في هذا الملفّ من تحقيق موقع عرب 48، نستعرض قضيّة الشراكة بين دويتشه فيله والمؤسّسات ووسائل الإعلام العربيّة والفلسطينيّة، في ما يخصّ اتّهام بعض هذه المؤسّسات بمعاداة الساميّة؛ بسبب منشورات في مواقع التواصل الاجتماعيّ، بحسب ما ادّعته لجنة التحقيق في دويتشه فيله، وهي منشورات تتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة.
وعلى الرغم من توصيات اللجنة بوقف الشراكة وإعادة النظر فيها، فقد سعت دويتشه فيله لتوضيح ما جاء في تقرير لجنة التحقيق حول هذه المؤسسات، من خلال اجتماع بادر له رئيس مكتب تمثيل ألمانيا في رام الله، أوليفر أوفتشا، بالإضافة إلى إرسال رسالة توضيحيّة للمؤسّسات، حصل موقع عرب 48 على نسخة منها، كما نستعرض وجهة نظر بعض المؤسّسات التي تجاوبت مع توجّهنا حول التهم الموجّهة إليها في تحقيق دويتشه فيله.
وفي السياق ذاته، أصدرت أكثر من مائة مؤسّسة فلسطينيّة وعربيّة ودوليّة بيانًا مشتركًا، دانت فيه تقرير لجنة التحقيق التابعة لدويتشه فيله ضد الشركاء الفلسطينيّين، معتبرين أنّه "تطور في حملة التشهير المستمرة ضدّ الفلسطينيّين، والتي تعمل على إسكات الأصوات الفلسطينيّة، وتقييد حريّة التعبير، وقمع الخطاب السياسيّ والحقوقيّ المشروع الذي ينتقد الانتهاكات الإسرائيليّة المستمرّة ضد الفلسطينيّين".
وأضاف البيان أن "تبني دويتشه فيله لمثل هذا الخطاب يشكّل خطرًا كبيرًا على حريّة الرأي والتعبير. يخلط هذا النهج بين الجاليات اليهوديّة حول العالم وإسرائيل، ويربطها بشكل مغلوط بالقمع المنهجيّ الذي تُمارسه السلطات الإسرائيليّة ضدّ الفلسطينيّين. يجب أن ترفض دويتشه فيله التعاون مع أولئك الذين يسعون لنشر حملات التشهير ضدّ الفلسطينيين، في محاولة لنشر الأكاذيب، بدلًا من السعي للوصول إلى العدالة والحريّة والكرامة". وأكّد البيان على أنّه "لم يعد بإمكان دويتشه فيله الاستمرار في الادّعاء بأنها مناصرة لحريّة التعبير، إذا استمرّت في الإدلاء بتصريحات تشهيريّة ضدّ الفلسطينيّين لإسكاتهم. حان الوقت لكي تقف دويتشه فيله مع المضطهدين وتضخيم أصواتهم".
ودعا الموقّعون في بيانهم إلى "1. سحب التقرير المتحيّز وإنهاء حملة التشهير 2. تشكيل لجنة موضوعيّة وغير منحازة من خبراء مناهضة العنصريّة، للتحقيق في أيّ مخالفات، والتشاور مع الصحافيّين والمؤسسات الفلسطينيّة الشريكة 3. الالتزام بحريّة التعبير واعتماد تعريف أقلّ تحيّزًا لمعاداة الساميّة، أقرّه كلّ من المدافعين عن حقوق الإنسان اليهود والفلسطينيّين، مثل إعلان القدس حول معاداة الساميّة 4. السماح بالنقاش السياسيّ الخالي من جميع أشكال العنصريّة والكراهية، بما في ذلك معاداة الساميّة وكراهية الإسلام".
رفض المتحدّث الإعلاميّ الرسميّ للمحطّة الألمانيّة، كريستوف يومبيلت، من خلال أسئلة توجّهنا بها إلى دويتشه فيله، التعليق على البيان، مكتفيًا بالقول "ليس كذلك" حول اتّهامات الانحياز.
