«نريد العودة...» | لقاء مع شباب من مخيمات اللجوء

موقف يؤكده يوسف رباح من عين الحلوة الذي قال "أنا تربيت أن هذا الجندي الإسرائيلي هو من يمنعني من العودة طوال 63 عاما، والآن أراه أمامي ولا أستطيع أن أفعل شيء كي لا يتم منعنا من الدخول"، ويضيف "الغريب انه خلال التحقيق معنا، سألونا أسئلة داخلية عن كل مخيم وعن أشخاص معينين، استغربنا جدًا".

«نريد العودة...» | لقاء مع شباب من مخيمات اللجوء

- في احدى جولاتهم بالضفة الغربية -


قبل وداعهم رام الله حكوا عن بؤس الحياة في المخيم، " بطالة وفقر وعنف وتسرب من التعليم والهجرة طبعًا"، وحكوا عن حلم العودة "هــــذا الملتقى بداية لمقاومة وثقافة جديدة.. ثقافة العودة".

 

 

في الحافلة المضغوطة
كانت الطريق من باب العامود في القدس إلى دوار المنارة في رام الله طويلة جدا هذه المرة، فلا يكفي أن شتاء كانون يحجب الرؤية أمام السائقين، إلا أن سائق الحافلة مصر على اركاب كل شخص يجده في طريقه بالرغم من كون الحالفة التي تتسع لعشرين نفرا امتلأت بالواقفين أكثر من الجالسين، ناهيك عن أزمة حاجز قلنديا الخانقة.

يغضب أحد الركاب على السائق ويلعن العيشة بكلمات نابية، فيُستفز الرجل الملتحي الذي خلفه ويهم بالضرب كون جزء من الركاب هم حريم على حد قوله ولا يجوز أن يسمعن هذه الكلمات، يتدخل رجلُ جليلُ واقف ويهدئ من روع الرجل الملتحي بكلمات طيبة بلهجته المقدسية، فينتهي مشهد تفريغ غضبنا وعنفنا على أنفسنا بسبب واقع الاحتلال، ونصل بعد ساعة ونصف إلى رام الله، الطريق التي كانت تأخذ في السابق عشرون دقيقة قبل الجدار والحواجز.
 
من المجمع، آخذ تاكسي متجها نحو فندق "البيست ايسترن" حيث تنزل مجموعة "ملتقى شباب العودة" القادمين من مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن، أنظر إلى الكرسي الأزرق الكبير على دوار المنارة وأقرأ "فلسطين تستحق مندوبية كاملة في الأمم المتحدة"، فيرفع السائق صوت المسجل ليستمع لسورة الرحمن، ضباب كثيف وأزمة مرور خانقة، فاليوم هو الخميس، أكثر أيام رام الله ازدحاما، يلعن السائق البلد بسبب الزحمة بعد محاولة أحدهم أن يسبقه ثم يستغفر الله، عند مقر المقاطعة القريب من الفندق أسأل السائق "شو كنهن معمرين اسوار جديدة للمقاطعة وملبسينها حجر؟"، فيجيب ساخرا "اه .. من شان ما يقدروش الإسرائيلية يجتاحوها زي ما عملو مع ابو عمار.. الله يرحم ايامو".
 
تساؤلات أمام اليافطة في بهو الانتظار
أتوجّه، بعد الرحلة التي أطالها الجدار والفصل، إلى الفندق، تستقبلني يافطة كبيرة منصوبة على مدخل الفندق "مرحبًا بأهلنا القادمين إلى أرض الوطن من مخيمات الشتات، لبنان سوريا الأردن، متمسكون بالأرض ولا بديل عن العودة، دائرة شؤون اللاجئين م.ت.ف، المكتب التنفيذي للاجئين، اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة". أجلس في بهو الفندق أنتظر عودة اللاجئين من الاحتفال الختامي والوداع في الهلال الأحمر، أسلّي نفسي بالتفكير بلقائي لأول مرة مع مجموعة شباب لاجئين من جيلي ومن شعبي.
ما هو شعورهم في هذه الزيارة الأولى لهم إلى أراضي فلسطينية؟ لكنهم من فلسطين 48 وليس الضفة الغربية، هل سيقبلون العودة إلى الدولة المفترض قيامها في حال سُمح لقسم من العودة؟ ما هي أحلامهم؟ أفكارهم السياسية؟ أسئلة كثيرة تراودني خصوصًا أنه كان ممكننا أن أكون مثلهم لاجئا لو لم يعد أهالي قريتي عيلبون من مخيم المية مية الى فلسطين عام 1948 بعد تهجيرهم، كيف كنت سأكون لو كنت لاجئا؟ ماذا فعلت بنا هذه الحدود؟
 
بعد عشرة أيام في الضفة
يأتي شاب ويجلس على المقعد بجانبي، أنظر إاليه وينظر الي، يُسلم علي فأرد السلام، يعرفني عن نفسه "سلام من مخيم اليرموك"، فأرد "ربيع من عيلبون"، يسأل "من ال48؟..؟!"، فأجيب "نعم".
 
