31/10/2010 - 11:02

عربي آخر مات../ حسن عبد الحليم

-

عربي آخر مات../ حسن عبد الحليم

بعد سنة من تبرئة قاتل الطفلة إيمان الهمص وتعويضه عن خسائره المادية جراء الاعتقال والتحقيق والمحاكمة، برأت إحدى المحاكم الإسرائيلية قبل عدة أيام قاتلا آخر، والضحية بلا اسم أو عنوان، فلسطيني من قطاع غزة سقط برصاص قناص إسرائيلي عام 2003، وحينما سقط مضرجا بدمائه قال القاتل "عربي آخر مات".

لم تبذل النيابة العسكرية جهدا لإدانة القاتل، بل لم تسع إلى إدانته كما يفترض بها، وأكثر من ذلك، "ضيعت" دلائل الإدانة.

يحدث هذا في دولة الاحتلال والسجون والتصفيات المركزة.. التي يعتبرها البعض وهما "واااحة الديمقراطية".

استمرت المحاكمة ثلاث سنوات وبالتالي برأ القاضي المتهم ووجه انتقادات شديدة إلى النيابة العسكرية على تقصيرها وإهمالها في العمل على إدانة المتهم. المتهم هو قناص في جيش الاحتلال من لواء شمشون. وفي عام 2003 شارك في تفريق مظاهرة في قطاع غزة، وأطلق النار على شاب فلسطيني وأرداه قتيلا، واعترف الجندي في التحقيق أنه أطلق النار على الشاب رغم التعليمات التي تلقاها من ضابط كتيبته بإطلاق نار "للردع" أي عدم استهداف المتظاهرين. وفي أول تحقيق أجري معه في الشرطة العسكرية هزئ من التحقيق وقال "عربي آخر مات".

وحمل قرار الحكم انتقادات شديدة للنيابة والشرطة العسكرية، ومن ضمن الانتقادات للمحققين التي وجهها القاضي أن عملية إعادة تمثيل الجريمة حدثت بعد سنة من الجريمة وشارك فيها المتهم وحده!- أي أن القتيل لم يشارك. وجاءت على لسان القاضي على الشكل التالي: " إعادة تمثيل الحادث أجريت بعد سنة من وقوع الحادث حيث تغيرت معالم المكان وشارك فيها المتهم وحده".

وأضاف القاضي " أهملت في التحقيق تفاصيل هامة حول مكان تجمع المتظاهرين في المكان الذي سقط فيه الشاب، ومكان وقوف القناص". كما ووجهت المحكمة انتقادات شديدة لمحققي الشرطة العسكرية متهمة إياهم بالإهمال وقلة المهنية في التحقيق، وبأنهم لم يبذلوا جهدا لتوثيق الأحداث والتحقيق في مسرح الجريمة التي يسميها القاضي مجازا مسرح الحادث.

ويتبين من قرار الحكم ومن الانتقادات التي وجهها القضاة لمحققي الشرطة العسكرية أنهم حين حققوا مع الشاهد الإسرائيلي الوحيد على الجريمة، وهو الجندي الذي عمل في برج المراقبة الذي يشرف على مكان الجريمة، ورأى الشاب الفلسطيني يسقط مضرجا بدمائه بعد إطلاق النار عليه، لم يسألوه عما رآه بالتحديد، ولم يسألوه في أي جانب من المظاهرة تواجد المغدور، وأين وقف القناص، ولم يطلبوا منه حتى الإشارة إلى المكان المحدد على الصورة الجوية للمنطقة ولم يحاولوا استيضاح ما الذي حدث أصلا في ساحة الجريمة.

أكثر من ذلك، شريط تصويري يوثق الأحداث التي جرت قبل الجريمة اختفى بقدرة قادر من ملف التحقيق ..

تمت تبرئة المتهم ومن غير المستبعد أن يطالب هو أيضا بتعويضات عن ثلاث سنين "شحشطة" و"جرجرة" في المحاكم بسبب قتيل لا يستحق العزاء، عربي آخر مات. ولكن هذا القتيل له من يحبونه وكانوا ينتظرون عودته..أم أب زوجة أبناء..

إحالة سبب التبرئة إلى تقصير النيابة ومحققي الشرطة العسكرية لا يبرئ ساحة المحكمة ذاتها. والنتيجة تعكس الوجه الطبيعي للاحتلال ولم نتوقع وجها آخر له، فلو سعى لإنصاف ضحاياه لما كان هناك احتلال أصلا. وبقي أن نقول أن هذه هي حادثة من آلاف الحوادث، قدر لها أن تصل إلى المحاكم الإسرائيلية، ولكنها بالتأكيد تمثل الوجه الحقيقي البشع لاحتلال يحاول أن يبدو متنورا أو رقيقا أو ضحية..

سيستمر هذا القاتل في الخدمة وبما أن الفلسطيني بالنسبة له وللكثيرين مثله، نكرة.. سيكون هناك أرملة أخرى ويتيم آخر وثكلى أخرى يعيشون ما تبقى لهم من حياة على ذكرى من فقدوا ..

التعليقات