24/02/2006 - 00:52

الإطلالة السوداء /أحمد إغبارية

-

الإطلالة السوداء /أحمد إغبارية
كوندليزا في المنطقة. هلّ قمر من أطراف الأطلسي وأطلّ كقدر صخري أصمّ. جاءت كوندليزا لتعاين وترتب وتصنف عن كثب. هي فسحتها للراحة من متاعب قارتها. وهي فرصة لبعض العربان كي يلتقوها. الذقون المهذبة والشوارب المحفاة العقربية لا تلبث ترتخي وتذوي إذ تهلّ كوندليزا. كل من يحظى بصورة مع كوندليزا يحظى بكرت إعاشة مع إمكانية للتمديد.

وكوندليزا - رغم أنها اغتالت الأنثى التي في داخلها- فهي أنيقة ومهندمة. ولو لم تحترف السياسة لصارت هي نعومي كامبل. حاذقة ومتمرسة. في الإدارة هي "الرجل الثاني".

تلتقي أي قائد عربي يبدي رغبة وتوصي به خيرًا عند بوشها. لكن الويل لمن يهزّ رمشًا من رموش كوندليزا فهي حساسة. إن حدجت أحدهم بنظرة صقورية سلبته كرسيه لا محالة. إن كشفت لأحد عن بارق ثغرها سلبته فحولته لا مفرّ. الجميع هنا يطلب ودّ كوندليزا. الجميع يقلق على كعب كوندليزا. وللأمانة هي دومًا تقابل باحترام أصيل وبكرم حاتمي.

وكوندليزا هذه جاءت من بلاد بعيدة. على تخومها حاكم يحبه الفقراء يُقال له كاسترو. عجوز "مقحف" ذو ذقن طويل مشتعل شيبًا. لكنه منتصب القامة. يلبس البزة العسكرية ويختال بعنفوان. ولكاسترو هوايات يمارسها منذ خمسين عامًا، منها: رفع الرأس عاليًا، تنفيخ السيجار الكوبي ومقارعة أمريكا.

كوندليزا في المنطقة. هنا المعادلة مختلفة. هذه ليست أمريكا الجنوبية. هنا يتعاملون مع كوندليزا على أنها قدر لا انفكاك عنه. هنا – الشرق الأوسط - أفضل ملعب للفوتبول الأمريكي. أنسب دفيئة لتربية التخلف وتفقيس البغاة. هنا كوندليزا بين "الإخوان" و"العربان" و"الأعوان". هنا يشجعون ويصفقون. هنا كوندليزا تتألق وتسدد أهدافًا ذات اليمين وذات الشمال. هنا الخنوع خبز يومي. هنا الكرامة مكلفة وثقيلة. هنا الكرامة رديفة الخطيئة وصنو الإلحاد والحشيش.

وكوندليزا هذه جاءت من بلاد بعيدة. على تخومها حاكم يُقال له تشافيز يحبه البسطاء في العالم. وتشافيز ذرب اللسان منزعج من كوندليزا وساخط على بوشها. وهو لا يكفّ عن مداعبتها ومشاكستها. ومع أنه يحكم دولة فقراء تخشاه كوندليزا وتحسب له حسابًا. يمكن لكوندليزا أن توصي- لو أرادت- بمسح تشافيز وبلاده عن البسيطة. لكنها تعرف أن طائرات الشبح وصواريخ الكروز لا يمكن أن تدكّ كرامة تشافيز ولا كرامة شعبه. لذا تصرف النظر عنه وتلتفت شرقًا.

كوندليزا في المنطقة. وهي رغم كونها سوداء فقد اغتالت الإفريقية التي في داخلها. خالها كلاي كان يسدد ومعه مليون يسددون. عمّها كنغ كان يصرخ ملء حنجرته. أما هي فأدارت ظهرها للمرآة وجاءت لتهنئ كل من جدد ولاية أو ورث عرشًا أو أحبط ثورة. جاءت لتبارك عرس الديمقراطية الفلسطيني. جاءت لتشهد الصلح الأهلي في لبنان. جاءت لتصلح ذات البين بين سجناء يزعمون أنهم عُذبوا وبين سجانين ظلمتهم صور مغرضة.

حقًا هنا الجو أنقى وأصفى بالنسبة لكوندليزا. لا شتائم تشافيز تزعجها ولا تهكمات كاسترو تغيظها. هنا أفضل منتجع لممارسة السياسة ولإحراز النقاط. لعلها تستوحي شيئًا أو تشمّ رائحة من تاريخ غابر.

آه كوندليزا..

التعليقات