تقييم التحقيق

يقيّم الخبير والأكاديميّ موشيه تسوكرمان "تقرير لجنة التحقيق المستقلّة في اتّهامات معاداة الساميّة" في دويتشه فيله، ونفحص مدى مصداقيّة اللجنة في توجيه تهم معاداة الساميّة للموظّفين المفصولين.

تقييم التحقيق

في هذا الملفّ من التحقيق، نُقيّم "تقرير لجنة التحقيق المستقلّة في اتّهامات معاداة الساميّة في دويتشه فيله" المنشور بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2022، وفحص نتائج لجنة التحقيق، ومدى مصداقيّتها في توجيه تُهَم معاداة الساميّة لمنشورات في مواقع التواصل الاجتماعيّ الخاصّة بموظّفي دويتشه فيله المفصولين، ومنشورات لمؤسّسات عربيّة شريكة للقناة الألمانيّة وأكاديميّتها، بالإضافة إلى موادّ نشرتها دويتشه فيله بنفسها عبر موقعها.

من أجل القيام بذلك، استعنّا بالخبير والأكاديميّ موشيه تسوكرمان، وهو عالم اجتماعيّات يهوديّ إسرائيليّ ألمانيّ، وبروفيسور للتاريخ والفلسفة في جامعة تل أبيب، وله مؤلّفات يتطرّق فيها إلى معاداة الساميّة، منها كتابه الصادر عام 2005 بعنوان "معاداة الساميّة – معاداة الصهيونيّة – نقد إسرائيل"، وهو أحد الموقّعين على إعلان القدس حول معاداة الساميّة.

يتضمّن إعلان القدس حول معاداة الساميّة (JDA) الذي صدر عام 2021 عن أكاديميّين يهود في مجال بحث تاريخ الهولوكوست والدراسات اليهوديّة ودراسات الشرق الأوسط، إرشادات ومعايير لتحديد ومواجهة وزيادة الوعي حول معاداة الساميّة، ووقع عليه حتى اليوم أكثر من 350 باحثًا وأكاديميًّا يهوديًّا حول العالم. وجاء الإعلان ردًّا على معايير "التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى الهولوكوست"، التي تساوي بين انتقاد إسرائيل ومعاداة الساميّة، والذي يعتبره إعلان القدس "جدليًّا، ويسهم في إضعاف النضال ضد معاداة الساميّة".

أمّا التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) الذي استند إليه تحقيق دويتشه فيله، فهو "تعريف عمليّ لمعاداة الساميّة"، وكان قد صدر عام 2016، ويحوي "إرشادات لمظاهر اللاساميّة، ويرى أنّ استهداف إسرائيل معادٍ للسامية" كونها وبحسب تعريفه مجموعة يهوديّة.

يُعتَبَر تعريف معاداة الساميّة الصادر عن "التحالف الدوليّ" إشكاليًّا في ما يتعلّق بربط معاداة الساميّة مع معاداة الصهيونيّة أو انتقاد إسرائيل. فمن أصل 11 بندًا تعريفيًّا حول معاداة الساميّة وردت في تعريفه، ثمّة سبعة بنود متعلّقة بإسرائيل، الأمر الذي دفع أكثر من مئة مثقّف عربيّ وفلسطينيّ إلى اعتبار التعريف موجّهًا ضدّ "الجماعات اليساريّة ومنظّمات حقوق الإنسان التي تدعم حقوق الفلسطينيّين، وحملة مقاطعة سحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)" في بيان مشترك عام 2020.

ويواجه هذا التعريف الذي دعمته ألمانيا سياسيًّا عام 2017، انتقادات من أصوات يهوديّة ومؤسّسات وناشطين حول العالم، حتّى أن كينيث ستيرن، المشرف الرئيسيّ على صياغة التعريف، وجّه انتقادات حادّة في صحيفة ذي غارديان بسبب استغلال اليمين له وتوظيفه ضدّ الحراكات والأصوات المُناصرة لحقوق الفلسطينيّين. وفي مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أصدرت المقرّرة الخاصّة للأمم المتّحدة المعنيّة بالأشكال المعاصرة للعنصريّة، تنداي أشيومي، تقريرًا شارك في إعداده 128 باحثًا من جامعات أميركيّة وأوروبيّة، من بينهم يهود وإسرائيليّون، قالوا فيه إنّ على الأمم المتّحدة ودول العالم عدم تبنّي تعريف "التحالف الدوليّ" لمعاداة الساميّة، كونه "مثيرًا للجدل، ويستغلّ مكافحة معاداة الساميّة لدوافع سياسيّة، ويُلْحِق ضررًا بحقوق الإنسان والأقليّات، ومنهم اليهود".