يتوتر سلام قليلا فهذه أول مرة يلتقي فيها مع شخص من ال48، يستفسر عن أحوالنا في ال48، ويسألني عن سبب قدومي، فأخبره أني قدمت كي أُعد تقريرًا صحفيا عن زيارتهم إلى الضفة الغربية، فأبدأ بدوري بالتعرف عليه أكثر، وأساله عن الفلسطينيين في سوريا وطبعًا عن الأحداث الجارية في سوريا.
 
يصل باقي أعضاء الوفد بعد اختتام أمسية الوداع بعد عشرة أيام لهم في الضفة الغربية، شملت زيارات للعديد من المحافظات والمؤسسات واللقاءات وورش العمل، أبحث بين القادمين عن يوسف، صديق لي من مخيم عين الحلوة كان قد أخبرني قبل قرابة الأسبوعين، أن السلطات الإسرائيلية أخيرًا وافقت على طلب زيارتهم للضفة الغربية واستصدار تصاريح لهم بالدخول عن طريق السلطة الفلسطينية، أجده.. فأحضنه، فنحن لم نتوقع أن معرفتنا لبعضنا عبر الفيسبوك، سوف تتكلل يومًا ما بلقاء.
 
كان الوقت قد أصبح متأخرًا، بدا التعب على غالبية أعضاء الوفد بسبب قلة النوم ليستغلوا كل لحظة في هذه الزيارة التاريخية، كما أخبروني.
 
شباب القضية
أبدأ بالتعرف عليهم ومحاورتهم، فألتقي بشابة لبنانية قدمت مع الوفد طلبت عدم ذكر اسمها في المقابلة خوفا من أن يُشهر بها بعد عودتها الى لبنان كونها زارت الضفة الغربية بتصريح إسرائيلي، تخبرنا أنها ناشطة في جمعية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في التجمعات (التجمعات هي ليس مخيمات وغير معترف بها من قبل الانوروا أو الدولة اللبنانية)، وقدمت مع الوفد من لبنان من أجل زيارة فلسطين، تعتبر قضية فلسطين قضيتها كونا نشأت في قرية يوجد بها شهداء فلسطينيون ولبنانيون ناضلوا معًا أيام الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي واليمين اللبناني.
 
رامي أبو حديد من قرية المغلس قضاء الرملة، والذي يسكن في بيت لحم شارك ضمن الملتقى الذي اعتبره تحقيقا لنبوءة الشهداء في العودة وأن مجموعة عائدون "قرعت جدران الخزان"، وأضاف "هذا الملتقى بداية لمقاومة وثقافة جديدة.. ثقافة العودة، وهذه الثقافة يجب أن تكون موحدة في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني" معتبرًا أن تأييده لقيام دولة فلسطينية في حدود عام 1967 لا يُلغي حلمه بالعودة إلى أراضي 1948.
 
أما ربيع الطايع من حيفا ويسكن في مخيم شاتيلا، فلم يعرف قبل الآن أنّ معاناة الفلسطينيين في الضفة تصل إلى هذه الدرجة الكبيرة، حتى أتى ورأى 
بأم عينه ما يفعله المستوطنين والاحتلال، يقول ربيع حول الزيارة الأولى "الى فلسطين" أنها جميلة جدا، وغيرت له الصورة التي كانت تصل إلى المخيم عن الأوضاع في الضفة الغربية والهيئات السياسية "كنا نسمع أن السلطة تنسق
 مع الاحتلال وباعت القضية، لكنني رأيت أمرًا مختلفا جدا، فهمّهم الوحيد هو بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، ولقد زرنا الكثير من هذه المؤسسات".
 يحكي ربيع عن واقع الشباب الصعب في مخيم شاتيلا من بطالة وفقر وعنف وتسرب من التعليم والهجرة طبعًا، يعتبر ربيع أن المهمة الأساسية أمام الفلسطينيين هي إزالة الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية، فهي الخطوة الأولى نحو تحقيق العودة.
 
