تحقيق خاصّ | دويتشه فيله ومعاداة الساميّة... لجنة تحقيق منحازة لإسرائيل

تحقيق صحافيّ لموقع عرب 48 يستقصي قضيّة دويتشه فيله ولجنة "التحقيق" وفصل موظّفين من القسم العربيّ بتهم «معاداة الساميّة». التحقيق الذي جرى العمل عليه لأكثر من سنة، يستعرض الأسس التي اعتمدت عليها التُّهم الموجّهة للموظّفين، ويغوص في كواليس القضيّة.

تحقيق خاصّ | دويتشه فيله ومعاداة الساميّة... لجنة تحقيق منحازة لإسرائيل

تصميم غرافي: علاء سلامة

تحرير وتدقيق لغويّ: نوّاف رضوان

برمجة: باسل شليوط


"فُصِلْتُ من عملي، دون أن أعرف السبب. أتقدّم لوظائف أخرى، فيأتيني الردّ: 'مبادئك لا تناسب مبادئنا'. حياتي انقلبت رأسًا على عقب بسبب التحقيق معي في دويتشه فيله، بسبب منشورات سياسيّة عبّرتُ فيها عن آرائي التي انتقدت ألمانيا وتعاملها مع القضيّة الفلسطينيّة. لم أتوقّع أنّ هذا من الممكن أن يحدث في بلد ديمقراطيّ، كما لم أتوقّع أبدًا أن تلاحقني تهم بمعاداة السامية". تقول الصحافيّة الفلسطينيّة المقيمة في ألمانيا مرام سالم لموقع عرب 48، حول معاناتها بعد فصلها من عملها في مؤسّسة دويتشه فيله في شباط/ فبراير 2022.

مرام لم تكن وحدها في القضيّة المعروفة بفصل موظّفين عرب من القسم العربيّ في دويتشه فيله، بعد تحقيق خارجيّ أجرته المؤسّسة على خلفيّة تهم بمعاداة الساميّة، إذ فصلت دويتشه فيله بدايةً خمسة موظّفين، وهم: مرام سالم، فرح مرقة، مرهف محمود، باسل العريضي، وأوقفت التعاقد مع داود إبراهيم. بعدها بأسبوعين، فُصِل كلّ من زاهي علّاوي، وياسر أبو معيلق أيضًا. بعد الفصل، توجّه عدد من الموظّفين إلى محاكم العمل في ألمانيا، حيث حُكِم لصالح ثلاثة موظّفين بعدم قانونيّة فصلهم من عملهم من قبل دويتشه فيله.

البداية

بدأت القضيّة في المؤسّسة الإعلاميّة المموّلة من الحكومة الألمانيّة، دويتشه فيله، في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وذلك بعد أن نشرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" تقريرًا قالت فيه إنّ عددًا من العاملين في القسم العربيّ، وكذلك أحد المدرّبين الذي يعمل بشكل مستقلّ مع المؤسّسة، نشروا في السنوات الماضية تعليقات "معادية للساميّة" عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ ووسائل إعلام أخرى.

وعلى إثر ذلك، أعلنت دويتشه فيله في الأوّل من كانون الأوّل/ ديسمبر 2021، عن فتح تحقيق في تصريحات الموظّفين في القسم العربيّ، إذ قال مدير عامّ دويتشه فيله، بيتر ليمبورغ، إنّ المؤسّسة لديها سياسات وقيم لا تتسامح قيد أنملة مع معاداة السامية، ومن بين هذه القيم "الاعتراف الواضح لدويتشه فيله بحقّ إسرائيل في الوجود".

بعدها بيومين، أعلنت دويتشه فيله عن إيقاف الموظّفين المذكورين في تقرير "زوّد دويتشه تسايتونغ "عن العمل، بالإضافة إلى إطلاق تحقيق خارجيّ مستقلّ في القضيّة، وذلك بالاستعانة بكلّ من وزيرة العدل الألمانيّة السابقة زابينه لويتهويزر - شنارينبرغر، والأخصّائيّ النفسيّ أحمد منصور، وهما "شخصيّتان معروفتان يتّفق مسارهما المهنيّ مع هذه المهمّة بشكل خاصّ" بحسب ما صرّح به ليمبورغ.