أيّدت لجنة التحقيق في تقريرها إيقاف موظّفين من القسم العربيّ بعد التحقيق معهم (مع العلم أنّه لم يتم استدعاء أيّ موظّف آخر للتحقيق من الأقسام غير العربيّة)، كما أوصى التقرير بوقف شراكات مع مؤسّسات ووسائل إعلام عربيّة، أو إعادة النظر فيها، كما حثّ على تغيير وحذف موادّ تتعلّق بفلسطين، كانت دويتشه فيله قد نشرتها على موقعها، ووضع ضوابط جديدة في النشر والعلاقات والتوظيف وقواعد السلوك.

طلبنا من عالم الاجتماعيّات موشيه تسوكرمان مراجعة وتقييم التحقيق الذي نشرته دويتشه فيله، وقام بذلك حسب معايير إعلان القدس حول معاداة الساميّة، ويمكن الاطّلاع على التقييم الكامل، عبر تحميل ملف PDF المرفق أسفل الصفحة.

أبرز ما توصّل إليه تقييم تسوكرمان لتحقيق دويتشه فيله الذي جاء في 56 صفحة

1. من أصل 11 تصريحًا ومنشورًا على وسائل التواصل الاجتماعيّ لموظّفين تمّ فصلهم، باعتبارها معادية للساميّة بحسب لجنة التحقيق، قيّم تسوكرمان اثنين منها فقط على أنّها "معادية فعلًا للساميّة"، بحسب معايير إعلان القدس، أمّا التسعة المتبقّية، فلم تكن إلّا انتقادات وتصريحات معادية لإسرائيل، أو "مجرّد ثرثرة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعيّ".

2. الخمس موادّ الصحافية التي نُشِرَت على الموقع الإلكترونيّ للقناة باللغة الألمانيّة، وتحدّثت عن احتجاجات غزّة الحدوديّة عام 2018 والدور النسائيّ فيها، وعن النكبة والمقاومة الفلسطينيّة وتأسيس دولة إسرائيل، شُطِبَت فقرة كاملة كانت تتحدّث عن التهجير القسريّ للفلسطينيّين عام 1948، واستُبدِلَت بجملة مبهمة تُشير فقط إلى خسارتهم لوطنهم، بالإضافة إلى تغريدات برنامج "السلطة الخامسة" على تويتر، كانت قد تضمّنت هاشتاغ #أنقذوا_حيّ_الشيخ_جرّاح، والتي حُذِفَت لاحقًا، حيث قُيِّمَت أجزاء منها في التحقيق على أنّها "معادية للساميّة"، فقد خلص تسوكرمان إلى أنّ جميعها غير معادية للساميّة البتّة، بل تتحدّث عن حقائق تاريخيّة وواقعيّة، وهنا تحديدًا، يرى أنّ لجنة التحقيق تقوم بنشر البروباغندا الإسرائيليّة الملقّبة بالـ"هاسبارا" محاولةً طمس الرواية الفلسطينيّة.

3. بخصوص تصريحات أو منشورات عدد من الضيوف في برامج دويتشه فيله، أو عبر أثيرها، كان التحقيق قد تناولهم، فلم يجد تسوكرمان بحسب معايير إعلان القدس أيّ معاداة للساميّة، إنّما هي مجرّد انتقادات للسياسات الإسرائيليّة.

