05/11/2012 - 23:09

Facebook / يسري الغول

تضحكان معًا، تضجان بالحياة، وفي قلبك شوق لأن تلتهمها مع الطعام، تزدرد ابتسامتها الرائعة، وبعد أكثر من ساعتين تودعها عند بوابة المطعم، وتتواعدان بلقاء جديد، ولقاؤك يتلوه لقاء ولقاء. إلى أن تقرر الهجرة إلى بلجيكا كغيرك مع أول رحلة إلى أوروبا، وهي التي انتظرتك وعاشت معك الجنون كله، تهيم على وجهها، تتوسل إليك ألا تفعل، تبكي في حضرتك، ترجوك، تقبل يديك وقدميك، تحاول إقناعك بأن غزة أفضل حالاً من كثير من البقاع، دون جدوى. تغادر أنت. تغادر هي مع زائر جديد يسافر بها إلى عالم لا تعرفه.

Facebook / يسري الغول

الليلة، جاءتك في الحلم، وفي الحلم صار طعم الحياة مختلفًا..

الليلة، صبغت العالم بأريجها ثم مضت. كانت تنظر إليك وأنت تغتسل بماء قلبها، تطبع في وجهك ابتسامةً لازوردية. ترسل قبلتها للريح وتخترق خلاياك كنسمةٍ باردة.

الليلة راودتك في تضاريس الجنون، وباتت تطبع في شفقك قُبلة الخلود.

... لم تكبر كما أنت، لم تشخ كما أنت، ما زالت لدنة. ناضجة. تضج بالحياة. تعجن روحها بعشقك، وتطحن أدران خوفها منك إليك. هكذا جاءتك في الحلم، والحلم لم يعد ينتهي إلا بها/بك.

***

ذات مرة وقفت قبالتك، سألتك عن قِبلتك التي تريد، فقلت: بلجيكا.

ابتسمت/ بكت، هذرت:

- حالك كحال كل الموجوعين في غزة.

لم تنتظر أن تتراجع عن خرافاتك تلك، فانطفأت كسيجارة، كأنها سافرت. كأنك هاجرت، طرت بعيداً، حملت ترانيمك مهاجراً، وبينك وبينك آمنت بأنها ستأتيك مع الصباحات الجميلة، وهي التي ماتت على أعتاب بابك صارت حكاية تلوكها مع المطر.

***

ذات ظهيرة فوجئت برسالة منها على حسابك الفيس بوكي تطلب صداقتك، لم ترد لأسابيع، ولم تقبلها أيضاً. فقلبك مل العابرين على جراحك. وحين كررت رسالتها، بعثت إليها ردك بإنجليزية مصطنعة تعتذر عن قبولها لأنك منشغل بعملك، كما أنك لا تقبل الغرباء. وهي التي تضع في حسابها صورة لإحدى الفاتنات تعود مجدداً وتقول لك: "أعشقك".

... لم تعبأ بها، تركتها على رصيف الأيام، إلى أن عادت مجدداً، كالصاروخ بلغت مغارة روحك، تطلب صداقتك الفيس بوكية، مرفقة برسالة غريبة:

- يا صديقي، أنا التي التقيتها في مترو الهيام. ثم ترسل لك صورتها.

ضحكت، لم تصدق أنها بذلك القدر من الجمال. تساءلت: "ربما هي لواحدة من حور المدينة"، لكن إصرارها في رسالتها الافتراضية دفع بك إلى قبولها رغم أنفك. ثم قررت أن تلتقيها، وما أن أرسلت لها دعوة بذلك حتى وافقت على عجل.

***

لم تكن وحدك من ينتظر الساعات كي تمضي في ذلك المطعم المحاذي لشاطئ المخيم، لكنك قد تكون الوحيد من لا يعرف رفيقته الجديدة، تكتشف بعد لحظات أنها سبقتك بالحضور، لكنها جالسة بصمت في الزاوية البعيدة للمكان، وحين تراك تحضر على عجل، تجلسان على طاولة محاذية للغرب، باتجاه البحر، تطل نحوه وتنساك، إلى أن تهمهم: إحم، إحم. تنظر تجاهك وكأنك تبصر بدراً أضاء. لم تتحدث أنت كما لم تفعل هي، بقيت تتأمل السمات والتقاطيع التي تعبرك، إلى أن جاء النادل، ووضع كأسين من العصير. همست:

- أتدري، إنني أعرفك قبل أن أراك.

شعرت بأنك لست في حاجة إلى الحديث، فبقيت تتأملها، بينما تتابع:

- وحين رأيتك في السيارة يوماً، لم أصدق أنك أنت.

- ...... أنا، متى؟!

- وحين أتيت إلينا في المكتب، لتقدم أوراقك، ذهلت، كنت أتمني أن ألقاك، أن أقول لك أحبك، أتفهم، أعشقك.

ابتسمت ودموع دافئة طفرت على وجنتيها.

