يوسف زيدان يتم ثلاثيته برواية "نور"

حار كتاب كثر في الكتابة عن المرأة أو لها، لكن الروائي والباحث والأكاديمي المصري يوسف زيدان، أصر على أن يسبر أغوار الأنثى في أحدث رواياته، "نور"، الصادرة عن دار الشروق في القاهرة.

يوسف زيدان يتم ثلاثيته برواية

الروائي يوسف زيدان

حار كتاب كثر في الكتابة عن المرأة أو لها، لكن الروائي والباحث والأكاديمي المصري يوسف زيدان، أصر على أن يسبر أغوار الأنثى في أحدث رواياته، "نور"، الصادرة عن دار الشروق في القاهرة.

والرواية الواردة في 262 صفحة من القطع المتوسط، هي المتممة لثلاثية بدأها زيدان قبل أربع سنوات، بروايتي "محال" ثم "جونتنامو"، وربما تكون هي الأكثر استنزافًا لوقت المؤلف، إذ بلغ الفاصل الزمني بينها وبين الجزء السابق عامين ونصف العام.

الرواية هي من النوع المونودرامي، إذ تدور أحداثها في فلك شخص واحد يسرد للقارئ الأحداث من خلال وجهة نظره وتفاعله مع باقي الشخصيات المحيطة، فلا قصص موازية تتقاطع أو تتشابك مع الخط الرئيسي، إنما هي جميعها خيوط تتفرع من البطل وتعود إليه.

والراوي هنا هي "نورا"، بطلة الرواية التي عرفها القارئ في الجزئين السابقين، تلك الفتاة الجامعية الإسكندرية المرحة المنطلقة، التي يعود المؤلف ليقدمها للقارئ وقد صارت أمًا لطفلة صغيرة تحمل الرواية اسمها: "نور".

تسير المئة صفحة الأولى من الرواية وسط أطلال الماضي، حيث تسترجع "نورا" قصتها مع الفتى النوبي "محمد"، الذي  تعمدت أن تغرس بذرته في رحمها قبل أن تتزوج مقهورة من رجل ليبي الجنسية بسبب ظروفها العائلية والمالية، ويغادر هو مصر.

وبامتداد صفحات الرواية، تدور الفكرة الرئيسية حول معاناة المرأة في المجتمعات العربية أو المجتمع المصري على وجه التحديد، فهي أسيرة محيطها الاجتماعي الذي يشكلها كما يريد، وفريسة لنظرات وأطماع الرجال ورهينة إرادة عائلها المالي الذي ينفق عليها.

ومع بلوغ منتصف الرواية، تبدأ الأحداث في التحرك رويدًا رويدًا مع انتقال نورا مع ابنتها وجارتهما العجوز، "توحة"، إلى شقة جديدة، وظهور شخصيات جديدة، أبرزها المهندس المعماري "أشرف"، الذي تقع البطلة في هواه لاحقًا.

وفي الصفحات التالية، يأخذنا المؤلف في رحلة عشق بين نورا وأشرف قد يصعب على القارئ استساغتها، لأنها تشبع رغبات الاثنين في الأمان والدفء والطمأنينة، لكنها لا تفضي في النهاية إلى شكل محدد للعلاقة بينهما، أو تسفر عن ارتباط رسمي.

مع اقتراب النهاية تتعقد الأمور، ويظهر فجأة محمد، الحبيب القديم والأب الحقيقي للطفلة نور، الذي تبدلت أحواله وتغيرت كثيرًا بعد سبع سنوات قضاها داخل معتقل جوانتانامو الأميركي، وتقتحم السياسة سطور الرواية بشكل كاسح قد يشكل قليلًا من الإزعاج للقارئ، الذي اطمئن إلى أنه يتابع عملًا اجتماعيًا بالدرجة الأولى.

تتصاعد الأحداث، وتدخل البطلة في صراع داخلي بين رغبتها في الحفاظ على استقلالها المادي وسعيها للحصول على درجة الدكتوراه، وبين الانصياع لنداء القلب وترك كل ما حققته في سنواتها القليلة الماضية من أجل حياة جديدة مجهولة المعالم. ويلخص المؤلف هذه الحيرة في الجملة الأخيرة بالرواية "الحياة التي نحلم بها محال".

لا تخلو رواية "نور" بين حين وآخر من تساؤلات فلسفية للكاتب، أستاذ الفلسفة وتاريخ العلوم بجامعة الإسكندرية، عن حكمة الله في خلقه، وطبيعة التكوين النفسي والبيولوجي للمرأة، والتي تجعلها متقلبة المزاج وحادة الطباع في أوقات متكررة كل شهر، إلا أن مقارنة الرواية بسابقتيها، "محال" و"جوانتانامو"، من حيث ثراء الشخصيات وتعدد مواقع الأحداث والقضايا الفكرية المطروحة، قد لا يعطيها الأفضلية عليهما.

وبقدر ما اقترب المؤلف من مشاعر المرأة وهواجسها وآلامها وأحلامها، يؤكد وعلى لسان البطلة أن بلوغ هذا الموقع عصي إلا على قليل من الرجال، "للأنوثة جوهر واحد ووجوه لا حصر لها.. المرأة واحدة، أما أحوال النساء فهي على عدد أنفاس البشر. وهذا سر لا يدركه من الرجال إلا من كان راقيًا".

اقرأ/ي أيضًا | "الحركي": العميل يتحدث لأول مرة منذ الثورة الجزائرية

التعليقات