وفي الأسبوع نفسه، في الخامس من كانون الأوّل/ ديسمبر 2021، أعلنت دويتشه فليه عن وقف تعاونها بشكل نهائيّ مع قناة "رؤيا" الأردنيّة بعد "اكتشاف منشورات معادية للساميّة نشرتها القناة في وسائل التواصل الاجتماعيّ"، إذ برّر غويدو باومهاور، المدير العامّ لقسم التسويق والتكنولوجيا في دويتشه فيله، القرار بسبب عدم اتّفاق "المنشورات المثيرة للريبة" مع قيم دويتشه فيله، قائلًا إنه "سنقوم الآن، داخليًّا، بمراجعة عمليّة انتقائنا للشركاء على نحو أكثر دقّةً، ولا سيّما في ما يتعلّق بمعاداة السامية والعنصريّة".

بعد شهرين، في السابع من شباط/ فبراير 2022، أعلنت دويتشه فيله عن انتهاء التحقيق الخارجيّ الذي خلص إلى "عدم وجود معاداة ممنهجة للساميّة في دويتشه فيله" وإنّما ثمّة "حالات محدودة"، فيما اتّخذت الإدارة "إجراءات صارمة، ووضعت خطّة عمل لمنع وقوع ذلك مستقبلًا". ومن بين هذه الإجراءات، فصل الموظّفين المذكورين من القسم العربيّ، وتقديم خطّة عمل من عشر نقاط، تنصّ على خطوات منها أن تلتزم دويتشه فيله بتعريف لمعاداة الساميّة، وتجعله ملزمًا للعاملين في المؤسّسة، يشمل "الاعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود ورفض إنكار محارق الهولوكوست أو التقليل منها". كما ستقوم دويتشه فيله بصياغة "مدوّنة قواعد سلوك خاصّة بها وتحديد ’خطوط حمراء’ للعاملين وجعلها أكثر إلزامًا". إضافةً إلى ذلك، سيتمّ وضع نسخة من مدوّنة قواعد السلوك خصّيصًا لشركاء المؤسّسة في الشرق الأوسط. وأحد هذه الإجراءات أيضًا، افتتاح مكتب لدويتشه فيله في إسرائيل، في مدينة القدس (الغربيّة).

تضمّن تحقيق دويتشه فيله مراجعة وتقييمَ شراكاتٍ مع مؤسّسات عربيّة وفلسطينيّة بسبب منشورات حول القضيّة الفلسطينيّة وهي: قناة "رؤيا" الأردنيّة، تلفزيون "الجديد" اللبنانيّ، وكالة "معًا" الفلسطينيّة، حملة - المركز العربيّ للتطوير الاجتماعيّ، هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينيّة، مؤسّسة "بيالارا" الفلسطينيّة، مؤسّسة تنمية وإعلام المرأة الفلسطينيّة، "راديو نساء" الفلسطينيّ، و"كامبجي" في لبنان.

بحسب التحقيق، أوصت اللجنة بإنهاء العمل، أو إعادة النظر في العمل مع هذه المؤسّسات بسبب تهم معاداة السامية، أو بسبب نقدهم للاحتلال الإسرائيليّ والمصطلحات المستخدمة.

بدوره، انتقد المرصد الأورومتوسطيّ لحقوق الإنسان قرار فصل الموظّفين، واعتبر أنّ "مثل هذه الإجراءات لن تؤدّي إلّا إلى فتح الباب على مصراعيه، لتصعيد حملة التطهير ضدّ العرب في وسائل الإعلام الألمانيّة". واعتبر الفريق القانونيّ للمرصد بعد مراجعة وفحص تقرير اللجنة، أنّ "إطار عمل التقرير وتحليله وتوصياته تتضمّن أدلّةً عديدةً على التحيّز لصالح إسرائيل ضدّ الفلسطينيّين، ويتضمّن العديد من وجهات النظر الإسرائيليّة، ويسعى لخلق تحيّز أقوى لإسرائيل في وسائل الإعلام الألمانيّة، والحدّ من مساحة أصوات الفلسطينيّين والمؤيّدين لهم".

واعتبرت لجنة دعم الصحافيّين القرار انتهاكًا فاضحًا للحقّ في حريّة الرأي والتعبير، والحقّ في حريّة العمل الصحافيّ أيضًا، مؤكّدةً أنّ "الاستدعاء والتحقيق والادّعاء والإحالة للمحاكمة أو السجن والتغريم أو تعليق التعاون أو الطرد التعسّفيّ بحقّ أيّ إعلاميّ، على خلفيّة مواقفه ومنشوراته أو أيّ مادّة إعلاميّة يعرّضها للرأي العامّ عبر المنصّات الإخباريّة أو مواقع التواصل الاجتماعيّ، هي مخالفات فاضحة للحقّ في حرّيّة النشر وحريّة العمل الصحافيّ والإعلاميّ". وشدّدت اللجنة على ضرورة احترام الجهات المعنيّة للحريّات العامّة "في مقدّمتها الحقّ في حريّة الرأي والتعبير والحقّ في الحريّات الإعلاميّة، وتطالب بالتعويض العادل للصحافيّين المتضرّرين من اتّهامهم بممارسة حقّهم في "حرّيّة الرأي والتعبير"، مع ثبوت عدم تضمّن منشوراتهم معاداةً للساميّة أو خطابًا عنصريًّا دينيًّا، وفق ما أعلن".