- لقد طلبتُ من زميلتي أن تعيرني ملفك، فسألَت عن السبب، تلعثمت ولم أعرف ماذا أقول. لكنني تداركت بأنك تشبه أحد أقاربي، ولم أكن منزعجة من أنها شعرت بي، بردة فعلي، وتضاريس وجهي المرتبكة حين طلبت ذلك منها، فقد كانت زميلتي لبقة في فهم مكنوناتي، لذلك تركتني مع ملفك وقالت:

- لك أن تأخذيه، وتعودي به خلال الساعة.

- .......................................

- دقائق وكنت قد قمت بتصوير كل ورقة فيه نسختين، واحدة لي في بيتي وأخرى في مكتبي، كنت أحلم بك ولا أراك. سيرتك الذاتية أذهلتني، أكُل هذا أنت؟ ولعل كلمة (أعزب) كان لها بريقها في قلبي الذي كاد يطير فرحاً. وقررت أن ألتقيك. فطلبت إضافتك عبر الـ(facebook) ولم تقبلني، وبعثت برسالتك بلغة إنجليزية، فازددت تعلقاً بك. ولم أعرف كيف أصلك، حاولت أن أهتدي إليك بكل السبل، حاولت الاتصال بهاتفك لكنك لم ترد فأقلعت عن الفكرة، كنت أريد أن أقول لك أنني مولعة بك. نعم أنا مولعة بك. لك أن تعتبرني مجنونة، شبقة، تائهة في دروبك لكنني لم أنسك منذ أكثر من خمسة أشهر فوجهك يراودني في كل ردهة أو حلم.

كأنك كنت في حاجة أن تبرر لها عدم الرد على هاتفها:

- أنا متأسف، لكنني لا أرد على الأرقام الغير مسجلة بهاتفي.

- لكنك ستسجل رقمي الآن. أليس كذلك؟

- ..............

- Oh, came on man

أضحك، وهي تتلوى غضبًا.

- إذًا تريدني أن أغادر عالمك بهدوء...(تطفر دمعات حرة على وجنتيها)، سأتركك ولن تراني بعد ذلك.

تقف والتوتر يرتسم على تقاطيع وجهها. تمسك بيدها وتطلب منها الجلوس. فتجلس، وهي ترتجف، تقول:

- الحياة لم تعد كما كانت بعد أن تحدثنا آخر مرة عبر الانترنت.

تمسك بيدي، وشفتاها تفتري عن ابتسامة. تغني:

- عمري ما نسيتك ولا أقدر، أعيش حياتي إلا بيك.

صوتها ندي، مخيف، تعشق الجمال. تضاريس جسدها البض، وجهها الفتان يدعوك لأن تستمر في جنونها، فتفعل:

- أتدري، حين أمسكت بيدي قبل لحظات، شعرت براحة لم أعشها قبل الآن. يدك الباردة جنة قلبي. أليس من الممكن أن أسلم يديّ إليك.....

تضحك، فأقول مبتسماً:

- لك كل سكنة من جسدي. ونبضة من نبضات قلبي... لعلي لا أستطيع الحديث الآن، لكني متيم بك، كأنك سحرتني. هل أنت ساحرة؟!

- ههههههههههههه.

- أم عرافة؟

- أنا إحدى مجنونات الوطن التليد.

تشرب العصير، وهي تتأملك مجدداً، تقول بينما تعود إلى صمتك:

- حين رفضت طلب صداقتي، قررت أن أتصل بك، فلم ترد، فعاودت الحديث معك، وها أنت تقبلني صديقة (face to face).

تدعو النادل مجدداً، تتناولان الطعام، تنظر إليها من زاوية لا يعرفها إلا أنت. طريقة الأكل، الشرب، الحديث، الصمت، وهي تعرف وتشعر بذلك، وتسلم كل حواسها لك، ثم تقول فجأة:

- هل انتهيت مني. أريد أن آكل كما أريد.

- ههههههههههههه، عفواً لم أفهم ما تقصدين.

- بجدددددد، هل تسخر مني يا كابتن؟

تضحكان معًا، تضجان بالحياة، وفي قلبك شوق لأن تلتهمها مع الطعام، تزدرد ابتسامتها الرائعة، وبعد أكثر من ساعتين تودعها عند بوابة المطعم، وتتواعدان بلقاء جديد، ولقاؤك يتلوه لقاء ولقاء. إلى أن تقرر الهجرة إلى بلجيكا كغيرك مع أول رحلة إلى أوروبا، وهي التي انتظرتك وعاشت معك الجنون كله، تهيم على وجهها، تتوسل إليك ألا تفعل، تبكي في حضرتك، ترجوك، تقبل يديك وقدميك، تحاول إقناعك بأن غزة أفضل حالاً من كثير من البقاع، دون جدوى. تغادر أنت. تغادر هي مع زائر جديد يسافر بها إلى عالم لا تعرفه.

التعليقات