي يقول دعونا نحصل على وقف نار ونتفاوض مع النظام العراقي وصدام حسين. هذه الفرصة جرى تفويتها. مُنح صدام حسين فرصته الاخيرة، مراراً، وقال: كلا، سأواصل القيام بما كنت اقوم به، وانتهك قرارات الامم المتحدة، وسأواصل حيازة اسلحة دمار شامل. سأستمر في ترهيب شعبي.


انني ادرك ان المواطنين العرب يشعرون بالقلق وهم يراقبون الحرب على شاشات التلفزيون، وينتابهم القلق بشأن خسارة ارواح مدنيين ابرياء. لكن ينبغي ان اذكّرهم بأن عدد الضحايا الابرياء، ومن المسلمين، الذين قتلوا في ظل حكم صدام حسين يفوق ما فُقد خلال اسبوعين في النزاع الحالي. ان صدام هو الذي وضع الناس في معسكرات اعتقال، وهو الذي نفذ اعدامات، واستخدم اسلحة كيماوية ضد آلاف المواطنين الاكراد، وشن الحرب ضد ايران. انه هو الذي يرفض الكشف عن مصير 600 من اسرى الحرب المسلمين الكويتيين، وهو الذي سرق اعمالاً تراثية تعود للشعب الكويتي. أنه المسؤول عن هذه المشكلة كلها. وآمل بأن يبدي مواطنوك التعاطف ايضاً مع جميع المسلمين الذين فقدوا حياتهم على ايدي صدام حسين.



تحدثتم عن دور الامم المتحدة. هل بات في الإمكان تحديد هذا الدور؟


- النقطة التي أكدناها هي انه سيكون هناك دور للامم المتحدة. وعلينا الآن ان نتناقش بيننا، وفي مجلس الامن، ومع الامين العام كوفي أنان، في ما ينبغي ان يكون عليه هذا الدور.


لم تكن مهمتي هنا في بروكسيل ان اقول هذا هو ما ينبغي للامم المتحدة ان تفعله أو لا تفعله. كانت لدى زملائي في كل اللقاءات التي اجريتها افكار مختلفة، بأنه ينبغي للامم المتحدة أن تلعب دوراً رئيسياً. لكننا لم نصل بعد الى النقطة التي نعرف عندها بالضبط ماذا سنطلب من الامم المتحدة ان تقوم به. هذا العمل سيُنجز فعلاً في نيويورك في مجلس الامن.


لقاؤك مع الاوروبيين هل مسعى لتقليل الضرر الذي لحق بالعلاقات بين اميركا واوروبا بسبب حرب غير شرعية؟


- ليس هناك ما هو غير شرعي بشأن هذه الحرب.


أنتم لا تملكون أي تفويض بشن هذه الحرب.


- آسف، لكن لدينا (هذا التفويض)، لدينا القرار 1441 الذي اعتبر ان استمرار عدم الامتثال من جانب صدام حسين سيعني انتهاكاً مادياً آخر تترتب عليه عواقب وخيمة. وكانت هناك قرارات اخرى اكدت بوضوح ان عليه الامتثال للقرارين 678 و687. كان هناك مسعى للتوصل الى قرار آخر، وهو ما اراده بعض اعضاء مجلس الأمن. تذكّر ما جاء في مشروع القرار الثاني. فهو قال ايضاً ان (صدام) أضاع فرصته الاخيرة. لذا فإن الاستنتاج الذي توصلنا اليه انه هو الذي يُفترض ان ينفذ التزاماته فوراً ومن دون اي شروط. هو الذي اُعتبر مذنباً من قبل المجتمع الدولي. ونعتقد ان هناك ما يكفي ويزيد من التفويض لما فعلناه ونفعله حالياً. وعند انتهاء هذا النزاع، او هذه العملية، سنبدأ عملية اعادة البناء. ونحن على ثقة بأن الامم المتحدة ستتبنى قراراً وتصادق على اجراءات السلطة الانتقالية والقيادة الجديدة للعراق.


آمل بأن يتوصل قراؤكم الى ان يدركوا في الاسابيع المقبلة بأن هذه المشكلة قد حُلّت. وانه ديكتاتور وطاغية ينبغي ان لا يحظى بإعجاب. انه شخص بدد 20 سنة من ثروات بلده، و20 سنة من حياة شعبه. كان ديكتاتوراً يقطع ألسنة، ويزج الناس في السجون. وقتل ولداه اشخاصاً ابرياء. هذه هي حقائق.


لا يوجد اي اعجاب بصدام حسين، لكن في الوقت نفسه لا يوجد اي اعجاب بالولايات المتحدة. نحن نجد أنفسنا في هذه المعضلة.


