عن كتاب د.عزمي بشارة "من يهودية الدولة حتى شارون"/ أمين إسكندر

-

عن كتاب د.عزمي بشارة
مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب والسياسي المعروف د. عزمي بشارة، المولود في الناصرة عام 1956 والحائز على دكتوراة في الفلسفة من جامعة برلين والعضو في الكنيست منذ عام 1996 قدم من قبل رواية «الحاجز» التي عرضت في ملحق« بيان الكتب». هذا الكتاب هو حصيلة بحث وتجربة طويلة، جمعت بين النظر الوجودي والرؤية المجتمعية وكذلك المشاركة الميدانية والفعل المقاوم بغرض تفكيك ونقد وإعادة تركيب جوانب أركان محورية في التجمع الإسرائيلي الصهيوني،من خلال منظور متفهم وعايش اللحظة العصرية القائمة، والزمن الإنساني المقونن بمواثيق دولية وحقوق احتوتها وقننتها مواثيق حقوق الإنسان.

وتأتي خطورة هذا الكتاب من تحليله لبنية الديمقراطية الإسرائيلية، والعمل على تفكيكها إلى عناصرها المكونة، مما يساعد على فهم وإدراك علمي لمؤسسات الدولة الإٍسرائيلية ونشأتها وارتباطاتها ودورها في تحقيق الغرض الذي قامت من أجله، ودورها في الديمقراطية واثر ذلك على الاقتصاد والمؤسسة العسكرية والخارطة السياسية الإسرائيلية والتفاعل الإسرائيلي مع العولمة، وهى قضايا عديدة ومتشابكة يكشفها المؤلف د. عزمي بشارة من خلال ذلك التفكيك وإعادة التركيب.

يقسم المؤلف كتابه إلى مقدمة وخمسة أبواب، وفي مقدمته يؤكد بشارة أن هذا الكتاب ليس ردا على الاختصاص الإسرائيلي في الشؤون العربية، وهو ليس ردا على الاستشراق الإسرائيلي بـ «استغراب» عربي. وإنما الجهد منصرف لتحليل صارم للمجتمع والعولمة في إسرائيل، وذلك عبر رؤية شاملة تستخدم الأنظمة المعرفية الاجتماعية المطلوبة في البحث، والتي تساهم في بناء رؤية تجاه مجتمع مركب.

يتناول المؤلف في الباب الأول وتحت عنوان «تناقضات الديمقراطية اليهودية» تشخيص تلك التناقضات، والكشف عما هو بنيوي منها، وأهمها الطبيعة الكولونيالية وعلاقة الدين بالدولة وما يشتق منهما. وإشكال الديمقراطية اليهودية الأول في المواجهة الحقيقية المتعلقة بمكانة القيم الليبرالية في النظام الديمقراطي،

وهل يمكن أن تسود إذا كانت قيم الأقلية، وإلى أي مدى يفترض أن تمثل القيم الدستورية قيم الأغلبية،وتتقاطع هذه المواجهة مع ثلاثة صراعات أساسية ودائمة الحضور، الأول هو الصراع حول العلاقة بين الدين والدولة، والثاني حول تضييق الحريات أو توسيعها ومدى خضوعها للمسألة الوطنية وقضايا الأمن التي قد تتخذ شكل سياسات احتلال لأرض وشعب وبواسطة القمع، والصراع الثالث هو صراع المساواة بين المواطنين ويهودية الدولة.

وفي كتاب شامل يلخص سنوات طويلة من البحث الاحصائي الرامي إلى قياس توفر عناصر الديمقراطية بالأرقام، حصلت إسرائيل في مقياس المساءلة على أقل علامة بين الدول الديمقراطية. ويعود السبب إلى اتساع مشاركة الجيش في عملية صنع القرار. أما في قياس عنصر التمثيل في البرلمان المعبر عن نسبة الأصوات، فقد حققت إسرائيل مواقع متقدمة، حيث شغلت المقعد الثامن من حافلة ضمت 36 دولة.

