31/10/2010 - 11:02

مطالب وانجازات..

مطالب وانجازات..
زعموا أن والي السلطان تجبر في بلد احتلها قبل أعوام فنصب على مدخل كل قاطنة فيه حاجزا، وعلى مخرج كل ساكنة حاجزا مثله يتثبت فيه جنوده من هوية المارة، فيعيد البعض ويعتقل البعض الآخر، ويسمح للباقين بالمرور لقضاء حاجات يومهم، ويذل الجميع بعد أن تجبى منهم الضرائب التي توانوا عن دفعها حتى لحظة مرورهم.

فما كان من أمرهم إلا أن وقفوا على الحواجز جيئة وذهابا، كل بانتظار دوره. وصار هذا شأنهم كل يوم، راجين أن تمر هذه المحنة بعد أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وفي حاجز مقام في واد ليس ذا زرع بين مدينتين قرر أربابه أن طابور الانتظار يطول بدل أن يقصر، وأن الوجبة اليومية من السأم والانتظار والعبث لم تفل في صبر الناس وعزمهم على التنقل. وأرجع بعضهم ذلك إلى أصولهم التي ينحدرون منها والباحثة في الصحراء عن الماء والكلأ. ولما عجزوا عما احتاروا فيه بعد أن قلبوه، وقف من بينهم، بعد الاستئذان، من اقترح أن تضاف ثلاث ضربات بالهراوة الشرطية على ظهر كل بالغ قبل المرور، بحيث لا يصاب في جسده موقع حساس، وتتم المحافظة على لياقة الجنود وتعزز دوافعهم الوطنية للوقوف في هذا الوادي. ولا بد أن مجرد سماع الخبر سوف يخفف الطابور ويقلل من الانتظار، فسوف يعدل كثيرون عن السفر.

ولشدة دهشة جنود الوالي لم يقصر الطابور بل امتد. وازداد الهرج والمرج والتذمر بشكل يهدد استقرار الناحية كلها. وعزى الجنود أنفسهم بأنه لم تسنح فرصة كافية ليسمع الجميع عن عواقب الانتظار والمرور. ثم أن الجلد يزيد من وقت معالجة المارة، والتأخير في المرور يطيل طابور المنتظرين.

ونشأت فرق الكفاح المسلح ضد أصحاب الحاجز، باسم كتائب شهداء الحواجز..

ومع ذلك استمر الطابور في ازدحام وهرج ومرج يوما بعد يوم.
حتى استفاق أصحاب الحاجز على مظاهرة تهتف، وعلى رأسها وفد يحمل عريضة. خرطش الجنود بنادقهم، وتأكدوا من مخزون الغاز المسيل للدموع، ثم اتصلوا بوحدة مكافحة الشغب المجهزة، وهي أسرع منهم تدبيرا في تفريق مظاهرة بأقل عدد ممكن من القتلى. وإن هي إلا دقائق حتى يختلط صوت المكبر الداعي إلى التفرق بصوت لعلعة إطلاق النار وأزيز الرصاص. وبدأ وفد العريضة يتوسل أن يجتمع بقائد الحاجز لتقديم المطالب. فأمهلهم المناوب عنه دقيقتين لقول ما لديهم.

وقف رجل وقرأ من ورقة مكتوبة: نطالب ربابنة الحاجز بزيادة عدد الجنود الضاربين بالهراوات لتنجيع العمل وتخفيف الضغط وتسريع المرور، ولكي نصل جميعا إلى أعمالنا".
وإذ لاحظ أن الصمت قد ساد وأن كلامه يلقى استحسانا، رفع عقيرته صائحا: "إذا لا يعقل أن الدولة التي تدعي أنها ديمقراطية وعصرية تدير الحواجز دون نجاعة، فتمنع الأبرياء من الوصول إلى أعمالهم، وكل هذا لأن الحاجز لا يفرز أكثر من جنديين لوجبة الجلد اليومي بالهراوة والمسماة اختصاراً "و. ج. ي.هـ". كما أننا نطالب بعدم معاقبة الجميع بضربتين تضافان إلى حصتهم اليومية، عقوبة جماعية، بسبب تمرد شخص أو شخصين. أو بعد كل عملية تقوم بها كتائب الحواجز."
وعد الضابط برفع المطلب إلى الهيئات العليا، على أن تتفرق المظاهرة الآن.

وفي اليوم التالي صدر عن الوالي أمر يومي يحيي البراغماتية التي أبدتها القيادة، واعداً بترتيب كافة المعابر والحواجز ترتيبا حضاريا ولائقا، واعتبر الإلتقاء حول هذه النقطة مؤشرا إيجابيا لإعادة الثقة للبدء من جديد في عملية السلام. كما طالب الدول العظمى بالمساهمة في تمويل مشروع و. ج. ي.هـ. (وجيه) على الحواجز وتحديثها.

وانقسم سكان تلك البلاد بين من يعتبر هذا المطلب تكريسا للحاجز وقبولا به، وبين من يعتبرون هذا الوقف مغامرا ومتهورا وغير براغماتي، خاصة وانه لا يطرح بديلا للتفاوض.

أما البراغماتيون فقد انقسموا بين من يعتبرون تلبية المطلب إنجازا يجيرونه لأنفسهم لتقوية وتعزيز نفوذهم بين المنتظرين، ومن يعتبرون هذا السلوك غير مقبول خاصة أن المفاوضات لم تُدَر بالشكل الصحيح، وأنه لو أحسنوا إدارة التفاوض لتم الحصول على انجازات للمنتظرين. لقد فوتت فرصة ثمينة، فمثلا بدلا من المطالبة بزيادة عدد الجنود الضاربين كان من المفضل إعادة الوضع إلى سابق عهده قبل الضرب، أو على الأقل أن يتولى الضرب محليون خاصة وأن مشروع و.ج.ي.هـ. (وجيه) قد يتحول إلى مشروع دولي يصلح مصدرا للتمويل.

ورشحت معلومات أنه هنالك أكثر من مؤشر لظهور بوادر انقسام في كتائب الحواجز بين من يرغبون بالإستمرار "في ما يسمى إرهابا"، ومن يرغبون بالاندماج في برنامج و.ج.ي.هـ. (وجيه) ومع أن الاحتمالات شحيحة مثل شحة كل شيء في هذه الوادي، إلا أنه، بموجب اللغة الصحفية المنتشرة من فضائيات الشمال، يفترض أن يقال في النهاية أن الحالة باتت "مفتوحة على كافة الإحتمالات"، ولكن الحواجز والجدران مغلقة عليها جميعا.

التعليقات