4. أمّا الشركاء الإعلاميّون للقناة في الشرق الأوسط، وهم (قناة رؤيا الأردنيّة، تلفزيون الجديد اللبنانيّ، الهيئة العامّة للإذاعة والتلفزيون الفلسطينيّة ووكالة معًا الفلسطينيّة)، والذين تمّ اتهامهم في التحقيق بمعاداة الساميّة، باستثناء "الجديد" اللبناني "لخلافه مع حزب الله"؛ بسبب استخدامهم مصطلحات مثل "الاحتلال، المقاومة، الشهداء، العدوان الإسرائيليّ" في برامجهم وتقاريرهم، وفي حالة قناة "رؤيا" الأردنيّة، بسبب نشر رسوم معادية لإسرائيل أيضًا، حيث أوصى التحقيق بإنهاء الشراكة مع "معًا" وهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينيّة. أمّا في حالة تلفزيون "رؤيا" وتلفزيون "الجديد" اللبنانيّ، بحسب توصية التحقيق، فإنّه من الممكن استمراريّة التعاون بشرط حذف الرسومات المسيئة من قبل "رؤيا"، وضمان تعاقديّ بعدم نشر أيّ محتوى معادٍ للساميّة في المستقبل من كلتا المحطّتين. وقام تسوكرمان بتقييم ما ورد على أنّه غير معادٍ للسامية أبدًا، بل إنّ اللجنة تعاني من فقدان للواقعية، إذ إنّها تنكر حقيقة وجود الاحتلال الإسرائيليّ، فهي تعتبر مصطلحات مثل "الاحتلال" و"المحتلّون" معادية للساميّة، كما أنه من الطبيعيّ الافتراض أنّ شركاء دويتشه فيله في العالم العربيّ سيميلون إلى انتقاد إسرائيل، وربّما الصهيونيّة أيضًا، لكنّ هذا غير معادٍ للساميّة.

5. أمّا بالنسبة لخمس مؤسّسات تتعاون معها أكاديميّة دويتشه فيله الإعلاميّة، وتحصل على تمويل من برامج ألمانيّة رسميّة مرتبطة، أبرزها المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي – حملة، والهيئة الفلسطينيّة للإعلام وتفعيل دور الشباب – بيالارا، فقد قام تحقيق دويتشه فيله بتقييم منشورات متعدّدة على وسائل التواصل الاجتماعيّ لهذه المؤسّسات، يتّهمها فيها بمعاداة الساميّة، بسبب استخدام هاشتاغات مثل #أنقذوا_حيّ_الشيخ_جرّاح و#القدس_لنا ومصطلحات مثل "الاحتلال" و"الكيان الصهيونيّ" و"شهيد"، ونشر إرشادات توعويّة لكيفيّة تجنّب برمجيّات منصّة فيسبوك المعادية للمحتوى الفلسطينيّ، وأوصى بإنهاء التعاون معها جميعًا، حيث اعتبر أنّها تنشر محتوىً مغرضًا وبروباغندا أحاديّة الجانب للروايّات الفلسطينيّة، وهو شيء غير مقبول بتقديرهم.

لم يجد تسوكرمان في منشورات المؤسّسات الخمس المذكورة أيّ معاداة للساميّة، فهي "منتقدة لإسرائيل والصهيونيّة، وبعضها يحمل لغة معادية، لكن هذا لا يعني أنّها معادية لليهود".

وبرأيه أنّ لجنة التحقيق متحيّزة وتتعامل بازدواجية، وهي تغفل حقيقة وجود خطاب كراهية مقابل في المجتمع الإسرائيليّ، وتقوم بمحاكمة الجانب الفلسطينيّ فقط من دون أيّ مراعاة للعوامل والظروف الموجودة المتمثّلة بالاحتلال، وبالتالي، فهي تتحدّث بلسان البروباغندا الإسرائيليّة.

يرى تسوكرمان أنّه في ألمانيا، وعلى وجه العموم، يتمّ توجيه الاتّهامات بشكل متزايد وشموليّ، بمجرّد أن يتعلّق الأمر بتعقّب ومحاربة "معاداة الساميّة"، وهي نقطة التعصّب في الثقافة السياسيّة الألمانيّة بامتياز، وأنّ حقيقة وضع اليهوديّة والصهيونيّة وإسرائيل بشكلٍ متساوٍ، يُظهر إلى أيّ مدى يتعلّق الأمر في نهاية المطاف بالحساسيّات الألمانيّة، وليس بمكافحة معاداة الساميّة.