أيضا من ناحية آليات المراقبة والموازنة في الدولة، حصلت الديمقراطية الإسرائيلية على علامة عالمية نسبيا مثل باقي الدول الديمقراطية. وفي مقياس المشاركة السياسية المتعلقة إلى حد بعيد بنسبة التصويت احتلت إسرائيل رقم 22 بين 36 دولة. وفي مقياس حرية الصحافة، تحتل إسرائيل المكان 30 من بين 36 دولة، وفي مقياس حقوق الإنسان تحصل إسرائيل على علامة منخفضة أسوأ من الأرجنتين وبلغاريا وتايوان ورومانيا،

وفي مقياس تطبيق المساواة الاجتماعية والفجوة في الداخل، تحتل إسرائيل (حسب مقياس جيني) المكانة20 من 23 كما تحصل إسرائيل على مكان منخفض جدا في مسألة التمييز ضد الأقليات. وهكذا يكشف لنا البحث انخفاضا مستمرا في ثقة الجمهور بشأن الديمقراطية الإسرائيلية. وفي الفصل الثاني من الباب الأول «دولة يهودية وديمقراطية» يذكر المؤلف رسالة بن غوريون إلى شاريت، عام 1954، التي ذكر فيها: «ليس لنا أن نفصل الدين عن الدولة، فهناك وحدة مصير بين دولة إسرائيل والشعب اليهودي، حالة إسرائيل هى الوحيدة التي يمارس فيها التطابق بشكل كامل بين الدين والقومية

وبالتالي يتم إعطاء المواطنة عبر تغيير الدين ويتم اتباع منهج ديني واستخدام أدوات دينية لفحص الانتماء إلى هذه القومية. كما أن الحجة الوحيدة المستخدمة لتبرير السيادة وحتى تقرير المصير هى حجة دينية تاريخية يدعى بموجبها حق تاريخي توراتي على الأرض. وهكذا كان طبيعيا أن يتشكل سباق الديمقراطية الإسرائيلية من ذات السياق الصهيوني. الاتفاق على هدف الدولة كدولة يهود ويعلق الباحث على ذلك قائلا إنها ديمقراطية داخل القبيلة.

وقد عبر مئير كهانا بشكل واضح عن هذا التناقض بين الديمقراطية واليهودية بادعائه المستمر أن الدولة اليهودية لا يمكن أن تعني إلا دولة شريعة. وها هو قانون العودة الإسرائيلي يصر على أن إسرائيل ـ غاية ومنطلقا ـ هى دولة الشعب اليهودي، وكذلك حال وثيقة الاستقلال من قبل،وقانون كرامة الإنسان وحريته حيث ورد فيه «هدف هذا القانون الاساسي هو الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته من أجل تثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية في قانون أساسي، وأيضا في حرية العمل (أو اختيار المهنة)، حيث ورد في هدف القانون الدفاع عن حرية اختيار العمل من أجل تثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية ��ديمقراطية.

وتتعدد الرؤى داخل الأجنحة الإسرائيلية في تلك القضية، ويعلن بن جوريون في قولة واضحة من خلال تلك الآراء أن دولة إسرائيل ليست دولة الغالبية اليهودية الموجودة فيها، ولا هى تعبير عن حقها في تقرير المصير إذا سلمنا بتشكلها القومي في دولة، وإنما هى دولة اليهود أينما كانوا.

لذا ليس غريبا أن يصرح شارون كرئيس حكومة في جلسة للكنيست أن هناك فرقا كبيرا بين الحق على البلاد والحق في البلاد، وعلى حد تعبيره: يوجد للمواطنين العرب حقوق في البلاد، وليس على البلاد، وهذا يعني أن الحقوق القومية على الدولة هى حقوق يهودية، وأن صاحب السيادة يمنح الحقوق في البلاد لمن ليس صاحب سيادة، وهذا يعني أن مفهوم المساواة غير ممكن.