أين تقع فلسطين؟
ندى برشلي فلسطينية تسكن في بيروت، تختلف مع ربيع، فتخبرنا أنها لم تشعر أنها زارت فلسطين، ففلسطين بالنسبة لندى هي أراضي عام 1948، تريد أن تزور مدينتها عكا، وتقول إنّها تردّدت كثيرًا قبل الموافقة للقدوم، إلا أنها لن تعيد الكرة مرة أخرى خصوصا أن اللقاء مع المسؤولين في السلطة الفلسطينية كان شكليًا من أجل الصورة، ولم يُفسح المجال أمامهم لحوار أو نقاش حول الأوضاع السياسية الفلسطينية الراهنة.
 تعتبر ندى أن ما حصل في 15 أيار العام الماضي هو خيار الشباب الفلسطيني في العودة، وترى بأن الفلسطينيين في أراضي 48 لهم دور مهم وأساسي في البقاء والحفاظ على الذاكرة والهوية والأرض.
 
بشار حسن من كفر كنا ويسكن في مخيم خان الشيح في سوريا، كان أحد الأشخاص الذين دخلوا مجدل شمس في أحداث 15 أيار، قال "في مجدل شمس، شعرت لأول مرة أن فلسطين قريبة، أكثر من هذه الزيارة"، ويضيف "الشباب الفلسطيني لدينا في المخيمات مقسوم إلى قسمين بالنسبة لقضية العودة، قسم يرى العودة من خلال الكفاح المسلح ونراه ينخرط في الفصائل الفلسطينية، وقسم آخر يرى بالحراك السلمي على غرار 15 أيار خصوصا في ظل الثورات العربية".
 
ألم المعابر
يحكي لنا بشار عن الألم النفسي في داخله بسبب الموقف الذي عايشه هو وجميع أعضاء الوفد عند قدومهم إلى المعبر من الأردن، فهم لم يتوقعوا أن يروا الإسرائيليين الذين فتشوهم وحققوا معهم وحاولوا إذلالهم، ولم يستطيعوا فعل أيّ شيء.
 
موقف يؤكده يوسف رباح من عين الحلوة الذي قال "أنا تربيت أن هذا الجندي الإسرائيلي هو من يمنعني من العودة طوال 63 عاما، والآن أراه أمامي ولا أستطيع أن أفعل شيء كي لا يتم منعنا من الدخول"، ويضيف "الغريب انه خلال التحقيق معنا، سألونا أسئلة داخلية عن كل مخيم وعن أشخاص معينين، استغربنا جدًا".
 
يوسف مستاء من الوضع السياسي الفلسطيني العام "عندما زرنا أبي مازن بالمقاطعة، التقط صورة معنا ودعانا لوجبة غداء، نحن لم نأت لنأكل أو لنسمع الخطابات، جئنا لنسمع الناس وترى معاناتهم ونحكي معهم، لم نأت إلى رحلة استجمام".
 
استياء
 يحكي لنا يوسف عن انطباعاته السيئة من الزيارة، فهو مستاء أيضًا من الوضع في المخيم الذي يحبّه ويعتبره الأمل في العودة، مخيم يفكر كل شاب فيه بالهجرة "قسم تنجح مساعيه ويهاجر.. وقسم آخر يبقى، من يبقى إما يتعلم أو لا يعمل أي شيء، أو ينضم لإحدى "الدكاكين"..لأحد الفصائل"، يقول يوسف ويضيف "الوضع صعب ومعقد جدًا، ليس وضعنا الداخلي فقط.. بل الدولة اللبنانية وكل التضييق ضدنا والعنصرية المقرفة تجاهنا، الناس تتسلح، تخاف أن يتكرّر ما حصل بمخيم نهر البارد، رغم أنّ السلاح الداخلي بالمخيم وصل إلى درجات فظيعة؛ اغتيالات واقتتال، لكن إن أخذوا السلاح ستتحكم الدولة اللبنانية فينا كليًا، متى ننام ومتى نشعل الكهرباء التي نفتقدها أصلا، لا أتوقع أن يحصل بنا كما حصل بنهر البارد ف"عين الحلوة الو ألف حساب".
 
أحلام أكبر من الحدود
يطول الحديث حتى ساعات الصباح، حديث لا ينتهي عمره من عمر نكبة هذا الشعب..نغوص بالتفاصيل والهم المشترك والحلم المشترك، تفاصيل تجعلنا محبطين جدا، لكن لقاءً كهذا يجدّد الأمل فينا.
 
نودع بعضنا مع أحلامٍ أكبر من الحدود التي بيننا، ونتفق على لقاء آخر لكن في فلسطين48.. وأعود أدراجي إلى مدينة حيفا.
 

التعليقات