- سنحاول ان نصحح هذا الوضع. سنحاول أن نحل هذه المعضلة. نعوّل على اشخاص مثلك لتذكير قرائك بأننا عندما ذهبنا الى الكويت قبل 12 سنة فإن ذلك لم يكن بهدف دحر بلد اسلامي، بل لإنقاذ بلد اسلامي من غزو قام به صدام حسين. وعندما ذهبنا الى كوسوفو قبل خمس سنوات، لم نفعل ذلك كي نهزم مسلمين او نقتل مسلمين، بل لإنقاذ مسلمين. وذهبنا الى افغانستان قبل حوالي 18 شهراً كي نزيل نظاماً كان يقمع مسلمين ويبقي الناس في جهل وفقر. ذهبنا لنستأصل من هذا البلد الارهاب الذي جعل سكانه يعيشون وضعاً مريعاً لا يطاق بسبب الصلة بين "طالبان" و"القاعدة". وقد دمرنا هذا النظام. والآن يرى الناس كيف بدأت افغانستان تزدهر وتنمو. لا يزال الخطر قائماً وسنتعامل معه. الولايات المتحدة لا تأمر الرئيس قرضاي بما ينبغي ان يفعله. انه في الوقت الحاضر رئيس البلاد، وتم اختياره من اللويا جيرغا، وفقاً لتقاليدهم من دون ان يفرض الاميركيون ذلك. نحن نستخدم النموذج الافغاني. وهذا ليس تصرف دولة منفلتة لا تحترم الاسلام، او دولة تحاول ان تقمع الناس. لكنني ادرك الآراء الموجودة وأراها. لكن آمل بأن تتغير هذه الصورة عندما ان يدرك الناس ان العراقيين سيتمتعون بحياة أفضل.



تحدثتم عن حاكم عسكري في مرحلة ما بعد صدام؟


- لأقصر فترة فقط. يتولى قائد عسكري ادارة العملية. لم اقل "حاكم عسكري". قلت: سلطة عسكرية كي تؤمّن استقرار البلاد وتحمي الشعب وتجلب امدادات اغاثية الى ان يتأمن تطوير سلطة مدنية ويجري الانتقال الى حكم عراقي مدني بأسرع ما يمكن.


قرأنا عن 23 عسكرياً لترؤس الوزارات...


- هناك وزارات سيذهب رجالنا للمساعدة على اعادة بنائها، ليس لادارتها بل ليكونوا مستشارين ويتأكدوا بأن اعضاء حزب البعث لم يعودوا موجودين، وكي نضع قادة جدداً في هذه الوزارات. نريد ان يتولى قيادتها عراقيون، لكنهم يحتاجون الى شيء من المساعدة والمشورة والتنسيق مع قوات التحالف. لكن في النهاية لا نريد سوى أن نعيدها كلها الى ايدي العراقيين.



سورية وايران، هل هما الهداف التاليان على اللائحة؟


- هذا هراء. انت تعرف جيداً ان الامر ليس كذلك (يرد بقوة). انك توجه سؤالاً ايحائياً في الوقت الذي تعرف انه ليس لدينا اي خطط لغزو سورية او ايران.


هناك تصريحات متكررة بهذا الشأن من البنتاغون عن لائحة، وحديث تارة عن ايران وتارة اخرى عن سورية. بل هناك تهديدات...


- لم يقل رامسفيلد ذلك، وليست هناك لائحة. لم يتحدث احد في الحكومة الاميركية عن غزو ايران او سورية، سواءً الوزير رامسفيلد او الوزير باول، او الرئيس (جورج بوش) قطعاً. لكن هناك، كما يبدو، رغبة دائمة لدى الجميع في اتهامنا بعمليات غزو لم تقع، ولن تقع.


اذاً فلا مشاكل الآن بينكم وبين سورية؟


- سورية تمثل مشكلة. قلنا دائماً ان سورية تدعم الارهاب. انها تدعم الارهاب بالفعل. هذه حقيقة. وقلنا ان سورية دولة تدعم الارهاب، وايران ايضاً. ايران تقوم بتطوير سلاح نووي. ربما كان هذا مصدر اعتداد بالنفس في الشرق الاوسط، وينبغي ان لا يكون كذلك. لكن توجد وسائل للتعامل مع هذه المشاكل، وهي لا تعني دائماً انها ستكون الهدف المقبل لغزو.


هل ستعلنون "خريطة الطريق" اخيراً؟


- قلنا اننا سنعلنها مع تثبيت "ابو مازن"


وفقاً للجدول الزمني الاسرائيلي؟


- هذا كان دائماً جدولنا. عندما يجري تثبيت ابو مازن سنقدم خريطة الطريق.



عبدالوهاب بدرخان الحياة 2003/04/05

حرص وزير الخارجية الاميركي كولن باول، في لقاء مع "الحياة" على هامش اجتماعات مكثفة مع عدد كبير من المسؤولين الاوروبيين في بروكسيل، على الدفاع عن "أهداف" الحرب على العراق، زاعما ان الولايات المتحدة "جاءت لتعمير البلد لا لهدمه"..وأمل باول في ان لا يكون حصار لبغداد، ورفض توقع زمن معيّن لنهاية الحرب. واسنبعد أي مسعى ديبلوماسي قبل النهاية الفعلية للحرب وقال: "لن يكون هناك جهد ديبلوماسي يقول دعونا نحصل على وقف نار ونتفاوض مع النظام العراقي وصدام حسين. هذه فرصة فاتت".

وأكد باول انه سيكون هناك دور للأمم المتحدة في فترة ما بعد الحرب. ورفض الادعاءات بأن سورية وايران هما هدفان للولايات المتحدة، قائلاً: "هناك، كما يبدو، رغبة دائمة لدى الجميع في اتهامنا بعمليات غزو لم تقع، ولن تقع". وأكد اخيراً ان "خريطة الطريق" لحل المسألة الفلسطينية مع "تثبيت أبو مازن" في منصبه.

التعليقات