ينتقل المؤلف د. عزمي بشارة إلى الباب الثاني حيث يتناول «النزعة الأمنية» لدى إسرائيل كدولة ومجتمع، ويكشف لنا عن أسباب تلك النزعة الأمنية في (1) الإدراك العميق لحجم الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، (2) استيعاب حجم الكراهية العربية وعدم توقع تسليم عربي بوجود إسرائيل (3) إن بناء الدولة لا يمكن أن يتم إلا على أساس القوة والتسلح واليقظة الدائمة.

وقد تم استخلاص تلك العناصر الثلاثة من تعليق لموشيه ديان في عام 1956 عندما قتل ـ على الحدود الجنوبية ـ شاب من كبوتس ناحل عوز، عندما كان يطارد «متسللين» من غزة «بالأمس صباحا قتل روعيز.فلنتوقف عن كيل الاتهامات للقتلة، وهل يحق لنا أن نورد ادعاءات ضد كراهيتهم الشديدة لنا؟إنهم يجلسون منذ ثماني سنوات في مخيمات اللاجئين في غزة، وأمام أعينهم نرث أراضيهم وقراهم التي عاشوا فيها، وعاش آباؤهم...» و«لن نطالب العرب في غزة بدم روعي، بل نطالب أنفسنا. كيف أغلقنا أعيننا عن النظر بوضوح في مصيرنا.. بدون صلابة الفولاذ وقوة المدفع لن يكون بوسعنا أن نغرس شجرة وأن نبني بيتا».

وهكذا تكمن أهمية النزعة الأمنية الإسرائيلية التي تكرست منذ بداية إقامة الـ «هاجاناه» وغيرها في أنها تفرض الأمن كقيمة عليا في الحرب والسلام معا.

ولكى نفهم عمق واتساع مفهوم الأمن منذ الأساس الذي أرساه بن جوريون، علينا أن نطلع على أقواله عن الأم ودوره «في حالتنا يؤدي الأمن دورا أكثر أهمية مما في البلدان الأخرى»، وهو لا يعتمد على الجيش فحسب.. فالأمن يعني استيطان الأماكن غير المأهولة.. توزيع السكان.. بناء الصناعات في أرجاء البلاد كافة.. تطوير الزراعة.. الأمن معناه احتلال البحر وتحويل إسرائيل إلى قوة بحرية عظمى.. ويتطلب الأمن استقلالا اقتصاديا.. كما يتطلب تطوير الأبحاث والمهارات العلمية».

ولعل هذا المفهوم الشمولي للأمن هو الذي جعل المواطن الإسرائيلي يسلم للقيادات الإسرائيلية في هذه الجوانب فهناك 82% من المواطنين مستعدون لتقبل سياسات الدولة الأمنية على الرغم من أنهم متشككون ومرتابون في مواقفهم من كبار الضباط والسياسيين حيث إن 12% من الإسرائيليين يثقون بالقيادات السياسية بشكل مطلقة و25% يثقون في القيادات العسكرية بشكل مطلق.

في الباب الثالث يعرض دكتور عزمي بشارة لواقع «الاقتصاد والعولمة والسياسة» في إسرائيل وذلك بغرض البحث عن القوانين الناظمة لحركة الاقتصاد وتطوره، وإسناده للتحول الطبقي والسياسي، بحيث يكون مفهوما الحديث عن نشوء نخب جديدة وطبقات جديدة، أو سياسات أمنية أو طائفية سياسية.