فارس الصايغ: نحن غير مجبرين على الاعتراف بإسرائيل ولا بتصرّفاتها
وفي حديث لموقع عرب 48 مع مدير قناة "رؤيا" الأردنيّة، فارس صايغ، والذي ردّ من خلاله على التهم التي وجّهت للقناة بمعاداة الساميّة من قبل تحقيق دويتشه فيله، قال إن "هذا ليس تحقيقًا، هذا كلام فارغ. نحن ندرس خطواتنا في مقاضاتهم بسبب هذه التهم، وذلك على أكثر من مستوى، إن كان في الأردن أو في ألمانيا، لأن هناك عقودًا موقّعة بيننا، ونعتبر هذه التهم تشهيرًا. طبيعة التعاون بيننا كانت على إنتاج مشترك، كنّا ننفّذ لهم بعض البرامج، وننشر لهم بعض المحتوى. التعاون الآن متوقّف، وتركيزنا يتمثّل في الاستمرار بعملنا ونهجنا، ونحن لسنا بحاجة للتعاون مع دويتشه فيله".
وفي ما يخصّ موضوع الكاريكاتير الذي نشرته "رؤيا" واعتبرته لجنة تحقيق دويتشه فيله معاديًا للساميّة، والذي يشبّه مقتحمي المسجد الأقصى بالخنازير، قال "إنّهم يخلطون بين اللاساميّة ومعاداة سياسات إسرائيل، وهذا الربط مرفوض. موقفنا واضح ضدّ سياسات إسرائيل في المنطقة، وهو ما نعاديه. الكاريكاتير يحوي نجمة داوود، وهي مأخوذة من العلم الإسرائيليّ بلون أزرق، ونحن نحارب تصرّفات إسرائيل اللاإنسانيّة، وهذا لا علاقة له باللاساميّة، وليس لدينا أيّ منشور ضدّ الديانة اليهوديّة. نحن غير مجبرين على الاعتراف بإسرائيل ولا بتصرّفاتها، ولن نغيّر من نهجنا هذا، حتّى لو كان ثمّة اتفاقيّات سلام بين الأردن وإسرائيل كما ذكروا في تحقيقهم. أنا لستُ مجبرًا باتفاقيّات الدولة الأردنيّة مع الكيان الصهيوني، نحن لسنا مؤسسة حكوميّة، نحن إعلام مستقلّ، ولنا الحريّة في نهجنا".
وأضاف صايغ أنه "توجّهنا للقضاء في ألمانيا سيكون من أجل المطالبة بالفصل بين نقد إسرائيل ومعاداة الساميّة، إذ لا يجوز أن يستمرّ الخلط من قبل الأوروبيّين بين نقد إسرائيل ومعاداة الساميّة. هذان أمران مختلفان عن بعضهما. رأينا كيف تمّ فصل موظّفين بسبب هذا الخلط. تصرّف دويتشه فيله صبيانيّ وجبان. هم لديهم مشكلة سياسيّة، وخافوا من البرلمان، وتخلّوا فورًا عن كلّ اتّفاقيّاتهم، وهذا يدل على عدم مصداقيّة المؤسسة وبعض الأشخاص العاملين فيها، وفضّلوا التهرّب من مواجهة القضيّة، من خلال ما قاموا به من إجراءات، وهذا مؤذٍ لمؤسّستنا الإعلاميّة وللقضيّة الفلسطينيّة".