يشار إلى أنّ آخر خطوات معالجة قضايا "معاداة الساميّة" داخل دويتشه فيله، كانت عبارة عن افتتاح مكتب جديد للمؤسّسة في إسرائيل تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.

لماذا أجرينا هذا التحقيق؟

في هذا التحقيق الصحافيّ لموقع عرب 48، نستقصي طبيعة عمل اللّجنة التي قامت دويتشه فيله بتكليفها بالتحقيق وتقييمها النهائيّ وتوصياتها، كما نقوم بالاستقصاء حول الشكوك الموجّهة للجنة وأعضائها، في أعقاب توجيه اتّهامات من قبل مؤسّسات وموظّفين قابلناهم، تشير إلى مخاوف بشأن مهنيّة اللجنة وانحيازها سياسيًّا، وارتباط أبرز أعضائها، أحمد منصور، بمؤسّسات إسرائيليّة ومؤسّسات تعمل لصالح إسرائيل وتنحاز لها.

وانطلاقًا من كون تهم "معاداة الساميّة" من الخطوط الحمراء في ألمانيا، وتعتبر تهمًا خطيرةً، قمنا بفحص الأسس التي اعتمدت عليها التهم الموجّهة للموظّفين والمؤسّسات، كما قمنا بمراجعة وتقييم تحقيق دويتشه فيله المنشور على موقعها الرسميّ في السابع من شباط/ فبراير 2022، من قبل أكاديميّ متخصّص في شؤون معاداة الساميّة، لفحص مصداقيّة التقييم النهائيّ لتحقيق دويتشه فيله، ومعرفة مدى صحّة تهمّ معاداة الساميّة، من عدمها.

ينقسم تحقيق موقع عرب 48 إلى ستّة ملفّات بالإضافة لهذه المقدمة، تُقْرَأ بالترتيب:

- الموظّفون

- المؤسّسات

- تقييم التحقيق

- لجنة التحقيق

- مساءلة وردود

- الخُلاصة

  1. الموظّفون

    الموظّفون

    في هذا الجزء من التحقيق، نحاور بعض الموظّفين والعاملين المفصولين من القسم العربيّ في دويتشه فيله، للاطّلاع على وجهة نظرهم والاستماع إلى أقوالهم فيما يخصّ القضيّة التي أثارت العديد من ردود الفعل في ألمانيا والعالم العربيّ 19/03/2023
  2. المؤسّسات

    المؤسّسات

    نستقصي في هذا الملفّ القضيّة المتعلّقة بالشراكة بين دويتشه فيله ومؤسّسات فلسطينيّة وعربيّة، بعد اتّهام هذه المؤسّسات بـ"معاداة الساميّة"، بحسب ادّعاءات لجنة دويتشه فيله. 19/03/2023
  3. تقييم التحقيق

    تقييم التحقيق

    يقيّم الخبير والأكاديميّ موشيه تسوكرمان "تقرير لجنة التحقيق المستقلّة في اتّهامات معاداة الساميّة" في دويتشه فيله، ونفحص مدى مصداقيّة اللجنة في توجيه تهم معاداة الساميّة للموظّفين المفصولين. 19/03/2023
  4. لجنة التحقيق

    لجنة التحقيق

    هذا الجزء من التحقيق يراجع مواقف وعلاقات أعضاء لجنة التحقيق الخارجيّة المكلّفة من قبل دويتشه فيله، والتي جرى التحقيق فيها مع موظّفين في القسم العربيّ بتهم تتعلّق بـ"معاداة الساميّة". 19/03/2023
  5. مساءلة وردود

    مساءلة وردود

    في هذا الجزء من التحقيق، نجري مساءلة صحافيّة، حيث توجّهنا بالأسئلة إلى أكثر من جهة؛ سواء من أعضاء لجنة التحقيق، أو من بعض الموظّفين المفصولين من دويتشه فيله 19/03/2023
  6. خلاصة التحقيق

    خلاصة التحقيق

    يستعرض عرب 48 في الجزء الأخير خلاصة التحقيق الذي أجراه حول قضيّة فصل الموظّفين العرب من دويتشه فيله، بالإضافة إلى الطريقة التي جرى فيها التحقيق من الموظّفين بتهم معاداة الساميّة. 19/03/2023

التعليقات