وأكّد تسوكرمان على أنّ غالبيّة ما ورد في التحقيق من أمثلة هي ناقدة لإسرائيل، بعضها لاذع، لكن لا يمكن أبدًا اعتبارها معادية لليهوديّة، ذلك أنّ إعلان القدس حول معاداة الساميّة (على عكس إعلان التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى الهولوكوست)، لا يعتبر انتقاد إسرائيل في حدّ ذاته معاداة للساميّة، ولا حتّى الانتقادات الراديكاليّة.

أمّا لجنة التحقيق بحسب تسوكرمان، فإنّها "غير قادرة على التمييز بين معاداة الساميّة ومعاداة الصهيونيّة وانتقاد إسرائيل، هذا أمرٌ شائن، لأنّ ليس كل اليهود صهاينة، وليس كلّ الصهاينة إسرائيليّين، وليس كلّ الإسرائيليّين يهودًا، من لا يفهم هذه البنية الأساسيّة، لا يمكن أن يكون له رأي إطلاقًا في ما يخصّ معاداة الساميّة، اللجنة لا تتمتّع بالحياد والموضوعيّة كما تدّعي، بل إنها منحازة بشكل فاضح للبروباغندا الإسرائيليّة ضدّ الفلسطينيّين".

***

* لقراءة تقييم موشيه تسوكرمان لتقرير لجنة التحقيق في معاداة الساميّة في دويتشه فيله كاملًا، وهو جزء لا يتجزّأ من تحقيق عرب 48، بالإمكان النقر هنا والاطّلاع على ملفّ الـPDF.

(الترجمة للعربيّة: موقع عرب 48)

  1. تحقيق خاصّ | دويتشه فيله ومعاداة الساميّة... لجنة تحقيق منحازة لإسرائيل

    تحقيق خاصّ | دويتشه فيله ومعاداة الساميّة... لجنة تحقيق منحازة لإسرائيل

    تحقيق صحافيّ لموقع عرب 48 يستقصي قضيّة دويتشه فيله ولجنة "التحقيق" وفصل موظّفين من القسم العربيّ بتهم «معاداة الساميّة». التحقيق الذي جرى العمل عليه لأكثر من سنة، يستعرض الأسس التي اعتمدت عليها التُّهم الموجّهة للموظّفين، ويغوص في كواليس القضيّة. 19/03/2023
  2. الموظّفون

    الموظّفون

    في هذا الجزء من التحقيق، نحاور بعض الموظّفين والعاملين المفصولين من القسم العربيّ في دويتشه فيله، للاطّلاع على وجهة نظرهم والاستماع إلى أقوالهم فيما يخصّ القضيّة التي أثارت العديد من ردود الفعل في ألمانيا والعالم العربيّ 19/03/2023
  3. المؤسّسات

    المؤسّسات

    نستقصي في هذا الملفّ القضيّة المتعلّقة بالشراكة بين دويتشه فيله ومؤسّسات فلسطينيّة وعربيّة، بعد اتّهام هذه المؤسّسات بـ"معاداة الساميّة"، بحسب ادّعاءات لجنة دويتشه فيله. 19/03/2023
  4. لجنة التحقيق

    لجنة التحقيق

    هذا الجزء من التحقيق يراجع مواقف وعلاقات أعضاء لجنة التحقيق الخارجيّة المكلّفة من قبل دويتشه فيله، والتي جرى التحقيق فيها مع موظّفين في القسم العربيّ بتهم تتعلّق بـ"معاداة الساميّة". 19/03/2023
  5. مساءلة وردود

    مساءلة وردود

    في هذا الجزء من التحقيق، نجري مساءلة صحافيّة، حيث توجّهنا بالأسئلة إلى أكثر من جهة؛ سواء من أعضاء لجنة التحقيق، أو من بعض الموظّفين المفصولين من دويتشه فيله 19/03/2023
  6. خلاصة التحقيق

    خلاصة التحقيق

    يستعرض عرب 48 في الجزء الأخير خلاصة التحقيق الذي أجراه حول قضيّة فصل الموظّفين العرب من دويتشه فيله، بالإضافة إلى الطريقة التي جرى فيها التحقيق من الموظّفين بتهم معاداة الساميّة. 19/03/2023

التعليقات