نديم ناشف: لن نوقّع على شيء يخالف مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان
وفي حديث لموقع عرب 48 مع مدير مركز "حملة - المركز العربيّ لتطوير الإعلام الاجتماعيّ" نديم ناشف، قال إن "تعاوننا في مركز حملة مع أكاديميّة دويتشه فيله كان يخصّ مشروعًا للأمان الرقميّ للمراهقين، بالإضافة إلى تدريبات. الجمعيّات الفلسطينيّة الأربع المذكورة في تحقيق دويتشه فيله لا علاقة لها بالقضيّة التي تخصّ الموظّفين، ومن قرّر إضافة هذه الجمعيّات للتحقيق هي لجنة تحقيق دويتشه فيله. التقينا رئيس مكتب تمثيل ألمانيا في رام الله، أوليفر أوفتشا، والوزيرة زابينه لويتهويزر - شنارينبرغر، عضو لجنة التحقيق التي أوصت بعدم قطع العلاقة مع المؤسّسات الفلسطينيّة، بعد صدور التحقيق، بحسب كلامها. كما التقينا مدير عامّ دويتشه فيله، بيتر ليمبورغ، وأخبرناه أنّنا كمؤسّسات قمنا بتجميد عملنا معكم حتّى يصدر موقف واضح من قبلكم؛ لأنّ ما ذُكِر بالتحقيق يضرّ بسمعتنا دوليًّا، وإلّا فسوف سنتوجّه للقضاء، كما أبلغناه بأنّنا لن نقوم بالتوقيع على أيّ وثيقة تتبنّى تعريف التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى المحرقة في تعريف معاداة الساميّة".
وأضاف ناشف أنه "كانت هناك حملة على دويتشه فيله من مؤسّسات ألمانيّة وعالميّة ليتراجعوا عن موقفهم في ما يخصّ المؤسّسات الفلسطينيّة الأربع، وحصلنا منهم على رسالة تفيد بأنّهم لا يتبنّون ما ذُكِر في تقرير لجنة التحقيق، وأنّه لا توجد معاداة للسامية في خطابنا، وأنّنا نعمل بمهنيّة عالية، وأنّهم يعتذرون عمّا ورد في التحقيق".
وخلص ناشف إلى القول إنه "من ناحيتنا القضية انتهت أمامهم بعد هذه الرسالة، ونحن لا نرغب في القطع معهم، كما لا نريد للطرف الآخر النجاح في إقصائنا من العمل مع مؤسّسات دوليّة. نُرِيد أن نُحارب ليبقى الصوت الفلسطينيّ موجودًا في كلّ مكان، دون أن نتنازل عن موقفنا. لن نوقّع على شيء يُخالف مواثيق الأمم المتّحدة وحقوق الإنسان، وهذا ما يُلزمنا في تعريف معاداة الساميّة، وليس تعريفات أخرى. نحن ضدّ العنصريّة بكافّة أشكالها".
هانيا بيطار: يريدون وضعنا في حالة رقابة ذاتيّة
وفي حديث المديرة العامّة لمؤسّسة "بيالارا" الفلسطينيّة، هانيا بيطار، لموقع عرب 48، قالت إن "هذه ليست الحملة الأولى التي تتعرّض لها المؤسّسة. إنّ المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ يقبع تحت المراقبة الإسرائيليّة". وأضافت أن "لديهم أذرع كثيرة حول العالم مثل ’إن جي أو مونتر’ و’بالستاين ووتش’ وكذلك اللوبي الصهيونيّ، ومهمّتهم هي وضعنا تحت المجهر، وشنّ حملة هوجاء ضدّ المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ لتقويضه وعزله، لأنّهم يعرفون أنّ هذا المجتمع له دور فعّال في القاعدة الجماهيريّة والرأي العامّ العالميّ".
وأضافت بيطار أن "الخطير في هذا التحقيق الذي اعتذروا لاحقًا للجمعيّات الفلسطينيّة عمّا جاء فيه من ذكرٍ لنا، أنّه يفتح الباب أمام مؤسّسات ألمانيّة وأوروبيّة في وضع شروط أكثر صرامة مع الشريك الفلسطينيّ. يريدون وضعنا في حالة رقابة ذاتيّة على الحسابات الرسميّة وغير الرسميّة في مواقع التواصل الاجتماعيّ. نحن نعمل على خلق منصّات إعلاميّة يمتلكها الشباب، وهذا يضعنا دومًا تحت المجهر".