ويقول: تستند الصورة التي يحتفظ بها المهتم العادي بالشأن الإسرائيلي عن اقتصاد معسكر وعن مصيرية الدعم الأميركي لهذا الاقتصاد وعن أهمية نوع الهجرة الوافدة وكل ذلك كان لا يخلو من عناصر علمية إلا أن التغييرات التي حدثت في منتصف الثمانينات بعد حدوث الانفراج الدولي وانتهاء الحرب الباردة غيرت بنية الاقتصاد الإسرائيلي حيث ارتفع الناتج القومي وانخفضت المصاريف الأمنية من 6. 33% من مجمل الناتج العام 1975 إلى 3. 9% عام 1999

وانخفضت مصرفات الأمن بالأرقام المطلقة بالدولار من 3. 13 مليار دولار في عام 1975 من ضمن 6. 39 مليار مجمل الناتج في ذلك العام إلى 1. 11 مليار في عام 1985 من ناتج قدره 8. 3 مليارات، إلى 4. 9 مليارات من ناتج قدره 07. 11 مليار عام 1999.

لقد تم تغيير بنية الاقتصاد الإسرائيلي إلى حد بعيد بمساهمة فعل وتأثير التحويلات المالية المقبلة من الخارج وبالذات بعد 1967، وقد أدى هذا إلى تغيير السياسة الاقتصادية طيلة العقدين الأخيرين من القرن العشرين وجاء التحول أيضا مع انحلال الاتحاد السوفييتي وتدفق الهجرة من بلدانه.

ويعيش المجتمع الإسرائيلي ـ رغم ازدهار الاقتصاد ـ حالة متطرفة من اللامساواة، حيث يحصل قطاع العشرين بالمائة من المجتمع ـ الذي يحتل المرتبة الأعلى على سلم الدخل ـ على 9. 53% من مجمل المداخيل بأرقام عام 2000، في حين يحصل أدنى عشرين بالمائة من المجتمع على 7. 0% منها ويحصل النصف الأدنى من المجتمع على 1. 14% من الدخل فقط. في حين يحصل النصف الآخر على 9,85% وهذه فجوة مروعة بين نصفي المجتمع، وقد أثر ذلك على خريطة الطبقات والشرائح الاجتماعية وكذلك الطائفية في إسرائيل.

بعد ذلك ينقلنا د. عزمي بشارة في البابين الرابع والخامس إلى معاصرة تلك المفاهيم السابقة من خلال المنتصر والمهزوم في الانتخابات الإسرائيلية عبر كشفه لنهاية حقبة الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي وكذلك إشكالية العلمانية والتدين في انتخابات العقد الأخير، ثم في الباب الخامس المعنون «عن باراك» ثم «سقوط ومجيء شارون» بعد ذلك يقدم لنا الباحث صورة شارون السياسي ويكشف لنا جوانب مسكوت عنها للتحرك السياسي في عهد شارون.

وفي ختام كتابه يلحق عزمي بشارة بآخر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي في إطار بحث تحت عنوان «التطرف السياسي» في جامعة حيفا وأشرف عليه البروفيسور جبرائيل بن دافيد من مركز بحوث الأمن القومي في مايو 2004 وشمل نحو 1016 مشتركا يمثلون كافة شرائح السكان، عربا ويهودا ومستوطنين ومهاجرين ومتدينين. وأهم نتائج هذا الاستطلاع تكشف سرعة كبيرة في وصول إسرائيل إلى الآبارتايد ـ «نظام الفصل العنصري»..
64 % من الإسرائيليين يعتقدون أن على إسرائيل أن تشجع هجرة المواطنين العرب خارج حدود الدولة، أي بدون الترانسفير. وأن 55% من اليهود يشعرون أن عرب الداخل يشكلون خطرا على أمن الدولة ونحو 49% يعتقدون أن عرب الداخل يحصلون من الحكومة على تعامل مادي أكثر مما ينبغي، وأن 3. 45% من اليهود يؤيدون مصادرة حق التصويت والترشيح للانتخابات من المواطنين العرب بالداخل. ونحو 79% من اليهود يؤيدون سياسة التصفيات في المناطق الفلسطينية.




أمين اسكندر
الكتاب: من يهودية الدولة حتى شارون
الناشر: دار الشروق ـ القاهرة 2005


التعليقات