وخلصت بيطار إلى القول أن "تعريف معاداة الساميّة الذي يستخدمونه لا يتماشى معنا. إذا كان ثمّة حقّ لإسرائيل في الوجود، فنحن لا نؤمن أنّه على أرضنا. بعد أشهر من التواصل، أصدروا رسالة توضيح موقف للشركاء واعتذروا، وأصرّوا على أنّنا شركاء. شراكتنا معهم حول التربية الإعلاميّة وتثقيف الإنسان على منصّات التواصل الاجتماعيّ والحفاظ على الخصوصيّة، وضدّ التنمر الإلكترونيّ".
رائد عثمان: لو تطلب الأمر إنهاء العلاقة مع دويتشه فيله، نحن لن نغير من معاييرنا
في حديث مع مدير عامّ وكالة "معًا"، رائد عثمان، قال لموقع عرب 48 إن "الشراكة بين دويتشه فيله وفضائيّة معًا، وليس وكالة معًا، هي شراكة غير مدفوعة الأجر، عمرها عشر سنوات، ونحن فقط نعيد بثّ برامجهم، هم المستفيدون من الموضوع، ولا يوجد بيننا أيّ تعامل ماليّ. اعتمد تقريرهم على تعريف مؤسّسة معيّنة في معاداة الساميّة، وهذا التعريف يخالف كلّ القوانين الدوليّة، ونحن ملتزمون بأخلاقيّات مهنة الصحافة والمواثيق الدوليّة في التعامل مع الاحتلال. في تحقيقهم يقولون إنّ ’معًا’ تستخدم كلمة احتلال، القانون الدوليّ يقول احتلال، إسرائيل تقول احتلال، والعالم كلّه يقول احتلال".
وأضاف عثمان أنه "نتعامل في ما يخصّ الشأن الفلسطينيّ على أنّه احتلال. أمّا عندما نتعامل مع إسرائيل في ما يخصّ شؤونها، فإنّنا نتعامل معها على أنّها دولة. نتعامل مع القدس والمستوطنات وفقًا للقانون الدوليّ على أنّها احتلال. وحتّى لو تطلب الأمر إنهاء العلاقة مع دويتشه فيله، فنحن لن نغيّر من معاييرنا ومقاييسنا لأنّ مؤسّسة ألمانيّة وضعت تعريفًا تدمج فيه ما بين نقد إسرائيل ومعاداة الساميّة. خلال اجتماعي مع سفيرهم أوليفر أوفتشا (قبل أشهر)، كان قد استشهد في اليوم نفسه طفل فلسطينيّ من قرية الخضر. قلت له حينها، كيف أنشر هذا الخبر ولا يكون معاديًا للساميّة؟ جنديّ إسرائيليّ أطلق النار على طفل فلسطينيّ عمره 13 عامًا وقتله؟ أعطني الصيغة، لأنّه بحسب منطقهم هذا، إذا نُشِر الخبر في هذه الصيغة، فسوف يسيء لإسرائيل".
وأكّد عثمان على أنّ هذا اللقاء حول موضوع معاداة الساميّة جرى في بيت رئيس مكتب تمثيل ألمانيا في القدس، أوليفر أوفتشا، وحضرته وزيرة العدل السابقة، ونائب عام. وقال عثمان إنه "جاءوا لتبرير ما صدر في التحقيق وشرحه لنا، هم لم يتبنوا ما جاء في التقرير، بل أرادوا التوضيح، لأنّ ألمانيا اتُّهمت بأنّّها معادية للفلسطينيّين بعد صدوره. أمّا نحن، فأكّدنا لهم على أنّنا نلتزم بالقانون الدوليّ، ونفرّق بين إسرائيل كدولة احتلال ومعاداة الساميّة ومهاجمة اليهود كيهود".
التعليقات